"متروبوليس سينما" تجمع معاناة الشعبين اللبناني والفلسطيني في "فلسطين في القلب"
مع عودة الحياة إلى صالات السينما في لبنان بعد إغلاق دام أكثر من سنة، لم تكن فلسطين وأحداثها غائبة عن الشاشة الكبيرة، بل كانت هي الحدث ولاسيما بعد العدوان الأخير على غزة والاعتداءات اليومية على أهالي حي الشيخ جرّاح، فأطلقت جمعية "متروبوليس سينما" برنامجها الأول بعد العودة إلى دور العرض "فلسطين في القلب"
كارولين بزي
بيروت ـ .
"علقنا برمجة متروبوليس سينما بسبب الأزمات المتتالية"
يضم "فلسطين في القلب" مجموعة من الأفلام اللبنانية والفلسطينية، وهي المرة الأولى التي ينطلق فيها برنامج الجمعية بعيداً عن صالة عرض "سينما متروبوليس أمبير صوفيل" في بيروت منذ أن بدأت الجمعية بتنظيم مهرجاناتها السينمائية في تلك الصالة أي منذ 12 عاماً.
تأسست جمعية متروبوليس سينما في العام 2006 وبدأت عروضها في مسرح المدينة لغاية عام 2008 وانتقلت بعدها إلى سينما أمبير صوفيل حتى عام 2020، واليوم أصبحت الجمعية بلا صالة عرض.
الجمعية لا تبغي الربح وتعرض أفلاماً ثقافية ووثائقية، وكانت تتحضر لبرمجة عام 2020 ولكن الأزمات المتتالية في لبنان وآخرها انفجار مرفأ بيروت علقت برمجتها نهائياً لعام 2020، لتعود وتنطلق هذه البرمجة مع "فلسطين في القلب" من 4 حزيران/ يونيو 2021 والتي تستمر إلى 12 حزيران/يونيو.
تقول المخرجة اللبنانية والعضو المؤسس في جمعية "متروبوليس للسينما" زينة صفير "كنا نعاني من أزمة اقتصادية منذ ما قبل ثورة تشرين الأول/أكتوبر 2019، توقفنا عن العروض في تلك الفترة ثم جاء وباء كورونا، وأقفلت دور العرض. لكن ذلك لم يمنعنا من المحاولة، وعلى الرغم من أنه لم يعد لدينا صالة للعرض بعد انتهاء التعاون مع أمبير صوفيل، كان لدينا شركاء مثل سينما أشبيلية في صيدا، بيت الفنان في حمانا، وكنا نبحث عن أماكن أخرى مفتوحة، ومع كل محاولة كان البلد يقفل مجدداً بسبب انتشار كورونا، إلى أن حضرنا برمجة في آخر تموز/يوليو لكي نبدأ وقع انفجار المرفأ في الرابع من آب/ أغسطس، عندها تأجلت البرمجة نهائياً لأن أحداً لم يعد يقوى على متابعة هذا المشروع في ظل الظروف التي نعيشها".
"فلسطين في القلب يجمع أفلام لبنانية وفلسطينية"
مع تراجع عداد الإصابات بفيروس كورونا في لبنان، افتتحت السينما صالاتها للعروض الجديدة، تقول زينة "اخترنا أن تكون عودة برمجة جمعية "متروبوليس سينما" بمهرجان "فلسطين في القلب"، وقررنا البرمجة بشكل سريع إذ شعرنا أنه لا يمكن أن نعود من دون عرض أفلام عن فلسطين". وتوضح "البرمجة الحالية هي عبارة عن أفلام لبنانية وفلسطينية، إذ لا يستطيع لبنان أن يتعامل مع القضية الفلسطينية على اعتبار أن الشعب الفلسطيني هو شعب شقيق فحسب، بل نحن جزء من هذا الصراع، ولبنان أكثر بلد عربي دفع الثمن في الصراع العربي الإسرائيلي بعد فلسطين. لذلك الأفلام اللبنانية المشاركة تتناول صراعنا مع إسرائيل، وصدف أن 6 حزيران/يونيو هو ذكرى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، لذلك عرضنا في ذكرى الاجتياح فيلم "1982" لوليد موّنس على مسرح المدينة من ضمن "فلسطين في القلب"، وكذلك نعرض فيلم "3000 ليلة" للمخرجة الفلسطينية مي المصري ويضم الفيلم ممثلين من مختلف الجنسيات والشخصية الأساسية في الفيلم هي ميساء عبد الهادي التي تعرضت لإصابة خطرة أثناء الاحتجاجات الأخيرة خلال العدوان الأخير على غزة".
