رندلى جبور توقع "حياتي الثانية" وتمنحها لـ "وجود"
يحتار القارئ قبل أن يتصفح رواية "حياتي الثانية" بين عدة معانٍ تقصدها كاتبة الرواية رندلى جبور. "حياتي الثانية" هي الرواية الثانية للإعلامية ورئيسة نقابة العاملين في المرئي والمسموع رندلى جبور التي وقعت روايتها الأولى "أيلا" في العام 2015
كارولين بزي
بيروت ـ سنوات عديدة تفصل بين الرواية الأولى والثانية التي وقعتها مؤخراً في 30 حزيران/يونيو من العام الحالي، وبين "أيلا" و"حياتي الثانية" مسارات مختلفة وإخفاقات وصدمات تركت أثراً على بطلة الرواية وكاتبتها التي ترجمت تلك المشاعر إلى رسالة لعلّ قارئها يستفيد من التجربة.
"حياتي الثانية... مرحلة جديدة نصنعها بأنفسنا"
تعيش رندلى جبور مع بطلة روايتها "وجود" كل تفاصيل حياتها، فهي تتحدث عنها بشغف وحب ومتعة، وأيضاً بألم وحزن وضيق. الكاتبة التي ودّعت والدتها في 30 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2020، وانطفأت مع رحيلها حياة رندلى جبور الأولى لم تستطع بعد أن تنتقل إلى عيش حياتها الثانية ولكنها منحت تلك الحياة لبطلتها "وجود".
تتحدث رندلى جبور لوكالتنا عن سبب إطلاق عنوان "حياتي الثانية" على روايتها وتقول "عندما توفيت والدتي شعرت بأن حياتي انتهت ولكنني لا زلت على قيد الحياة، وكان لا بد لي أن أختار بين الاستسلام أو أن أكمل بحياة جديدة، وهي مرحلة جديدة نحن نصنعها بعد النكسات والصدمات، بعد الحب والفراق والموت".
وأوضحت "الحياة الثانية في روايتي لا علاقة لها بالماورائيات ولا بالحياة ما بعد الموت، فهي بعيدة عن الأمور الدينية والفلسفية والتقمص وغيرها، هي دعوة إيجابية لكل شخص في هذه الحياة، بأن القرار بأيدينا بأننا نستطيع أن نصنع لأنفسنا حياةً جديدة كي نخطو فيها خطوات إلى الأمام تليق بنا وبنبضات قلبنا التي ما زالت تنبض بالرغم من كل شيء".
وعن روايتها قالت أنها "تتناول الكثير من الأمور النفسية ومن الطاقة الإيجابية وتساعد كل فرد عاش أن يتخطى النكسات التي عاشها في حياته، وبأن ما زالت لديه الفرصة بأن يعيش ويكمل وبأن الأمل لا يزال موجوداً، الرواية ليست خارطة طريق ولكنها بالتأكيد محفز ومنبه بأنه نعم نستطيع أن نقف على قدمينا ونصنع لأنفسنا السعادة من جديد، إذ أذكر في الرواية بأن السعادة ليست شيء نلتقي به في الشارع ولا هي منحة من أحد ولكنها إحساس داخلي نخلقه من ذاتنا لكي نقول نعم السعادة موجودة".
"لهذا السبب اخترت وجود"
وعن القصة التي تتناولها "حياتي الثانية" تقول "حياتي الثانية هي رواية بلسان البطلة التي تحمل اسم "وجود"، وهي تخبر القارئ عن قصة حياتها من خلال جلسات علاج مع معالجة نفسية اسمها "جانين". هناك بطلتان أساسيتان في هذه الرواية وهما "وجود" المرأة التي شعرت بألم في معدتها وتم تشخيصه على أنه ضغط عصبي ما دفعها إلى الذهاب إلى معالجة نفسية، والبطلة الثانية هي المعالجة النفسية التي ترصد الحالات التي تمر فيها "وجود" من منظور علم النفس، وفي النهاية وعلى الرغم من كل ما تمر به بالإضافة إلى خسارتها لـ"جانين"، تستطيع "وجود" أن تصنع نهاية سعيدة لحياتها وأن تُحدث تغييراً كبيراً وتبدأ حياةً ثانية بعمل جديد ووطن جديد وبحالة اجتماعية وعاطفية جديدة".
