روائية مصرية: تنميط أدب المرأة معاناة تحتاج لتغيير الثقافة المجتمعية لتجاوزها
تنميط أدب المرأة وحصرها في قوالب محددة، واحدة من الأعباء التي تعاني منها النساء في الوسط الأدبي بشكل عام، خاصةً في مصر.
أسماء فتحي
القاهرة ـ تمكنت الكاتبة والروائية آية ياسر من التعبير عن مكنون معاناة النساء والمواقف والأزمات والمشاعر والاضطرابات التي تعانين منها في مراحل مختلفة من أعمارهن، من خلال مجموعتها القصصية الأخيرة التي حملت عنوان "صرخات مكتومة".
لم تكن المجموعة القصصية "صرخات مكتومة" أول أعمال الكاتبة والروائية آية ياسر، بل سبقها عدد من التجارب الملهمة، بعدما أمسكت قلمها لتخط أولى محاولاتها في سن الثمانية أعوام، وأثقلت موهبتها بالقراءة المتنوعة والمعمقة حتى وصولها للمرحلة الجامعية كونها جعلت من الكتاب الصديق والرفيق والمنير لدربها.
وجاءت محاولتها الأولى الجادة متمثلة في روايتها "ضائعة في دهاليز الذاكرة"، والتي تم إصدارها بعد انتظار بلغ نحو الثلاث سنوات عن إحدى دور النشر في عام 2014 لتتوالى بعد ذلك أعمالها الأدبية، ويمكن القول أن كتاباتها عبرت عن مشاعر النساء ببراعة لكونها تعتمد في سردها بدرجة كبيرة على التحليل النفسي للشخصية وهو الأمر الذي رسم صورة وجدانية بين القارئ وأبطال قصصها فأشعرته بآلام المرأة التي تقدم بها العمر وتحيا وحيدة وغيرها من القضايا المحورية التي تم تسليط الضوء عليها بإبداع شديد الخصوصية والصلابة، وللتعرف أكثر على هذه الأبعاد والمحطات كان لوكالتنا حواراً مع الكاتبة والروائية آية ياسر.
ما المواضيع والقضايا التي تدور حولها مجموعتك القصصية الأخيرة؟
تدور المجموعة القصصية حول تيمة القهر بأشكاله المختلفة سواء كان للمرأة أو الطفل أو ذوي الاحتياجات الخاصة وجانب من القهر السياسي بشكل رمزي. فقد تناولت المجموعة هذا النوع من الألم الذي يعجز حاملوه عن التعبير عنه والإفصاح عما يفعله بهم وتأثرهم بما ينتج عنه من معاناة، كما تناولت عدد ليس بالقليل من قضايا النساء والمعاناة التي تعشنها سواء إثر تعدد الزوجات أو ختان الإناث أو الكبت الجنسي والحرمان من التعليم.
وهناك قصة تناولت مشاعر ذوات الاحتياجات الخاصة والتي تدور حول معاناة امرأة صماء وبكماء، وكذلك مشاعر المرأة التي يتقدم بها العمر بعد ترك ابنها لها وما تتكبده من آلام في وحدتها، بالإضافة إلى عدد من القضايا الخاصة بالأطفال سواء من ذوي الاحتياجات الخاصة أو المضطربين نفسياً بفعل أسلوب التربية الخاطئ الذي أثر بالتبعية في تكوينهم النفسي.
وهناك قصة رمزية تتحدث عن فلسطين، لامرأة تلقب بأم موسى ومعها طفل رضيع ولأن زوجها من المقاومين للاحتلال يتم اقتحام منزلها وتقتل الأم بينما يحاول طفلها الرضاعة منها وإفاقتها دون جدوى، وأخرى تحدثت عن الأزمة السورية في صورة مدينة للأشباح تعرضت للقصف وواحدة من العائلات السورية تسرد ما حدث لهم ولأهل المدينة وينتهي الأمر بقتلهم جميعاً على يد غارة جوية تنهي معاناتهم للأبد.
ذكريات الأمكنة سبق وخطفت الأبصار... ما أبرز كتاباتك التي سبقت مجموعة "صرخات مكتومة"؟
لدي ثلاثة روايات سبقت "صرخات مكتومة"، وكانت "ضائعة في دهاليز الذاكرة" أولى الأعمال وهي بوليسية المضمون. وتلتها رواية بعنوان "همس الأبواب" وهي تحمل طابع الفانتازيا الماورائية نشرت عام 2017، ولاقت اهتمام عدد ليس بالقليل من الدول العربية وناقشها مجموعة من النقاد كنادي أدب صنعاء.
واتجهت للكتابة عن الطفل من خلال مجموعتي القصصية التي حملت عنوان "متى سأكبر"، والتي شملت مجموعة من القصص التعليمية والاسترشادية للأطفال بأسلوب بسيط وشيق يتناسب وأعمار من أخاطبهم من خلالها.
