روان حلاوي تجسد حياة ريم بنا في مسرحية "يا ليل ما أطولك"

عاشت روان حلاوي قصة ريم بنا بمعاناتها، بفقدانها صوتها، باستئصال ثديها بعد إصابتها بسرطان الثدي الذي عايشته لسنوات وسنوات، ووفاتها في عام 2018.

كارولين بزي

بيروت ـ بعد غياب أربع سنوات، أطلت ريم بنا على المسرح لتروي قصة حياتها من خلال مسرحية "يا ليل ما أطولك" وهي قصة امرأة فلسطينية صدح صوتها عالياً رافضةً القتل والظلم والاضطهاد، لا بل رفضت المرض والتعب وفقدانها أغلى ما تملك الصوت الذي حاربت به ودافعت به عن أرضها وحملت به قضيتها إلى أصقاع العالم.

 

"مشروع مشترك بين ريم وروان"

ترجمت روان حلاوي الممثلة اللبنانية مشاعر ريم بنا على خشبة مسرح المدينة في الحمرا في مدينة بيروت بمسرحية "ما أطولك يا ليل". تعرفت روان إلى ريم في العام 2018 واتفقتا على العمل على مشروع مشترك هو عبارة عن مسرحية "يا ليل ما أطولك" التي قدمتها روان حلاوي بغياب ريم بنا.

عاشت روان حلاوي قصة ريم بنا بمعاناتها، بفقدانها صوتها، باستئصال ثديها بعد إصابتها بسرطان الثدي الذي عايشته لسنوات وسنوات.

لم تكن ريم بنا التي أطربت نفوسنا تلك المرأة السعيدة، لا بل خلف ذلك الصوت مأساة صقلت موهبتها. ريم التي رفضت الحديث مراراً وتكراراً عن والدها على المسرح، كان طلبها فقط أن يسمعها، أن يسمع صوتها وهو الذي لم يكن راضياً دخولها مجال الفن.

روان حلاوي التي جسدت حياة ريم بنا على المسرح وجسّدت حياتها في "يا ليل ما أطولك" بعمل عاطفي ومليء بالمشاعر، تقول لوكالتنا "يا ليل ما أطولك كان مشروعاً خاصاً بيني وبين ريم بنا. تعرفت إلى ريم في آخر زيارة لها إلى لبنان قبل أن تتوفى في عام 2018، وعندما التقيت بها وخلال اللقاء أخبرتني أنها فقدت القدرة على الغناء".

 

 

"ريم الإنسانة"

وأضافت "أخبرتها بأنه على الرغم من أنها لم تعد قادرة على الغناء بطبقات عالية ولكن صوتها لا يزال مسموعاً. وكانت قد أخبرتنا في تلك الجلسة أنها تحب التمثيل والمسرح، فاقترحت عليها أن نكتب قصة حياتها وأن تصعد المسرح وتقدمها، وبالفعل اتفقنا، ثم التقينا وسجلنا 19 تسجيلاً عن طفولتها وعن المراحل التي أثرت بها كـ "ريم" الإنسانة بعيداً عن الفن".

خلال العرض المسرحي الذي قدمته روان حلاوي وكانت تتحدث فيه بلسان ريم بنا، ثمة لحظات كان يعلو فيها صوت ريم من خلال تسجيلات كان يتم إذاعتها على المسرح تتحدث فيها عن مواقف أثرت بحياتها.

وأشارت روان حلاوي إلى أن هذه التسجيلات هي التي اعتمدت عليها لإعداد نص المسرحية "عندما رحلت ريم استغربت لماذا أعطتني هذه الأمانة إذ لا تاريخ يجمعني بريم، وقررت أن أكمل المسرحية وعملت مع مخرج العمل سليم الأعور. عملت على النص وقمنا ببحث دقيق جداً عن ريم".

