رباب كساب... جسدت من خلال كتاباتها واقع المرأة الطموحة وحياتها الاجتماعية

تعاني النساء من واقع صعب للغاية وخاصة إن كان الأمر يتعلق بالقرى والمدن البعيدة عن المركز والتي تسيطر الأسرة فيها على حياتهن كاملة ويقررن بدلاً عنهن كل شيء حتى التعلم والعمل بل والزواج نفسه أحياناً.

أسماء فتحي

القاهرة ـ معاناة الفتاة الريفية تختلف عن باقي النساء في العاصمة والمدن المركزية نظراً لأنها تحرم الكثير من الفرص فقط لأنها أنثى مقارنة بالذكور في محيطها، وهو الأمر الذي يجعلها تتأخر نسبياً في تحقيق طموحاتها حال إصرارها على الوصول لبغيتها وعدم التراجع تحت تأثير الأفكار السائدة والتي تضع النساء في قوالب نمطية رعائية بالأساس.

أوضحت الروائية والقاصة رباب كساب، في حوار لوكالتنا أنها عاشت جانب من حياتها في واحدة من المحافظات البعيدة عن العاصمة وقررت الانتقال للقاهرة للعمل على بناء حلمها واستكمال طموحها الأدبي والإبداعي بجانب وظيفتها كمهندسة زراعية في واحدة من الإدارات التابعة لوزارة الزراعة المصرية.

وبينت أنه لها عدد من الأعمال الإبداعية أبرزها "قفص اسمه أنا، ومسرودة، والفصول الثلاثة، وفستان فرح وعلى جبل يشكر"، فضلاً عن مجموعة قصصية كتبت على مدار عشر سنوات حملت عنوان "بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية"، وتمكنت من خلالها التعاطي مع واقع المرأة وحياتها الاجتماعية ومناقشة أبرز العراقيل التي تواجه بطلات قصتها في قالب إبداعي آخذ للأنظار ومحرك للوجدان.

 

حدثينا عن كتابات المنوعة بين الرواية والقصة وأيهما أقرب إليك في الكتابة؟

أهتم بالحياة الاجتماعية والواقع المعيشي للإنسان وخاصة المرأة ولدي دائماً إشكالية واقعية في كتاباتي، فحينما كنت في محافظة خارج القاهرة ناقشت واقع الفتيات الطموحات الراغبات في تحقيق أحلامهن ولكنهن تصطدمن بالواقع.

وعرضت ما تقمن به وما تتخلين عنه حتى تصلن لطموحاتهن، وكان لدى رواية حملت اسم "قفص اسمه أنا"، والتي تعبر عن رسالة طموحة لفتاة ريفية تمكنت أن تصبح أستاذة في القانون الدولي وأمام ذلك تخلت عن قصة حب وبيت وأسرة حتى تصل لحلمها خارج محافظتها الصغيرة.

وفي رواية مسرودة نجد الفتاة الريفية التي تواجه العديد من المشاكل ومنها الختان والاجبار على ترك التعليم، ومواجهتها للمجتمع المحيط بها من خلال حيل حملت قدراً من الذكاء والشر معاً.

وفي رواية الفصول الثلاثة كانت هناك إشكالية العمر والبحث عن زهرة العمر بين مجموعة أزواج تراوحت أعمارهم من 6 إلى 30 عام، واستعرضت خلالها عدد من الإشكاليات منها الفترة التي تنتهي فيها مسؤوليات الزوجين وجلوسهم في منزلهم بمفردهم بعدما كبر أبنائهم واستقلالهم عنهم وما قد يعانونه في هذه المرحلة.

ثم جاءت رواية "فستان فرح" وهي الأقرب إلى قلبي لأن المقصود مها فرحة مصر في ثورة 25 يناير 2011، ويمكن القول أنها رواية قدرية بامتياز لكوني بدأت فيها قبل الثورة فعلياً ومن خلالها تعرض الأحوال المعيشية لعدد من الأفراد بينهم "المُدرسة والناظرة وصاحبة محل بقالة وأرملة"، كل منهم في إشكالية كبيرة حتى أتت الثورة وظن كل منهم أنه سينجو وانتهت الرواية فعلياً بتنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في شباط2011، والقسم الثاني منها كتب بالفعل أثناء تلك الأحداث من قلب الواقع الثائر حينها.

ونتيجة كل ما سبق كانت هناك محطة جديدة في آخر رواياتي التي حملت عنوان "على جبل يشكر"، وهي تعبر عن الجيل الذي أحبط ويبحث عن الهروب من خلال جانب من التاريخ وآخر فانتازيا تدور أحداثها في "بيت الكريتلية" وكان للأساطير التي نسجت حوله دور في بناء تلك الرواية التي يهرب أبطالها جميعاً من واقعهم، وبدأت كتابتها 2014 ونشرت في 2021.

وأخيراً  مجموعتي القصصية "سوداء عاجية وبيضاء أبنوسية" وهي تعرض حالة لفتاة تقف في "البين بين" فلا هي تستطيع الصعود أو تقرر الهبوط، يمكن القول أنها تعبر عن علاقة المنتصف الآثمة دائماً وحملت نصوص كتبت على مدار 10 سنوات قمت بجمعهم في كتاب واحد ونُشر بالفعل.

