رواية "أثير غزة"... صوت المرأة الفلسطينية في مواجهة الموت
ترصد رواية "أثير غزة" معاناة وصمود المرأة الفلسطينية وسط الدمار والحرب المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
نغم كراجة
غزة ـ تسلط رواية "أثير غزة" الضوء على معاناة المرأة الفلسطينية خلال الحرب الدائرة في غزة، ونقل قصص الصمود والإرادة وسط الدمار والفقد، مجسدة واقع النساء اللواتي يواجهن الموت والنزوح يومياً، وتعكس التحديات التي تعشنها الفلسطينيات وتوثّق نضالهن من أجل البقاء والحفاظ على الهوية.
تحت الركام حياة
عندما أطلقت الشابة الفلسطينية أمل محمد أبو سيف، روايتها "أثير غزة"، لم يكن ذلك مجرد عمل أدبي، بل نافذة إلى عالم من المعاناة التي تعيشها المرأة الفلسطينية تحت نيران الحرب، وتعكس حياة النساء والفتيات اللواتي شهدن الفقد، النزوح، والنجاة من الموت مراراً، وتقول لوكالتنا "أثير بطلة الرواية، تجسد هذه المعاناة المتراكمة التي تعيشها كل امرأة في غزة، حيث يلاحقها الموت أينما ذهبت، ولا تجد الأمان حتى وهي تلوذ بالفرار".
أحداث الرواية بدأت بغارة إسرائيلية مدمرة تركت "أثير" مدفونة تحت الركام، وبينما كانت شقيقتها قد فقدت حياتها في تلك اللحظة، تظل هي محاصرة بجروح في الذاكرة والجسد، لتخرج من تحت الأنقاض بحثاً عن معنى جديد للحياة، القصف لا يتوقف، وحيثما تذهب تطاردها الانفجارات التي لا تميز بين البيوت والمدنيين "حياة أثير تصبح مرآة لحياة آلاف الفلسطينيات اللواتي يبحثن عن طوق نجاة وسط الدمار المستمر".
بين الموت والصمود
الشخصيات النسائية في الرواية تقدم طيفاً واسعاً من المعاناة، من بينهن تبرز شخصية "الخالة آمنة"، المرأة الفلسطينية الصابرة التي ترفض النزوح عن أرضها رغم المخاطر المحدقة بها "هذا النوع من الصمود لا ينبع من شجاعة مجردة، بل من شعور عميق بالانتماء للأرض التي يرفضن الفلسطينيات تركها، وكأنهن يعلمن بأن التهجير ليس خياراً، بل تكرار لمأساة النكبة عام ١٩٤٨ التي ما زالت جراحها تنزف"، بحسب ما قالته.
وتسلط رواية أمل أبو سيف الضوء على هذا النوع من المقاومة النسائية، الذي لا يتجسد فقط في الصمود المادي، بل أيضاً في الصمود الروحي والنفسي، فالأمل الذي تتشبث به النساء هو أمل في حياة كريمة، حياة لا تملأها الرصاصات ولا تحاصرها جدران الفصل العنصري.
تجربة النزوح القاسي
وتستلهم أمل أبو سيف من حياتها الشخصية في رسم تفاصيل "أثير" وباقي شخصيات الرواية، فهي التي نشأت في مخيم النصيرات وسط غزة، اضطرت خلال الحرب للنزوح مع أسرتها والعيش في خيمة طيلة فصل الشتاء، وهي تجربة تركت بصماتها على حياتها إلى الأبد، وتصف هذه التجربة بأنها "قاسية ولا تُنسى"، حيث افتقدت عائلتها للأمان، وأصبحت العودة إلى المنزل حلماً بعيد المنال.
فمثل "أثير"، خاضت أمل أبو سيف تجارب نزوح متكررة خلال الحرب، لتعيش حياة محفوفة بالمخاطر بين القصف المتواصل والخوف الدائم من فقدان آخرين من عائلتها، وفي ظل هذه الظروف، ولدت "أثير غزة"، كعمل أدبي يوثق هذه المعاناة ويقدمها للعالم.
وما يجعل الرواية مميزة هو قدرتها على إعطاء صوت الفلسطينيات اللواتي يعشن تحت وطأة الاحتلال، وتفيد أمل أبو سيف أن "أثير ليست مجرد شخصية خيالية، بل هي رمز للمرأة التي تواجه صنوفاً من المعاناة اليومية، فالنساء في الرواية يظهرن أنواعاً مختلفة من القوة، سواء كانت القوة الجسدية أو النفسية، حيث يجدن في الصمود السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة وسط بحر من الألم".
الحرب والهوية
وتتجاوز الرواية تفاصيل المعاناة اليومية لتربط بين الأحداث والشخصيات وبين الهوية الفلسطينية بشكل عام، فالقوات الإسرائيلية لم تستهدف فقط حياة الفلسطينيين، بل استهدفت أيضاً ثقافتهم وتاريخهم وتراثهم.
وعلى الرغم من كل ما مرت به أمل أبو سيف خلال الحرب، تمكنت من تحويل معاناتها الشخصية ومأساة مجتمعها إلى عمل أدبي يعكس الواقع بشجاعة ودقة، خلال الأشهر الطويلة التي قضتها تحت القصف، استلهمت أفكار روايتها الأولى، حيث استخدمت الكتابة كوسيلة للتنفيس عن آلامها وتوثيق المآسي التي مرت بها غزة، وتضيف "بدأت في كتابة الرواية في حزيران وأنهيتها في تموز الماضي".
وتؤمن بأن الأدب يمكن أن يكون أداة قوية لتغيير الواقع وتسليط الضوء على الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، وتأمل أن تصل رسالتها إلى كل من يقف مع الحق الفلسطيني، وأن يكون هذا العمل الأدبي توثيقاً لما مر به الشعب خلال هذه الحرب العنيفة.
نحو مستقبل يحمل الأمل
وتسعى أمل أبو سيف من خلال روايتها إلى إيصال صوت كل امرأة فلسطينية للعالم، مؤكدة أن الحروب ليست مجرد مشاهد من العنف والدمار، بل قصص إنسانية مؤلمة تحتاج إلى من يوثقها ويخلدها، ورغم الظروف القاسية التي مرّت بها، ويبقى أملها الأكبر أن يساهم هذا العمل الأدبي في إبقاء ذكرى تلك المراحل الصعبة حية، وتصل إلى كل من يسعى لفهم القضية الفلسطينية من منظور إنساني وأدبي.
بهذا تختتم روايتها "أثير غزة"، وكأنها تضع بين يدي القارئ مرآة تعكس الواقع المرير الذي عاشته غزة قائلة "من لا يكتب قصته ستموت، علينا أن ندون جميع الأحداث التي نعيشها خلال هذه الحرب العصيبة".