لم يكن اختيار رندلى جبور اسم "وجود" لبطلتها عن عبث، وأوضحت "اخترت هذا الاسم لأن وجود هي التي تخبرنا عن معنى الوجود الذي اكتشفته بعد العلاج النفسي الذي خضعت له، ولكي نقول بأن الوجود حتى لو تلقى ضربات يكمل ويصمد ويستمر".
لا يزال موضوع العلاج النفسي من المواضيع المحرمة ربما أو التابو في مجتمعاتنا العربية، ولكن "وجود" امتلكت الجرأة ولجأت إلى العلاج النفسي كما تقول رندلى جبور "وجود في بداية الرواية تتردد كثيراً في تلقي العلاج النفسي، وتطرح على نفسها أسئلة عادةً ما يطرحها الناس، حول ضرورة الذهاب إلى الطبيب النفسي وأن كانت فعلاً تحتاج لعلاج نفسي، وغيرها من الأسئلة التي تتناول أيضاً نظرة المجتمع لبطلة الرواية، إذ تطرح وجود الأسئلة التي يسألها كل واحد منا على نفسه، ولكن وجود امتلكت الجرأة في اتخاذ قرار العلاج النفسي".
"العلاج النفسي ضرورة"
وأضافت "العلاج النفسي ضروري لكل شخص منا ولاسيما في العالم العربي في ظل الظروف والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والأمنية، والضغط الإعلامي الذي نعيشه".
وأوضحت "رسالتي من لجوء بطلة الرواية إلى العلاج النفسي، هي للتأكيد أنه ليس معيباً أن يذهب الفرد إلى المعالج النفسي حتى لو لم تكن قصصنا معقدة، الأمر الذي يساعدنا على فهم أنفسنا أكثر وتفهم الآخرين بطريقة أفضل، وهو الأمر الذي سيجعلنا نعيش حياةً هادئة وينعكس استقراراً على محيطنا".
وعن القواسم المشتركة بين رندلى جبور ووجود، تعتبر الكاتبة أنه "لا يوجد كاتب يؤلف رواية من خيال مجرد إلا في ما ندر، إذ يضع الكاتب دائماً من ذاته، وبالتالي وضعت من ذاتي كثيراً، أنا عشت الحب والفراق، عشت الموت والخوف والقلق، هذه المشاعر والأفكار الموجودة في هذه الرواية فيها من رندلى جبور ولكن الأحداث لا علاقة لها بي، أنا عبّرت من خلال الأحداث التي لها علاقة بالبطلة "وجود" عن جزء من أفكاري وأحاسيسي وأشياء مررت بها".
أسندت رندلى جبور في روايتها الأولى "أيلا" البطولة للمرأة، وها هي تكرر التجربة الآن وتمنح البطولة لامرأتين. عن سبب إسنادها البطولة للمرأة في الروايتين تقول "أولاً أنا امرأة وربما لا يستطيع أن يعبّر عن المرأة أكثر من المرأة ذاتها، أشعر بالارتياح لأنني أعبر بلسان المرأة وإلا سأذهب في كتاباتي إلى الخيال أكثر في حال اخترت بطلاً رجلاً لروايتي، لم أستطع أن أرى نفسي أتحدث بصيغة الرجل وخاصة أنني أتحدث بصيغة الأنا".
وأشارت إلى أنه "في الرواية هناك قصص نجاحات ورسائل للمرأة كي تكون سعيدة وتنجح وتحقق ذاتها، وهي رسالة بأنني أنا امرأة وبطلتي امرأة وهي بطلة فعلية إذ استطاعت أن تصنع حياةً ثانية واستطاعت أن تنجح وتبرز وتحقق شهرة في الرواية، وفي الوقت نفسه استطاعت أن تكوّن حياةً عائلية واجتماعية".
وأضافت "إذاً هي رسالة باتجاهين، كوني امرأة فيجب أن أتحدث عن المرأة، ثانياً المرأة البطلة يجب أن نتحدث عنها، لأن المرأة هي كائن ينجح ويبدع ويساعد محيطه إذا أتيحت لها الفرصة".