وتلي ذلك صدور رواية حملت عنوان "ذكريات الأمكنة" وهي اجتماعية سياسية تاريخية ناقشت تحولات المجتمع المصري من نهاية الملكية وصولاً لقبيل ثورة 25 يناير، وكانت الرواية موضوع لرسالة ماجستير في الجزائر بجامعة الصديق بن يحيي.
واضح اهتمامك بقضايا النساء وأزماتهن... ما العلاقة التي تربطك بذلك الملف والتي سلطتي الضوء عليها من خلال أعمالك؟
أميل في كتاباتي للتحليل النفسي بشكل عام فأتحدث عن العقل الباطني والأحلام المكبوتة لدى الشخصية من خلال ما تصرح به أو يدور في أعماقها، والكثير من شخصيات أعمالي نسائية ومنها روايتي الأولى "ضائعة في دهاليز الذاكرة"، فبالرغم من أنها بوليسية إلا أنها احتوت على الجانب النفسي ورصدت ما تعرضت له بطلتها من ضغوط ومشاعر فقد.
وتطرقت في كتاباتي لعدة مشاعر مرتبكة تتعرض لها الفتيات ومنها على سبيل المثال لحظة البلوغ عند بطلة واحدة من قصصي ولكونها فقدت الأم والعمة التي كانت ترعاها مر عليها الأمر بشكل مرتبك وغير تقليدي ترك في نفسها ألماً دفيناً ظل مصاحبها وترك في مخيلتها خوفاً لكونها كانت وقتها على قناعة أنها ستنزف حتى الموت.
البعض يتأثر بحياته الشخصية عند الكتابة والوقوف على أبعاد الشخصيات والأبطال، فإلى أي مدى تجدين ذلك الأثر في رواياتكِ وهل ترين أن الأدب بشكل عام مؤثر في قضايا النساء؟
بالطبع يتأثر كل منا بتجربته الذاتية في الحياة خاصة فيما يتعرض له من قصص شبه يومية، وقد حدث الأمر ذاته معي فظلت الكثير من الحكايات التي صادفتها عالقة في ذهني واستخدمت عدد منها في رواياتي، ولكن اعمالي يغلب عليها حالة المزج بين ما هو واقعي وخيالي وهو ما يجعل الشخصيات أقرب للطبيعة الإنسانية بتناقضاتها ومحاورها التي تحتمل الخطأ والصواب لكوني انفر من الملائكية أو الشيطانية المطلقة.
ولكن المجموعة القصصية "صرخات مكتومة" كانت أقرب للواقعية منها للخيال، وجانب من القصص التي وردت بها كانت حقيقية سبق والتقيت بعض أبطالها في الواقع ومزجت معها جانب من خيالي.
أما عن تأثير الأدب على واقع المرأة فهو فاعل في جوانب متعددة ومنها التناول ذاته وطرح المعاناة على الساحة الثقافية والمجتمعية ولكنه يحتاج لقراء كثر حتى نستطيع أن نعتبره مغيراً لواقع النساء.
وهناك عدد من العوامل يمكنها الارتقاء بدور الأدب وتأثيره ومنها إتاحة الكثير منه إلكترونياً ليواكب الثورة التكنولوجية الحالية، وأيضاً تحويل جانب منه لأعمال درامية فجميعها أمور توسع من القاعدة المستهدفة وتخلق حالة التغيير.
في الكثير من المجالات يتم حصر النساء في أدوار وقوالب محددة... فماذا عن الروائيات وهل هناك تنميط لهن؟
هناك تنميط لأدب المرأة بشكل عام فعادةً ما تصنف كتاباتهن أنها نسوية أو نسائية وذاتية وبها تمحور حول بعض الأنماط كقضايا الأمومة والصحة الإنجابية والمشاعر الرومانسية، رغم أن هناك الكثيرات قد تمكن من كسر هذا التصور وخلقن حالة مختلفة بإبداعاتهن ومنهن مثلاً نسمة عاطف التي قدمت أدب الرعب بتمكن شديد، إن تنميط أدب المرأة معاناة تحتاج لتغيير الثقافة المجتمعية لتجاوزها.
كما أنه هناك عدد من العقبات تواجه الروائيات ومنها الصورة النمطية الراسخة في ذهن المتلقي عن الكاتبات، بالإضافة إلى أزمتنا الذاتية والمتعلقة بالتحرر من الخوف لكوننا عادة ما نفكر في خطورة إسقاط النص علينا، فالرجال في هذا المجال متحررون من كتاباتهم بينما النساء مقيدات في الكتابة فهن تخفن من نظرة المجتمع خاصة إن كان الأمر يرتبط بمحتوى عن التحرر.