قصة إبادة مليون ونصف مليون أرمني في "محكمة الضمير"

على مسرح مركز باقي خدو للثقافة والفنون في مدينة كوباني، عبر 8 ممثلين أرمن عن قصة الإبادة الجماعية لمليون ونصف مليون أرمني من خلال مسرحية "محكمة الضمير".

برجم جودي

كوباني -خلال مراحل الحرب العالمية الأولى والثانية، والثالثة التي نعيشها حالياً، قامت القوى الحاكمة بحماية سلطتها وواصلت وجودها من خلال تدمير وإبادة المجتمعات والأمم الأصلية، ونتيجة للاتفاقيات والمعاهدات عبر التاريخ، تعرضت مئات المكونات لعمليات إبادة جماعية، وبقوا اليوم بلا وطن وهوية ولغة وثقافة.

 

مذبحة الأرمن

على مر التاريخ، وخاصة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، حدثت عمليات إبادة جماعية ومذابح لا تكفي الأفلام والأغاني والشعر والمسرح لوصفها، وقد تم توثيق بعضها وما زال الكثير منها يتعرض للإنكار والتجاهل، بمعنى آخر، فقط أولئك الذين تعرضوا لذلك الكابوس يعرفون ما حدث لهم.

ووقع حينها الكرد والتركمان والأرمن والآشوريون والكلدانيون وعشرات الأمم الأخرى تحت وطأة العثمانيين وتعرضوا للمجازر. وتعرضوا لمثل هذه الأعمال التي يرتجف منها جسم الإنسان بسبب وحشية الأحداث التي وقعت، وخاصة مذبحة الأرمن التي دخلت قائمة أكبر عمليات الإبادة الجماعية في التاريخ. فما بين الأعوام 1915-1916، قتل العثمانيون مليوناً ونصف مليون أرمني، وأرسلوا الباقين إلى حتفهم، حيث فقد آلاف الأشخاص أرواحهم على الطرق. وبالطبع ما نُفذ ضد النساء يكفي لتخيل مستوى وحشية المجزرة.

ونتيجة للسياسة التي فُرضت على الأرمن، فإن الأشخاص الذين نجوا من المذبحة التي نفذها العثمانيين ولكي يتمكنوا من العيش، توزعوا في العديد من البلدان، حيث يتواجد عدد كبير من الأرمن في سوريا. وخاصة الأرمن الذين يعيشون في إقليم شمال وشرق سوريا، قاموا إلى جانب المكونات الأخرى ببناء منظماتهم الاجتماعية والنسائية والشبابية والعسكرية والسياسية والثقافية والفنية لسنوات عديدة، ويكافحون من أجل إحياء هويتهم وثقافتهم ووجودهم، وفي الوقت نفسه، يطالبون بمحاسبة قاتليهم.

 

"محكمة الضمير"

ويتم اختيار المسرح، الذي يعتبر الأم في مجال الفن، كأحد أساليب المقاومة، وكان مهرجان Arîn Bisk û Zulfên Aştiyê المسرحي، الذي يقام حالياً في كوباني، فرصة لفرقة أرارات الأرمنية لعرض التجارب والأحداث التي عاشوها على مدى مائة عام على خشبة المسرح. اختارت الفرقة المكونة من 8 ممثلين، بينهم امرأتان، مسرحية "محكمة الضمير" والمستوحاة من حدث حقيقي. في 15 آذار/مارس 1921، قام شاب يدعى سوخومون تهليريان بقتل طلحت باشا، أحد كبار مسؤولي العثمانيين، والذي كانت له يد مباشرة في مذبحة الأرمن.

الحدث وقع في برلين بألمانيا، وقامت الحكومة الألمانية بإلقاء القبض على سوخومون تهليريان وتقديمه للمحاكمة، وفي المحكمة التي انعقدت في 2-3 حزيران/يونيو من نفس العام، تم سرد ومشاركة حقيقة الإبادة الجماعية والمذبحة التي تعرض لها الأرمن على يد العثمانيين، ونتيجة مشاركة الشهود الأحداث، قررت المحكمة تبرئة سوخومون تهليريان، وأصبحت هذه المحاكمة من أكثر الأحداث تأثيراً في القرن العشرين.

 

تروي وتصف قصة الملايين من الناس

تم تقديم هذا الحدث التاريخي من قبل فرقة أرارات لمدة 20 دقيقة. مع بداية العرض المسرحي، ساد صمت كبير في القاعة، خاصة في ترتيب الموسيقى وديكور المسرح خلق جواً جعل الناس يرون أنفسهم في الماضي. عندما تحدث شهود الحدث عن تجاربهم أمام القضاة، كان جسمنا يرتعش ونسجنا الخيالات. كان من الصعب جداً تخيل ما حدث. على وجه الخصوص، الممثلة التي من خلال دورها لفتت الانتباه إلى قصة طفلة تبلغ من العمر 9 سنوات وقصة آلاف الأطفال والنساء الأرمن.

وفي المشهد الذي قدمته ومن خلال الكلمات وصرخاتها وحركاتها والموسيقى وصوتها، جعلتنا نرى الأحداث بأم أعيننا. لقد كانت تقول؛ كنت طفلة في التاسعة من عمري، وقد أسرني الجنود العثمانيون مع آلاف الأطفال والنساء الآخرين. لقد اختاروا الأجمل وقاموا باغتصابهم. أما بالنسبة لي على وجه الخصوص، تنافس العديد من الأشخاص لمعرفة من سيغتصبني أولاً، وقاموا باغتصابي واحداً تلو الآخر. بعض أصدقائي ولأنهم تعرضوا للاغتصاب بشكل مستمر ومتكرر، فقدوا حياتهم. حتى الحوامل تم شق بطونهن لتموت تلك النساء مع أطفالهن.

 

الحقيقة التي ظهرت على المسرح

الممثلة التي تحدثت عن هذه الأحداث بشجاعة كبيرة، تلاعبت بمشاعر جمهور المسرح بشكل خلق جواً من الحزن والغضب والصدمة والمفاجأة. إن الاضطهاد والقمع والانتهاك والوحشية التي مارسها العثمانيون، والتي تعرضت لها المرأة الأرمنية والمجتمع الأرمني لمدة قرن من الزمن، ظهرت على خشبة المسرح من خلال مسرحية. على الفور تطورت لدينا مثل هذه المخاوف إننا نعيش في مثل هذا النظام الوحشي حيث تكون النساء دائماً في قلب هذه الهجمات، وخاصة كنساء، فإن مشاهدة المسرحية كان لها تأثير نفسي كبير علينا.

 

ينتقمون من خلال الثقافة

ومن ناحية أخرى، فإن النساء اللاتي تعرضن للمجزرة والقتل اليوم لديهن التنظيم والفهم لمحاسبة القتلة وقول الحقيقة بطريقتهن الخاصة. وكيلا يُنسى التاريخ، ولكي يعرف الناس عدوهم بشكل أفضل، أحيت مسرحية "محكمة الضمير" مرة أخرى ذاكرة كل من شاهد المسرحية، لأنه كما ذكرنا أعلاه فإن الشعب الكردي أيضاً، مثل الأرمن، تعرض لعشرات المجازر والفرمانات على يد العثمانيين والدولة التركية الحالية، والآن يحمي آلاف الأرمن تحت مظلة الإدارة الذاتية ثقافتهم ووجودهم وهويتهم، وينتقمون تاريخياً بثقافتهم وفنونهم.