نساء لا تزلن تحافظن على ثقافتهن من الاندثار وسط التطور
لعبت النساء دوراً مهماً وبارزاً في حماية ثقافة البدو من الاندثار على مر العصور رغم التطور وطغي الحداثة الرأسمالية على كافة أوجه الحياة.
سيبيلييا الإبراهيم
الرقة ـ رغم طغي الحداثة الرأسمالية واندثار العديد من الثقافات لدى بعض الشعوب والقبائل، إلا أن قبائل البدو لا تزال متمسكة بثقافتها وتراثها في وقت يشهد فيه العالم عصر التمدن والتقدم، وذلك بفضل النساء اللواتي لعبن دوراً بارزاً في نقل تراثهن عبر الأجيال.
يعتبر البدو من القبائل العربية القديمة المعروفين بثقافتهم وتراثهم العريق ويطلق عليهم لقب "شعب الصحراء" تعريفاً بالذين يعيشون حياة الترحال التقليدية ويعتمدون على تربية المواشي والوسائل البدائية ويعود تاريخهم إلى مناطق شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام، ورغم تطور الحداثة الرأسمالية والتكنولوجيا واندثار العديد من الثقافات والعادات لدى بعض الشعوب والقبائل في العالم إلا أنهم حافظوا على حضارتهم وثقافتهم وتاريخهم وحرصوا على استمرارها، للاعتزاز والتباهي بقيمهم في منطقة الشرق الأوسط.
وقالت هودة الراجي إحدى نساء البدو من بادية حمص في العقد الثامن من عمرها "كنا نسكن في بيت شعر مصنوع من الخيط والقماش ونقوم بتزيين الخيمة واعمدتها من الداخل بالزرب المنسوج يدوياً بواسطة مبرم ومغزل لتعطي جمالية للخيم".
ويعتمد البدو على تربية المواشي كمصدر رزق لهم "نعتمد على تربية المواشي إذ يتواجد في كل منزل المئات من قطيع الأغنام والماعز فيتم رعايتهم من خلال السرح بهم لنستفيد من الحليب في صناعة الجبن واللبن والقريشة والسمن العربي واللحم، كما أننا نعتمد الزراعة بالعمل في الحصاد على الجرار والحصاد اليدوي وقص الأشجار للاستفادة من حطبه للتدفئة والطبخ على النار" كما بينت.
ويفضل البدوي العيش في خيمة تراثية لما لها خصوصية ارتبطت بهم نتيجة طبيعتهم التي تعتمد على الترحال الدائم والتي ميزتهم عن غيرهم وخاصة تمسكهم بالعادات والتقاليد ورفضهم للتمدن وعشقهم للصحراء وحول ذلك أوضحت "لا نستقر بمكان محدد حيث نقوم بالترحال على الجمال من فترة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر في البراري بقصد السرح بالمواشي والقطيع والبحث عن أراضي يتواجد فيها العشب لنؤمن المأكل والمشرب لهم، ففي فصل الصيف نقوم بسحب المياه بالدلو من آبار عميقة وحملها مسافات بعيدة، إذ يربط الدلو بخيط طويل ومتين جداً ويتم رميه إلى عمق البئر ومن ثم سحبه إلى الأعلى بعد أن يملئ بالمياه، ولكن في فصل الشتاء نجلب المياه من البرك التي تتجمع فيها مياه الأمطار".
وعما يميز البدو عن غيرهم تأقلمهم مع البيئة الصحراوية وتأمين الغذاء والحماية وممارسة الهويات التي توارثوها من أجدادهم، كما أنهم يعتمدون على الصيد ويعتبرونها من أفضل هوايات البدوي وتتنوع بين صيد الطيور والأرانب والغزلان ولكل منها موسم معين ومكان انتشار "كان صيد الغزلان في غاية الأهمية لدى شبان القبيلة منذ الأزل ونخصص شهر الربيع للصيد بحكم أن الطقس يكون مناسب فتخرج الغزلان لتؤمن غذائها فهنا تبدأ مطاردته والتنافس فيما بينهم على من يصيده أولاً ليقوموا بتحدي بعضهم إذ يتطلب صيده مهارة وبراعة وتركيز عالي".
