"قصر البنات" من حصن في الحرب إلى منتزه وبيمارستان في السّلم
تّحتضنُ مدينة الرَّقة في شمال وشرق سوريا، أقدم المعالم الأثرية، التي تَحكي عن حضارات سَكنت هذه الأرض، ولعل أبرزها "قصر البنات" الذي بُني في زمن العباسيين
غفران الحسين
الرقة ـ ، وهي تسمية حديثة إذ لا تعود إلى أصول تاريخية معينة.
تعرض "قصر البنات" لعمليات التَّنقيب والسَّلب على يد مرتزقة داعش، وكان في السَّابق حصناً في الحرب، وبيمارستاناً ومنتزهاً في فترة السَّلام، واليوم يتم ترميمه من جديد.
يقع قصر البنات في الجَّهة الجَّنوبية الشَّرقيَّة من مدينة الرقة، ويبعد حوالي 400 متر شمال باب بغداد إلى الغرب من سور الرَّقة الأثري. تقول الإدارية في لجنة الثقافة والآثار في مجلس الرقة المدني نسيبة الخلف بأن "القصر تعرض كجميع المناطق الأثرية في الرقة للعديد من أعمال التخريب وعمليات الحفر العشوائية من قبل المجموعات المُسلحة التي سيطرت على المدينة".
وبني القصر سنة 772 على يد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، من الآجر لكون هذه المادة تقاوم الحرارة والبرودة، وأغلب سكان الرقة يستخدمونها للبناء حتى اليوم، وأكمل بناءه الخليفة هارون الرشيد الذي أقام فيه لمدة 12 عاماً، وتجدد بناءه في القرن الحادي عشر مع بعض التَّغييرات في البنى التَّحتية.
وتصف نسيبة الخلف القصر بأن "فيه أربع إيوانات (قاعات) مستطيلة متقابلة طول ضلع الواحد منها 100 متر، تُطل على باحة مركزية مربعة الشَّكل، وعدد من الغُرف، وفي الجَّهة الجَّنوبية مدخل رئيسي مُرتفع يُقابله في أقصى الشَّمال صالة خلفها حُجرة، وإلى جانبها حُجرتان، وتُطل على باحة ورواقين".
وفي سبعينيات القرن الماضي بدأت عمليات تنقيب للقصر، من قبل بعثة سورية، تلاها ترميمات جعلته بالشكل الحالي، ويقال إنه كان حصناً في فترة الحرب ومنتزه عندما يعم السلام، وكان بيمارستان يُعالج فيه المرضى العقليين، في عهد نور الدين الزنكي، بحسب ما تقول نسيبة الخلف.
ويبلغ ارتفاع أطلال القصر عشرة أمتار، وفي السَّابق كان له أعمدة على رأسها تيجان على شكل أفعى، لأنها رمز للصيادلة، وافتتح فيه نور الدين الزنكي مدرستين إحداهما شافعية والأخرى حنفية.
وتشير إلى أنه مع بداية عام 2013، ودخول الفصائل المُسلحة إلى الرًّقة، أُهمل القصر وبات عرضةً للتخريب ورمي القمامة حتى عام 2014، "في ظل سيطرة داعش تعرض القصر للسلب والنَّهب في فترات متقطعة، إذ كان التَّنظيم يمنح الرَّخصة للتنقيب فيه، باستعمال عدد من الأجهزة الخاصة للكشف عن المعادن والقطع الأثرية، بإشراف ديوان الركاز المعني بمتابعة الآثار والمُواقع الأثرية".
وعن المشاريع التي تقوم بها لجنة الثَّقافة والآثار في مجلس الرقة المدني للحفاظ على هذا المعلم الأثري، تبين "بدأنا العمل على ترميم القصر، بعد تحرير الرَّقة من براثن داعش مباشرة، إضافة لتنظيف الموقع من النفايات".
وتضيف "رممنا جدارين استناديين في الجَّهة الجَّنوبية الشَّرقية للقصر كانا على وشك الانهيار، إذ تعرضا لأضرار كبيرة جداً خلال فترة الأزمة السورية، وذلك بإشراف عدد من الخُبراء والمُختصين في هذا المجال".
وتعمل اللجنة على ترميم الحماية الخارجية للقصر للحد من التَّجاوزات والتَّعديات على الموقع، وتطلب الإدارية في لجنة الثقافة والآثار نسيبة الخلف من أهالي المدينة وريفها الحفاظ على تراث الأجداد، فهو إرث حضاري يروي عراقة تاريخ الرقة.