بين انطلاق المشروع ووفاة ريم بنا وعرض المسرحية مر أربعة سنوات، وتوضح روان حلاوي "لأن تحضير العمل كان يحتاج وقتاً طويلاً، وقدمت لنا مؤسسة آفاق دعماً في العام 2019، وبعدها انطلقت الأزمات في لبنان من ثورة 17 تشرين الأول 2019 مروراً بانفجار المرفأ في 4 آب 2020 والأزمة الاقتصادية، لذلك لم يكن الوقت مناسباً وجاء التأجيل حتى استطعنا عرضها الآن، المشروع كله حدث بالصدفة وحتى التوقيت لم يكن مخطط له".

 

"ريم منحتني هدية"

كررت ريم بنا عبارة أن أحداً لن يستطيع إسكاتها وشككت كثيراً أن ما حصل لصوتها لم يكن صدفة، بل اتهمت بطريقة غير مباشرة "الاحتلال الإسرائيلي" بمحاولة إسكاتها من خلال التهاب الرئة الذي لم يكشف عنه الأطباء في مستشفيات فلسطين المحتلة، وتؤكد روان حلاوي "أن أحداً لم يستطع إسكات ريم، كنت أفكر بأنني استطعت أن أجعل الناس يستمعوا مجدداً إلى ريم، وأعتقد أن ريم منحتني هدية بأن أجسد شخصيتها على المسرح. هذا الدور سأعتز به طوال حياتي وهو الدور الذي سأذكره مدى الحياة".

أتقنت روان حلاوي اللهجة الفلسطينية بعد تدريبات طويلة، وتقول "احتجت للتدرب على اللهجة وحفظ النص نحو ستة أشهر، ولكن الذي ساعدني هو أنني كنت أسمع دائماً صوت ريم يتردد بأذني، كما كانت ريم تتحدث اللهجة الفلسطينية الصحيحة ولكن بسبب جولاتها العالمية وجمهورها في كل العالم كانت تعتمد لهجة مخففة، لذلك قررنا ألا نلجأ إلى اللهجات المناطقية بل اعتمدنا اللهجة البيضاء التي استخدمتها بالتسجيلات".

 

"صوت فلسطين"

وأضافت "عندما تعرفت إلى ريم وإلى قصتها، وصلت إلى قناعة أنه لا يجب أن نحكم على أي شخص من دون أن نعرفه. ريم امرأة قوية جداً، على الرغم من كل المعاناة التي مرت بها ولكنها بقيت صلبة وصامدة، هي مقاومة كما أنها صوت فلسطين، وقاومت على كل المستويات. من الجميل أن هذه العائلة الصغيرة المؤلفة من والدتها ووالدها وشقيقها وأولادها أثرت بها كثيراً وصنعت منها المرأة التي تعرفنا إليها والتي تركت لنا إرثاً كبيراً".

وأوضحت "تعلمت من ريم أن الإنسان يستطيع أن يقاوم ويغيّر حياته ويتحدى الظروف، حياة ريم ستؤثر بمرتادي المسرح لفترة طويلة وستكون مثالاً يُحتذى به في العالم العربي، أتمنى أن يشاهد قصتها العالم أجمع وأن نقوم بجولات نعرض فيها حياة ريم لكي يتعرف عليها الجمهور بشكل أكبر ولاسيما حياتها الشخصية، وأن يتعرف الجيل الجديد على ريم كامرأة ومناضلة ومقاومة".

 

"علاقة ريم بوالدتها"

حرصت روان حلاوي على إيصال ألم ريم بنا للجمهور، وتقول "عملت بجد على تقديم هذا العمل المسرحي بشكل أكاديمي، لكي نستطيع إيصال وجع ريم، علاقتها بوالدتها كانت علاقة قوية جداً ويُحتذى بها، أعتقد أن والدتها كان لها دور كبير بالشخصية، فريم كيف كانت وكيف أصبحت".

حاولت روان حلاوي أن تكون أمينة على الإرث الذي تركته لها ريم بنا وهو تسجيلات بصوتها، فترجمت هذه التسجيلات في "ما أطولك يا ليل" إلى مشاعر وأحاسيس.