وحول طقوس البدو في الزواج والأعراس التي يشارك بها جميع أبناء العشيرة أو القبيلة بنمط غنائي مميز يعرف بدبكة "الدحة" التي لايزالون يحافظون عليها منذ آلاف السنين قالت "يناغم أجواء الفرح لدينا وذلك عبر العزف على آلة الربابة وفقرات من الأغاني الشعبية التراثية ومن أبرزها وأشهرها "دبكة الدحة" المعروفة والتي يعود تاريخ روايتها إلى قصة زفاف حيث قامت فتاة بالرقص وهي تحمل السيف لتعبر عن قوتها وشجاعتها وهذا ما يعطي القبيلة سيط الشجاعة بفتياته، ليقوم بعدها مجموعة من شبان القبيلة بالتفاف حولها والبدء بالتصفيق وتشجيعها وتعد "الدحة" قديماً من رقصات الحرب التي تتغنى بالبطولات وتمتاز بإيقاعاتها التي تبث الحماس، وتهدف إلى بث الرعب في قلوب الأعداء أو الاحتفال بالنصر بعد المعركة، وهي عبارة عن أهازيج وأصوات تشبه إلى حد كبير زئير الأسود أو هدير الجمال، ويشارك في أدائها الشباب وكبار السن بشكل جماعي".
وأوضحت أن القهوة العربية والتمر تعتبران من أهم الضيافات حيث تقوم النساء بتحضيرها وتقديمها للضيف، وما تشمله من آداب وقواعد على الضيف والمستضيف اتباعها لإرضاء الطرفين، حيث عند شرب القهوة على الضيف أن يهز الفنجان في دلالة على الاكتفاء، وإذا رفع الفنجان فهذه علامة بأنه لم يكتفي "القهوة المرة من الضيافات المشهورة والمتداولة فيما بينهم فكانوا يقومون بدق القهوة عبر أداة النجر، ومن ثم غليها على النار بواسطة دلال (دلة القهوة) المتواجدة داخل كل خيمة وترمز ثقافة هز الفنجان من قبل الضيف بالاكتفاء وهنالك العديد من المقولات المشهورة بين العرب من بينها (أول فنجان للكيف والثاني للضيف أما الثالث للسيف)".
وعن مكانة المرأة بين البدو أشارت إلى أن "حياة المرأة تختلف ما بين الماضي والحاضر في السابق كان دورها يقتصر على العمل أما اليوم فقد تكللت حياتها بالرفاهية، وعرفت المرأة برجاحة عقلها وبداهتها وحكمتها بين القبيلة فكانت تأخذ مكانة مرموقة ومميزة حيث يتم استشارتها".
وأوضحت "النساء والفتيات كن تقمن بتزيين وجوههن وأجسادهن بالنقوش والتي تعبر عن زينة شبابهن وتظهر جمالهن فكل نساء القبائل كن يقمن بالدق على يد امرأة تمتهن تلك المهنة من خلال ربط مجموعة من الإبر مع بعضها ومن ثم خلط مادة معينة من الحبر ووخز الإبر بالمنطقة المراد الدق عليها".
وتمنت في ختام حديثها أن تعود الأيام الماضية "في الوقت الراهن ومع التطورات والوسائل الحديثة التي طرأت على الواقع أصبح البعض يفضلون السكن في المدن على البراري، بحكم توفر كافة الوسائل والمواد الأساسية، ولكن رغم كل المعوقات والظروف الصعبة التي كنا نعيشها بوسائل بدائية إلا أننا كنا سعداء جداً وفي ظل التطور واندثار العديد من العادات والتقاليد حافظنا كنساء على ثقافتنا وتراثنا وتناقلنها عبر الأجيال لحماية هويتنا وتاريخنا العريق من الضياع".