ولفتت رندلى جبور إلى أن الرواية تطلبت لإنجازها سنة ونصف "الكتابة في العالم العربي ليست مهنة ولا مصدر رزق، لذلك اضطررت لأن أتفرغ للكتابة في أوقات الفراغ أو في الوقت الذي كنت أشعر فيه بالراحة وبالتالي لم يكن عملاً متواصلاً، إذ لدي انشغالات أخرى، في مهنتي في الإعلام والتعليم الجامعي والنقابة إلى جانب واجباتي تلك كنت أكتب الرواية لذلك تطلبت مني وقتاً طويلاً".
وأوضحت "كتبت الرواية على مدى سنة ونصف مع ذروة انتشار فيروس كورونا في البلاد وما بعد مرحلة 17 تشرين الأول تاريخ الانتفاضة، وكل الأزمات التي حلّت بالبلد".
"وجود قوية لأنها كائن حبري"
ورداً على سؤال عن إن كانت رندلى جبور انتقلت إلى حياتها الثانية على غرار وجود، قالت "لا أعلم أن كنت قد بدأت، أبذل جهداً لأنتقل أو أصنع حياتي الثانية. لكن بالتأكيد حتى أنا تعلمت من روايتي، الانطلاق بالحياة الثانية أو التطبيق يحتاج إلى وقت إلا أن الرغبة بالتغيير موجودة والمساعي بدأت".
بعدما استطاعت "وجود" أن تتجاوز كل العراقيل والصعوبات التي واجهتها في حياتها وأن تصنع حياةً ثانية في الوقت الذي لم تنتقل رندلى جبور فيه إلى الحياة الثانية التي رسمتها لوجود بعد، فهل "وجود" أقوى من رندلى؟
وعن ذلك تقول "أحياناً الكتابة والخيال أسهل من الواقع، من السهل أن نطلب من أحد الأشخاص ألا يبكي ولا يحزن ولكن إذا كان يشعر بالضيق سيبكي ويحزن، ومن السهل أن نطلب من الآخر أن ينهض ولكن إذا تعرض لصدمة مثلاً فهو يحتاج لوقت لكي يتجاوز الأزمة".
وأكدت على أن "وجود أقوى لأنها كائن حبري، بالحبر نستطيع أن نتجاوز الصعوبات بسرعة وننجح ونتفوق بسرعة وننتقل من بلد إلى بلد بسهولة أكبر، على الرغم من صعوبة هذه الأمور في الواقع ولكن بالتأكيد نستطيع أن نتخطاها ولكن الأمر يتطلب وقتاً، رندلى جبور تحتاج وقتاً أطول من وجود لكنها بالتأكيد تستطيع أن تحقق ما حققته بطلة الرواية".
واجهت رندلى جبور خلال مرحلة ما بعد 17 تشرين الأول/أكتوبر هجوماً ممنهجاً وانتقادات وتنمراً بسبب انتمائها السياسي للتيار الوطني الحر، وهي المرحلة التي قررت فيها أن تكتب روايتها.
تعلق رندلى جبور على تلك الفترة وتقول "تعرضت في الفترة الماضية للتنمر والملاحقات ولضغوط نفسية وإعلامية ولكن كنت كالشخص الذي يرتدي عازلاً لا يتأثر بهذه التعليقات، بل على العكس عبّرت عن هذه الضغوطات بطريقة إيجابية عبر انتاج أدبي".
وأكدت "واجهت صعوبات ولكن ليس في الرواية، بل كتابة الرواية كانت نوعاً من العلاج وراحة نفسية ونوعاً من الهروب من الواقع، أنا هربت من هذا الواقع ولكن بطريقة صحية وسليمة وأنتجت هذا الابداع الأدبي".
"روايتي هوجمت بسبب انتمائي السياسي"
على الرغم من أن "حياتي الثانية" لا ترتبط بالسياسة ولا بالانتماء السياسي لرندلى جبور، ولكنها لم تسلم من الانتقادات التي ساقها المتنمرون من دون أن يتصفحوها.