 

تناولت في كتاباتك واقع الفتاة الريفية ومعاناتها... فإلى أي مدى ترين البعد عن المركز سالب لحقوق النساء وقاتل لطموحاتهن؟

للأسف هذا أمر واقع وتسلب حقوق الفتيات بنسب كبيرة في القرى التي تبعد عن المركز بحجج مختلفة ولكن أقواها وأكثرها تأثيراً "الخوف عليها"، فعدم الأمان في الشوارع برر محاولات الأهل للحجر على الفتيات بدافع عدم الاطمئنان عليهن في حال قررن الاغتراب عن مجتمعهن المحلي.

ووصل الأمر للتعليم ذاته فقد يتم تغيير مسارها في الفترة الجامعية لأن المدن الجامعية لم تعد آمنة، فتقتل أحلام الفتيات في تلك المرحلة لأسباب خارجة عن الإرادة فلم تقرر الفتاة أن تنشأ في محافظة ريفية أو غير مركزية لتحرم من حقها في اختيار مجال تعلمها الأقرب لوجدانها وعقلها.

فأنا على سبيل المثال جاءت دراستي في محافظة أخرى وأتذكر وجه أبي حينما ذهب ليسحب ملف المدينة الجامعية من أجل استكمال تعليمي وكأنه في مأتم حقيقي فقد كان حزيناً للغاية وفور علمه أن وكيل الكلية من نفس مدينتنا ويمكنه مساعدتي لم يتردد لحظة وذهب إليه وساعده في نقلي لمحافظتي وأكملت دراستي وأنا بجواره خوفاً من اغترابي، وأعرف الكثيرات تنازلن عن أحلامهن أو سلبت منهن لهذا السبب ورضين بدراسة لا تناسب تطلعاتهن لعدم القدرة على الخروج عن رغبة الأسرة.

 

الوسط الثقافي جزء من المجتمع... فإلى أي مدى ترينه يعكس تنميط أدوار النساء ويخضعهن للتمييز المستند لنوعهن الاجتماعي؟

الوسط الثقافي لا يختلف كثيراً عن المجتمع فالنساء فيه يعانون فعلياً من نوعهن الاجتماعي وتتحملن تبعات ذلك لكون المحيطين بهن يتوقعون منهن أفعال محددة لأنهن إناث، هناك من يبحث عن تقارب وآخرون لا يهتمون بالكتابة أو النقد لبعض الأعمال فقط لأن من كتبته امرأة.

وهذا لا ينفي وجود آخرين يحترمون المكتوب وينظرون له بما يمثله من قيمة حقيقية متجردة تماماً عن نوع الكاتب ذكراً كان أو أنثى وقد كنت محظوظة للغاية لأنى صادفت منهم الكثيرون وممتنة لهم على موضوعيتهم بغض النظر عن توجههم سلباً كان أو إيجاباً ولكنه في حدود وجهة النظر التي تتعامل مع النص بتجرد وموضوعية.

النساء تخسرن بسبب نوعهن الاجتماعي ولا يمكن مقارنتهن بالرجال من حيث الفرص المتاحة، فالذكر في مجتمعنا منذ نشأته الأولى يسمح له بالخروج والتجارب مبكراً وهو ما يجعله أكثر اجتماعية ولديه علاقات أكبر وخبرات أيضاً مقارنة بقطاع كبير من النساء يقبع تحت سلطة الأسر لسنوات وسنوات.

كما أن الرجال لديهم قبول مجتمعي ولا يتم إجهادهم في تفاصيل تتعلق بملابسهم أو تعاملاتهم أو مساحات حريتهم الشخصية وعلاقاتهم، بينما النساء تدفعن الكثير من الضرائب وتجهدن في التفاصيل والتبريرات بل قد تحرمن من الدعم لأن الكثير يحجم عن ذلك حتى لا يصنف ذلك أنه مقدم لنوعها الاجتماعي وليس لاستحقاقها.

 

ما هي معوقات عمل النساء في الوسط الثقافي؟ وماهي الحلول الممكنة لتلك الإشكالية؟

الواقع صعب للغاية فالأوضاع الاقتصادية للنساء باتت سيئة ومسألة قدرتها على توفير عمل والإنفاق على احتياجاتها مع ممارسة القراءة أو الكتابة أمر مكلف للغاية ويحتاج لدعم، فالكثير من البلدان الكتاب بها يحملن هم وعناء تلك التفاصيل ويوفرون طاقتهم للإبداع وهو أمر يحتاج لإعادة مراجعة ونظر.

فالمرأة في الوسط الثقافي تكاد تكون منعزلة عن اهتمامات النساء وقطاع كبير لا يجد الدعم لمجرد أن هناك رجال يقررون عدم التعامل مع النساء حتى لا يوصموا بذلك وينتقص من قدرهم.

ويمكن القول أن مواقع التواصل الاجتماعي أداة سهلت الكثير على النساء وجعلتهن قادرات على تحقيق الكثير من النجاحات وأنا واحدة من المستفيدات منه فحينما قررت الانتقال للقاهرة كنت مستقرة ولدى عملي وتمكنت من تهيئة واقعي من خلال الشبكة العنكبوتية، فلم يعد تواجد المرأة خارج العاصمة مؤثر على علاقاتها أو وصولها أو حتى مناقشة أعمالها.