مواقف عاطفية كثيرة كانت محور العمل، بدءاً بعلاقة ريم بنا بصوتها، مروراً بعائلتها ووالدتها وزوجها وأولادها ووالدها الذي رفضت الحديث عنه بالتفصيل. وعن العلاقة التي أثرت بروان حلاوي تقول "كل هذه المواقف والعلاقات هي التي جسدت الشخصية، التحدي بإعداد التمثيل هو بأن نترجم ونضع أنفسنا بالمواقف والظروف التي مرت بها ريم لكي نقدم الشخصية بصدقيتها".

لحظات مؤثرة وعاطفية مرت بها روان حلاوي على المسرح جعلتها تذرف دموعاً خلال تجسديها الشخصية، كما انعكست مشاعرها على رواد "ما أطولك يا ليل" الذي تفاعل أغلبهم مع ريم ومشاعر روان.

ووجهت روان حلاوي تحية إلى عائلة ريم بنا، ولفتت إلى أنها تواصلت معهم واستأذنتهم لكي تقدم قصة حياة ريم على المسرح "عبرت عائلة ريم عن حماستها للمشروع وأحبت الفكرة، كنت على تواصل معهم طوال الوقت، وسأرسل لهم المسرحية مسجلة، وكانوا متشوقين لأن الناس ستستمع إلى ريم مجدداً وتتعرف على ريم الانسانة".

تم تقديم مسرحية "يا ليل ما أطولك" على ثلاثة عروض في مسرح المدينة، وتأمل روان حلاوي بأن تستمر هذه العروض وأن تقوم بجولات عالمية تقدم فيها حياة ريم بنا.

 

"عشنا مراحل حياة ريم"

أكد الحاضرون أن ريم بنا ستبقى حاضرة بينهم على الرغم من وفاتها، وتقول عبير الغريب لوكالتنا "المسرحية عاطفية جداً، عشنا مراحل حياة ريم من مرضها إلى طفولتها وزواجها وعلاقتها بوالدتها وأولادها، تأثرنا كثيراً بكل الأحداث".

وأضافت "لم أكن أعرف تفاصيل عن معاناتها مع المرض والمشاعر التي كانت تنتابها والأفكار التي كانت تتبادر إلى ذهنها، وكيف قاومت المرض بل وأصبحت صديقة له في إحدى المراحل"، مؤكدة أن صوت ريم بنا سيبقى عالياً "والدليل بأننا لا زلنا نتحدث عن ريم ونسمعها، ولا زالت تعيش بيننا".

 

 

"روان حلاوي استحضرت ريم بنا"

متأثرة بقصة حياة ريم بنا قالت ميساء حنوني يعفوري "استحضرت روان حلاوي ريم بنا، أعلم أن ريم توفيت منذ فترة ولكن لا تزال روحها موجودة بيننا، وأنا من الأشخاص الذين يحبون ريم كثيراً". وأشادت بقدرة روان على استحضار روح ريم بنا على المسرح.

وعن أكثر المواقف التي تأثرت بها، تقول "تأثرت بأكثر من موقف، ولكن اللحظة التي أطلعت فيها أولادها بأنها تعاني من السرطان كانت مؤثرة جداً. وأيضاً عندما انفصلت عن زوجها كان الموقف قاسياً جداً"، موضحة "في اللحظة التي تشعر فيه المرأة بالمرض أو بالضعف فإن أقرب الأشخاص من المفترض أن يكون زوجها ثم أولادها لكنها انفصلت عنه بعد المرض".

 

 

وأشارت إلى أنها كانت تعلم "أن حياة ريم بنا كانت صعبة منذ أن أصابها مرض السرطان، وكنت أدرك بعض التفاصيل عن حياتها الزوجية، ولكنني لم أكن أعلم أي تفاصيل عن علاقتها بوالديها، ولم أعرف أن والدة ريم كانت مقاومة وأقوى منها وتركت والدهم الذي كان صعباً وقاسياً معهم، ومن المشاهد التي تأثرت بها كثيراً كانت اللحظة التي طلبت فيها ريم من والدها ألا يقول شيئاً بل يسمعها فقط".