وشنت القوات الإسرائيلية عدواناً على غزة في العاشر من أيار/مايو استمر 11 يوماً، وبدأت الأحداث عندما رفض فلسطينيون إخلاء منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس.
وتتابع زينة صفير "كذلك نعيد عرض فيلم "اصطياد أشباح" لرائد أنضوني وهو فيلم وثائقي تم تقديمه بطريقة فنية، على الرغم من أننا عرضنا الفيلم في "مهرجان أيام بيروت السينمائية" ولكن لا يمكننا ألا نعرضه حالياً، فالفيلم يتناول حياة المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وأبطال الفيلم ليسوا ممثلين بل هم معتقلون سابقون في السجون الإسرائيلية".
ووصل عدد المعتقلين حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2020 في السجون الإسرائيلية إلى 4184 معتقلاً وأسيراً، وفي كانون الثاني/يناير الماضي اعتقلت السلطات الإسرائيلية 456 فلسطينياً بينهم 93 قاصراً، و8 نساء، بحسب هيئات حقوقية فلسطينية.
ويُعرض فيلم "200 متر" لأمين نايفة للمرة الأولى في لبنان، وفيلم إيليا سليمان "إن شئت كما في السماء" الذي حاز تنويه خاص من قبل لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي في العام 2019، وهو فيلم يعرض للمرة الأولى في لبنان.
وفيلم إن شئت كما في السماء يحكي قصة رجل يهرب من فلسطين سعياً لبداية جديدة، لكنه يواجه نفس المشاكل التي واجهها في وطنه، وطرح الفيلم القصة بطريقة كوميدية وهو من إنتاج فرنسي كندي، نافس على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان، وحاز على تنويه خاص من لجنة التحكيم، كما حاز أيضاً على جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين في المهرجان.
"الثقافة ليست كماليات"
تؤكد زينة صفير "لم نواجه صعوبة في اختيار الأفلام، لأن أغلب هذه الأفلام هي لـ MC Distribution أي لشركة التوزيع الخاصة بنا مثل "اصطياد أشباح" و"إن شئت كما في السماء"، ولم يكن هناك مشكلة بالأفلام الأخرى بل على العكس كان هناك ترحيب وتعاون معنا وتم تقديمها لنا بشكل مجاني وكما أن العروض للجمهور مجانية وحتى صالات العرض كانت متعاونة جداً فهي تقاضت تكاليف بسيطة ومنهم من قدم الصالات بشكل مجاني".
وتتابع "من خلال هذا التعاون نحاول جميعنا أن نساند بعضنا البعض، فالمسرح يساندنا ونحن نقدم له الدعم عندما نتلقى دعماً، لكي نسترجع الحركة الثقافية في البلد لأن الحركة الثقافية ليست كماليات بل هي أساس، الفن يغذي العقول ويساهم في تعزيز التفكير الصحي. ومن الأهمية أن نقدم عروضاً في مختلف المناطق اللبنانية، إذ انه في مرحلة من المراحل كان هناك مركزية للثقافة في بيروت ولكن نحن الآن نعمل على اللامركزية وهو ما نفكر فيه منذ فترة طويلة".
وتضيف "لدينا برنامج في متروبوليس نعرض من خلاله أفلاماً في المدارس، ويساهم العرض في المدارس ببناء جيل يتربى على الثقافة ويحب السينما وبالتالي نساهم بتنمية الفضول عند الأطفال، كما نقدم عروضاً في مخيمات اللاجئين".
"فلسطين في القلب سيدخل مخيمات اللاجئين"
تقول زينة صفير "سنعرض برنامج "فلسطين في القلب" في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على مدى يومين خلال أيام المهرجان، وذلك بالتعاون مع مركز المعلومات العربي للفنون الشعبية/الجنى الذي ينظم عروضاً للأفلام على أسطح المباني لأنها المكان الآمن من الناحية الصحية حالياً بسبب اكتظاظ المخيمات.
