رئيسة مبادرة هويتي: نحتاج لاستقرار أمني واقتصادي وتطبيق القوانين وتفعيل المحاكم
تزامناً مع التدمير الذي أحدثته الحرب الدائرة في اليمن برزت مبادرة تقودها امرأة لرصد المواقع الأثرية التي تعرضت للتخريب والتدمير في ظل الظروف الصعبة، وتعد مبادرة هويتي الصوت اليتيم المنادي لحماية المواقع الأثرية بعدن وعدد من المحافظات الأخرى
نور سريب
اليمن ـ .
يذكر المؤرخون مدينة عدن باعتبارها إحدى أهم المدن القديمة حيث تعاقبت عليها عدة حضارات، كأوسان منذ القرن الثامن قبل الميلاد، ومملكة سبأ في القرن السابع قبل الميلاد ويعود ذلك لوقوعها على مفترق الطرق العالمية.
ولمعرفة المزيد التقينا مع رئيسة مبادرة هويتي الدكتورة جاكلين منصور البطاني وهي استاذ مشارك بقسم اللغة الإنجليزية في كلية التربية بجامعة عدن.
عن فكرة تأسيس المبادرة قالت جاكلين البطاني "جاءت الفكرة بعدما شاهدنا الانتهاكات التي تتعرض لها المواقع والمعالم الأثرية وغياب دور السلطات المعنية بحمايتها والحفاظ عليها، وقد خضع اختيار اسم المبادرة للنقاش مع الزميلات والزملاء وأعضاء المبادرة قبل إعلانها حتى تم الاتفاق على اسم "هويتي" لأن المعالم والآثار ترتبط ارتباطا كبيراً بهويتنا وثقافتنا وتاريخنا، والحفاظ عليها وتوعية الشعب بالحفاظ عليها يعد واجب وطني".
وخلال الحرب الهمجية التي تعيشها البلاد منذ عام 2015 وحتى اليوم دمرت المئات من المواقع الأثرية من قبل أطراف الصراع، كذلك طالت اتهامات جماعة الحوثي بسرقة نحو 4800 قطعة ومخطوطة أثرية، يعود تاريخها لمئات السنين، وتهريبها إلى كل من إيران ولبنان.
وتطرقت جاكلين البطاني لأهداف المبادرة "أهدافنا كبيرة واستراتيجية فنحن نهدف إلى حماية المعالم الأثرية والتاريخية والحفاظ عليها، وإحياء التراث الجنوبي وإبراز قيمته وأهميته، وتعزيز الهوية الثقافية واعتبار حمايتها والدفاع عنها واجب وطني. أيضاً نسعى إلى صيانتها وترميمها حتى تصل إلى الأجيال القادمة".
وعرفت مدينة عدن الواقعة على ساحل خليج عدن وبحر العرب جنوبي البلاد وهي العاصمة المؤقتة لليمن بطابعها المدني الذي سبق سواها من المدن في المنطقة، وهو ما جعلها غنية بإرث معماري فريد اختلطت فيه ثقافات مختلفة.
وأضافت "عانينا من النظام السياسي السابق الذي تصدر الحكم بعد عام 1990 حيث عمدت السلطات إلى هدم مساجد عدن بحجة التجديد وتم إعادة بنائها بطراز معماري دخيل على المدينة، وأضرب لكم مثلاً على ذلك؛ هدم مسجد أبان في مديرية صيرة بكريتر الذي يقارب عمره ألف عام وتم إعادة بناءه بطراز معماري دخيل على الطابع المعماري الخاص بالمدينة، كما تم طمس معالم عدن التي امتازت بالتسامح والتعايش بين مختلف الأديان حيث هُدمت الكثير من المعابد التي كانت لغير المسلمين، ومنحت أرضيتها ومبانيها للتجار المقربين من السلطة، بالإضافة إلى إحباط محاولات إدخال مدينة عدن ضمن قائمة اليونسكو كمدينة قديمة ومحمية تاريخية من قبل سلطات نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ لأن أمر كهذا يعيق مشاريع استثمارية وتجارية في المدينة القديمة لأصحاب المصالح والموالين للنظام".
واستنكرت جاكلين البطاني عمليات نقل الآثار من مدينة عدن واستباحة مواقعها الأثرية "المؤسف أنه تم خلال العقود السابقة نقل العديد من القطع الأثرية الخاصة بمدينة عدن إلى متاحف مدينة صنعاء، حتى سيارة الملكة اليزابيث التي استقلتها عندما زارت عدن عام 1954 في فترة الاستعمار البريطاني للمدينة تم نقلها من متحف عدن إلى متحف صنعاء، وعانينا من إهمال المتاحف وإفراغها من محتوياتها حيث كشف فحص القطع الأثرية المنهوبة من المتحف الحربي أثناء حرب 2015 أن غالبيتها مزيفة وليست أصلية وتم استنساخها في وقت سابق وهذا أمر مرعب، هل تم نهب القطع الأثرية الأصلية وبيعها، أو أنها لازالت موجودة في مخازن النظام السابق التي أصبحت اليوم بيد جماعة أنصار الله الحوثيين، ولماذا تم وضع قطع مزيفة في متحف عدن الحربي؟، الكثير من التساؤلات التي لم نجد لها إجابة والتي تكشف لنا قضية فساد كبيرة، وهناك العديد من الممارسات التي ارتبطت بالجانب السياسي وهدفت لطمس هوية المدن الجنوبية وتراثها الثقافي وساهمت في انهيار الجانب الثقافي على كافة المستويات، وهذا أحد أهم دوافعنا لتأسيس مبادرة هويتي لنشر الوعي ورصد الاعتداءات المستمرة على المواقع الأثرية والحفاظ على ما تبقى منها".