وتقول "عندما شاركت مقتطفات عميقة وجميلة من الرواية، وتلقيت تقديراً من البعض، إلا أن البعض الآخر لم يكن أمامه إلا الشتائم والسخرية من دون الاطلاع على الرواية، من دون أن يتعرفوا على وجهي الأدبي والثقافي، بل هاجموني لأنني أنتمي لأحد التيارات السياسية وهاجموا ابداعي الأدبي بدلاً من تشجيعي، وبدلاً من أن ينظروا إليّ من منظور أنني ناشطة في السياسة ولكنني أيضاً مهتمة بالأدب والثقافة والرواية".
يعاني الكتّاب والروائيون في لبنان من غياب الدعم المادي والمعنوي من قبل الوزارات المعنية والتي تم رصد موازنات خجولة لها، وتلفت الكاتبة إلى أنها قامت بنشر روايتها على حسابها الخاص، في وقت صعب يمر به لبنان واللبنانيون ما جعلها تفكر كثيراً قبل أن تخطو هذه الخطوة "النشر والانتشار كروائية ليس بالمسيرة السهلة، ولكن هذه الرواية انطلقت بمئات الأشخاص الذين هنأوا بولادتها".
وحول الفرق بين الإعلامي والروائي وان كان كل إعلامي هو روائي تقول "الكتابة الإعلامية شيء والكتابة الأدبية شيء آخر، فالكتابة الصحافية أو الإعلامية لها علاقة بالواقع وتنقل الواقع، كما أن هناك اختلاف في الأسلوب واللغة، بينما الإنتاج الروائي يتضمن خيالاً"، مؤكدةً على أنه "ليس كل إعلامي روائي ولا كل روائي إعلامي، ولكن لدي موهبة الجمع بين الإعلام والأدب".
"بكيت وضحكت مع وجود"
بالعودة إلى علاقة رندلى جبور بالرواية، وعن حول المواقف التي بكت فيها رندلى مع "وجود"، تقول "على متن كل الصفحات بكيت مع وجود وابتسمت معها، غضبت وخفت وفرحت معها، ومع النهاية شعرت فعلاً بولادة حياة جديدة، لا يمكننا أن نوصل الفكرة ومشاعر البطلة إلا إذا عشنا معها كل تفاصيل الرواية. وهنا نجد جزءاً من الصعوبة إذ لسنا دائماً بحالة نفسية يمكننا أن نتحدث فيها عن موت أو فراق، وربما أحياناً لسنا بمزاج نستطيع فيه أن نعبّر عن الحب أو عن الأشياء الجميلة الأخرى، إذ تكمن الصعوبة في الخروج من الحالة النفسية الآنية للكاتب للدخول بالحالة النفسية لبطلة الرواية وهذا الانتقال يحتاج للقوة والصمود والوقت".
تتوجه رندلى جبور بروايتها "حياتي الثانية" إلى كل الناس دون استثناء "يمكن أن يستفيد من خبرة وتجربة وجود صغار السن، وأولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و50 وهم من جيل وجود، إذ انها تبلغ من العمر 40 عاماً، وبالتالي بإمكان تجربة وجود أن تمنحهم الأمل بأنهم قادرون على الانطلاق والتغيير، إلى جانب كبار السن الذين يمكن أن يجدوا أنفسهم في "وجود" حتى لو أصبحوا في سن متقدمة".
"الأوان لا يفوت"
عن رسالتها إلى القرّاء، تقول رندلى جبور "استعنت بقول لكونفوشيوس في الرواية يقول فيه "ستعيش حياتين، الحياة الثانية تبدأ عندما تدرك أن لديك حياة واحدة"، لذلك علينا أن ندرك بأننا نعيش حياةً واحدة وألا نؤجل سعادتنا، ورسالتي الثانية هي أن السعادة بين أيدينا وليس علينا أن ننتظرها من أحد بل نحن نصنعها. وثالثاً، أن الأوان لا يفوت، وهناك إمكانية دائماً من تخطي الصعاب مهما كانت تجاربنا".
على الرغم من أنها مؤلفة الرواية ولكن في كل مرة تقرأ رندلى جبور "حياتي الثانية" تكتشف فيها شيئاً جديداً، ولا تنفي أنها تجد متعة أكبر في كل مرة تطلّع عليها، وتشعر بأن الرواية كطفلها الصغير الذي تحتضنه ولكنها تستمر باكتشافه دائماً.