ويشكل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ما نسبته 10 بالمئة من مجموع المسجلين لدى الأونروا وحوالي 11 بالمئة من مجموع سكان لبنان، ويتوزعون في 12 مخيماً منظماً ومعترفاً به لدى الأونروا وهي (نهر البارد، البداوي، برج البراجنة، ضبية، مار الياس، عين الحلوة، الرشيدية، برج الشمالي، البص، شاتيلا، الجليل، المية مية).
ورداً على سؤالها حول مدى أهمية السينما الفلسطينية، تقول "لطالما كان هناك تاريخ سينمائي كبير في فلسطين، ولكن بعد حرق الأرشيف السينمائي الفلسطيني من قبل الاحتلال الإسرائيلي، عادت السينما الفلسطينية في العام 1989 مع فيلم "عرس الجليل" لميشال خليفة، ومنذ ذلك الوقت ويعمل المخرجون الفلسطينيون على الإنتاجات المشتركة مع الغرب". وتضيف "يوجد معاهد سينمائية في الضفة الغربية، كما أن هناك مهرجانات سينمائية مثل "أيام رام الله السينمائية"، أي أن هناك نواة لصناعة أفلام سينمائية، وهناك مخرجون سُلبت منهم منازلهم وقرروا مغادرة الأراضي الفلسطينية وذهبوا ودرسوا في الخارج وهذا بنى لسينما جدية في فلسطين".
وتحوي مستودعات الجيش الإسرائيلي كمية كبيرة من الأرشيف الفلسطيني تصل إلى 38 ألف فيلم، و2.7 مليون صورة، 96 ألف تسجيل صوتي، تم جمعها عام 1948، ومنها ما تم نهبه من بيروت عام 1982. وهو ما كشفت عنه مقالة في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عام 2017.
وتتابع "البيئة الفلسطينية غنية بالمواضيع ويوجد مواهب حقيقية وصلت إلى العالمية، مثل هاني أبو أسعد الذي تم ترشيحه للأوسكار مرتين في "الجنة الآن" وفي "عمر"، كما حاز فيلم "الجنة الآن" على جائزة الغولدن غلوب وحصل على جائزة في مهرجان برلين، وفيلم "القدس في يوم آخر" شارك في أسبوع النقاد في مهرجان كان. وشاركت كل أفلام إيليا سليمان منذ أن صنع فيلم "سجل اختفاء" إلى "تدخلات إلهية" في مهرجان كان وكذلك حازت أفلامه جوائز. ومن أبرز المخرجات الفلسطينيات آن ماري جاسر وشيرين دعيبس، ومن أبرز مخرجي الأفلام الوثائقية رائد أنضوني، إذ استطاع المخرجون الفلسطينيون أن يثبتوا أنفسهم عالمياً. وذلك لأن الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ زمن وجد السينما هي الوسيلة الوحيدة التي توصل صوته".
"هذه أبرز نشاطات وشراكات متروبوليس سينما"
تتحدث زينة صفير عن أبرز نشاطات الجمعية، "ننظم في الجمعية مهرجانات سينمائية ونستقبل أخرى كما أننا خلال العام نقوم بالبرمجة، عملنا كجمعية طوال العام، وأطلقنا مشروع سينماتيك بيروت في العام 2018 وهو عبارة عن مرجع للسينما اللبنانية ومنصة للمعلومات أونلاين. ننظم مهرجان "شاشات الواقع" الذي تم تعليقه العام الماضي وسنطلقه قريباً، كما أن لدينا شراكات كثيرة ومن بينها مع أكاديمية بيروت لوكارنو السينمائية الدولية وهذه الأكاديمية لديها شراكة مع مهرجان لوكارنو السويسري، ننظم ورشات عمل نحضّر فيها شباباً لديهم إلمام بالإنتاج وندربهم على توزيع الأفلام العربية والمستقلة في المنطقة العربية، ورشة العمل نظمناها بموازاة نشاط كانت نظمته جمعية DC في شهر نيسان/أبريل الماضي.
نتعاون مع مهرجان برلين وأسبوع النقاد مع مهرجان كان، مهرجان بيروت متحركة، بالإضافة إلى أننا نقوم بعرض أفلامنا والأفلام التي نوزعها".