وتضم عدن أكبر عدد من المعالم التاريخية، ففي مديرية صيرة المعروفة بـ كريتر توجد ثلاث معالم تاريخية بارزة يمتد تاريخها لقرابة الألف عام، وأشهرها الصهاريج الطويلة التي يصل عمرها لنحو 3500 عام، إضافة لمنارة عدن وقلعة صيرة.
ويوجد عدد من المساجد في المدينة يمتد تاريخها لأكثر من 600 عام، كجوهر والعيدروس وأبان الذي تم هدمه وإنشاء مسجد بديل عنه يحمل ذات الاسم، وهناك أيضاً عدد ليس بقليل من المباني التاريخية.
وعن سؤالنا حول الأنشطة التي تمارسها المبادرة أجابت "أنشطة المبادرة متنوعة حيث بدأنا بزيارات ميدانية للمعالم الأثرية ورصدنا الانتهاكات التي تعرضت لها، واستخدمنا الإعلام كوسيلة نناشد من خلالها السلطات وكذلك للتوعية بأهميتها، نفذنا برنامج توعوي في عدن القديمة "كريتر" واستهدفنا أربع مدارس ثانوية، ونفذنا عدة أنشطة توعوية لمدة شهرين وختمناها بمسابقات ثقافية وتكريم للفائزين، واختيار فريق شبابي مكون من 20 طالب وطالبة من الثانويات الأربع أطلقنا عليه (طلائع هويتي)، وعقدنا أيضاً عدة لقاءات مع مدير هيئة الآثار ونائب مدير الأمن بعدن والشرطة السياحية وقيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك لبحث سبل حماية المعالم الأثرية ووقف الانتهاكات ومعاقبة المعتدين، كما أن لدينا مشاريع توعوية واسعة في الأشهر القادمة نحن نهتم بكل مناطق الجنوب ونشاطنا غطى محافظة عدن ونفذنا عدة زيارات لمحافظة لحج، ونسعى لتوسيع انشطتنا لتشمل حضرموت وشبوة وسقطرى وبقية المحافظات ما يعيق انطلاقتنا هو عدم حصولنا على الدعم المالي اللازم لذلك نسعى بخطوات بطيئة".
أما مدن حضرموت وشبوة وسقطرى فغنية بالمعالم الأثرية بشكل كبير، ففي حضرموت يوجد حصن الغويزي، والسلطان، وقصر الباغ وحصن العوالق، وسور المدينة وسدة العيدروس وغيرها الكثير. فيما تملك جزيرة سقطرى مواقع أثرية مهمة وتم تصنيفها في عام 2008 من قبل اليونيسكو كأحد مواقع التراث العالمي.
وأضافت جاكلين البطاني "نسعى لتحقيق أهداف المبادرة وأولها توفير الحماية الأمنية، وتفعيل القوانين الرادعة وتطبيقها، وترميم وصيانة المعالم الاثرية وتعزيز دورها في رفد الاقتصاد الوطني لأننا وجدنا ما يزيد عن ستين موقع أثرى أصبح ضحية التدمير والتخريب والاهمال والبسط".
وطالبت السلطات أن تتجاوب مع عمل المبادرة بشكل أكبر قائلة "طبعاً الجهات المعنية والسلطات المختصة لا تتجاوب معنا بالشكل المطلوب فدورها غائب وشبه منعدم منذ سنوات، التجاوب الذي حظينا به هو فقط من قبل قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي وقد تدخل اللواء بن بريك رئيس الجمعية الوطنية شخصياً وساعدنا بإزالة بناء عشوائي مستحدث بجانب إحدى أهم معالم عدن وهي كنيسة القس (فرانسيس اسيزى) بمنطقة التواهي، ومؤخراً التقينا محافظ عدن الجديد وكان متعاون مع شكاوى المبادرة وساهم في التصدي لبعض الأعمال التي استهدفت المواقع الأثرية".
وعما تحتاج له البلاد للحفاظ على الآثار قالت "نحتاج لاستقرار أمني واقتصادي وتطبيق القوانين وتفعيل المحاكم بحيث يتم معاقبة المعتدين وكذلك المسؤولين المتقاعسين عن أداء واجبهم هذا أولاً، ثانياً نحن بحاجة لأشخاص مؤهلين ووطنيين يعتبروا المعالم الأثرية والتراث الثقافي هوية ووطن يحسنوا إدارته وحمايته وليس مجرد ترف".
وفي ختام حديثها وجهت رئيسة مبادرة هويتي الدكتورة جاكلين البطاني رسالة للسلطات المختصة قائلة "رسالتي أوجهها دوماً للسلطات المختصة إذا كنتم عاجزين عن أداء مَهامكم فعليكم ترك مواقعكم لمن يستطيع القيام بتلك المهام، وأوجه رسالة للشباب والإعلاميين والمجتمع المدني إلى ضرورة التعاون والتوعية المجتمعية بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي وحمايته وتوعية المجتمع المحيط بمواقع الآثار بأنها أملاك عامة للشعب ولا يحق لنا تضييق المصلحة العامة والعبث بها وتدميرها تحت أي مبرر كان، ويجب أن يدرك الجميع بأن المرحلة استثنائية وبحاجة لجهود استثنائية أيضاً".