رنا بطراوي تجد في النحت قوة لتجسيد حالات النساء

جسدت الفنانة رنا بطراوي جمال المرأة الطبيعي، من خلال منحوتاتها، فالفن لا يتعارض سوى مع عادات المجتمع التي تقيد النساء.

رفيف اسليم

غزة ـ في قاعة صغيرة تتوزع على أحد طاولاتها عدد من المنحوتات تعمل الفنانة رنا بطراوي على تعليم مجموعة من الشبان والشابات فن النحت، لتنقل لهم خلاصة رحلة سنوات من العمل الدؤوب قضتها في إنتاج عشرات المنحوتات الطينية والحديدة، متخذة من ذلك الفن نهج حياة لإيصال أفكارها وتجسيد قضايا المجتمع خاصة قضايا النساء.

رنا بطراوي محاضرة جامعية ومدربة وفنانة بصرية أنتجت العديد من الأعمال كالمنحوتات والمجسمات وأعمال التركيب التي تجمع بين الصوت والصورة، وقالت أنها أحبت فن النحت منذ طفولتها لكنها لم تستطيع العمل على تطبيقه سوى خلال فترة الدراسة الجامعية كونها كانت تقطن بسعودية، وسر ذلك الحب لقوته في التعبير عن المرأة وذاتها وكينونتها وقضاياها المختلفة، وقدرته على تجسيد الكثير من الحالات الخاصة التي لربما لا تستطيع النساء الإفصاح عنها.

وأوضحت أنها جسدت قوة النحت من خلال فكرة مشروع جمرة الأرض، فذلك العمل أنتج باستخدام المعدن ليصل فكرة أنه حتى الحديد أقوى معادن الأرض صلابة إذا ما أهمل يكون مصيره التلف وكذلك الإنسان، ولفتت إلى أنها اختارت لإحدى منحوتاتها التي كانت على شكل امرأة عنوان زهرة الصبار لتتحدث عن تمردها وصراعاتها مع المجتمع بهدف تحقيق أحلامها المقيدة من خلال منحوتات متنوعة.

وأشارت إلى أن "ذلك العمل لاقى انتقادات واسعة باعتباره يخدش الحياة، لكنها ترى أن نحت جسد المرأة وجمالها أمر طبيعي فالفن لا يتعارض سوى مع عادات المجتمع التي تقيد النساء في اختياراتهن، فتجبرهن مثلاً على الزواج بأي شخص كي لا يفوت قطار العمر، وعلى دراسة تخصصات معينة في الجامعات، فتضطر المرأة بالقبول كي تحصل على حريتها المكبلة وهذا ما حاولت إيصاله عبر أعمالي".

وقد كان للمواضيع البيئية أيضاً حضور في الأعمال التي جسدتها رنا بطراوي، فشاركت برفقة 25 فنان من حول العالم بمعرض يستهدف البيئة في مدينة برلين، لتتحدث عن وادي غزة قبل العمل على تحوليه من مكره صحية تضخ بها كميات كبيرة من المياه العادمة إلى محمية طبيعة، من خلال عدة منحوتات جسدت ذلك المستقبل المشرق الذي سيحل بالوادي عبر جهد سكانه بمساعدة المؤسسات أيضاً.  

وعن الرجوع لفن النحت قالت إن "ذلك الفن يحتاج لمجهود جسدي أكثر من سواه لأنه يمر بمراحل متعددة تستحوذ على جل وقت الفنان وتركيزه، بداية من بناء العمل بقالب حديدي وأسلاك متفرعة، حتى وضع الطين داخله وتشكيله لينتج مجسم ثلاثي الأبعاد وفق معايير أساسية تتطلب خلق توازن في الكتلة، والنسب، والفراغ، ومدى تطبيق الفكرة وملائمتها مع المخرج النهائي الذي يتم العمل على إنجازه، ووفقاً لتلك الفكرة يتم اختيار المادة الخام التي يتم استخدامها لإنجاز العمل الذي قد يكون على شكل رماد، أو طين أو جبص، لافتةً إلى أنها تعاني من فقد تلك المواد وعدم توافرها بالسوق المحلي، بالإضافة إلى غياب القوالب الحديدة التي يُمنع إدخالها للمدينة المحاصرة وإن وجدت يرتفع ثمنها بحيث يصعب على الفنانين شرائها.

تستعمل رنا بطراوي العديد من الأدوات خلال عملية النحت منها خشبية وأخرى معدنية كأسلاك إضافة للطين والحجارة والألوان والكثير من الوسائط الأخرى التي تمنح العمل رونقه، لافتةً إلى أنها لم تبيع الكثير من أعمالها في قطاع غزة بفعل الوضع الاقتصادي، لكنها تحصل على طلبات بيع من الخارج ويختلف سعر كل قطعة وفقاً لحجمها.

وعن عمر النحت أوضحت أنه الوسيلة الأولى التي استخدمها الإنسان للتعبير عن نفسه، هي النقش على الحجارة بأسلوب بسيط، لكل ما راه كرموز الحيوانات والنباتات وكتابة تاريخه وأمجاده، ليتطور ذلك الفن قبل حوالي 4500 عام قبل الميلاد مطوعاً كافة الخامات لخدمته من السيراميك والصخور والخشب، والشمع والحجر والزجاج والخشب والجبص والمطاط والعاج والعظام والكثير منَ المواد الأخرى.

 وقد قوبل ذلك الفن بالرفض في قطاع غزة من قبل بعض الأهالي فمنعوا ذويهم من ممارسته، فقامت رنا بطراوي على عمل ورشات تدريبية للنساء بالأخص ربات البيوت والأمهات لتنقل إليهن فكرة أن ذلك الفن له تأثير إيجابي على صحتهن النفسية، الأمر الذي جعل الكثير منهن تتحولن من معارضات للفكرة إلى مشجعات، خالقة بذلك نوع من التغير الفكري لديهن بهدف مساعدة اليافعات في تقبل أوليائهن الفكرة.

 

 

ومن جانبها قالت الطالبة سمر زعرب أنها أحبت فكرة الالتحاق بورشة فن النحت لتطوير مهاراتها خاصة أنها متمكنة في الرسم، لافتةً إلى أن هدفها تحول تلك الرسومات لمجسمات تنقل من خلالها وضع المجتمع والنساء والأطفال والحرب والمشردين، لتنجز وبعد محاولات عدة أولى مجسماتها الخالية من العيوب أو التشققات بفعل تحكمها بكمية المياه.

وأوضحت أنها تعاني من تكسر المنحوتات بعد انهائها بسبب ضعف جودة الطين الذي تعمل عبره أو بمعنى أصح المتوافرة في قطاع غزة، لكنها بالرغم من ذلك أنتجت العديد من الأعمال الجيدة كالصدفة، وحالياً تعمل على إنجاز البورتريه، مشجعة الفتيات على الاعتناء بموهبتهن وتطويرها بالرغم من كافة الانتقادات التي قد تطالهم سواء من المجتمع أو من عائلاتهن لما لذلك من تأثيرات إيجابية في صقل مهاراتهن وتحسين صحتهن النفسية.