مريم كسرت الحواجز عبر فن الرسم

تُعرف في قرية كافجك باسم الرسامة ذات السروال. لم تسمح أبداً للمشاكل والصعاب من أن تعرقل مسيرتها الفنية.

زينب بهليفان
إزميرـ تعرف في قرية كافجك باسم الرسامة ذات السروال. لم تسمح أبداً للمشاكل والصعاب من أن تعرقل مسيرتها الفنية. مريم موزكون كايا عملت بإصرار ورغم جميع الصعاب في مجال الرسم كوسيلة للتعبير عن حبها للأطفال. كل المنغصات التي واجهت مريم كايا كانت بالنسبة لها دوافع من أجل الاستمرار. تعلمت الرسم وهي في عمر 45 عاماً على يد الرسامة التي قدمت إلى قريتهم ولا زالت مثابرة على الرسم. لم تتراجع عن أحلامها، وتدعو كل ذوي الاحتياجات الخاصة، وكل الناس بتزيين حياتهم بالفن وتحقيق أحلامهم.
تقول مريم كايانا في إزمير منذ فترة، موجودة في الأماكن التي أعرفها، لكن هناك العديد من الأماكن التي لم أسمع عن اسمها بعد. ومن تلك الأماكن قرية كافاجك، موقع هذه القرية يشبه كلمات الأغنية التي تقول "في ذلك المكان البعيد توجد قرية" وسبب قدومي إلى هذه القرية هو تلك القصة التي ألهمتني، وهو وجود امرأة قديرة هناك، إنها مريم دوزكون كايا".
 
الرسامة التي قدمت إلى القرية غيرت حياتها
تعرف مريم دوزكون كايا في قريتها باسم "الرسامة ذات السروال"، عندما كانت صغيرة أصيبت بالشلل جراء الحمى. وتعيش حالة إعاقة جسدية منذ كانت في الثالثة من عمرها، وهي امرأة عظيمة جداً.
تغيرت حياة مريم كايا بشكل كامل بعد أن قدمت إحدى الرسامات إلى قريتها. فبعد أن بلغت الـ 45 من عمرها اكتشفت موهبتها في الرسم، وخلال فترة قصيرة أصبحت تقضي حياتها وتنام وتصحو مع الرسم. الرسامة التي قدمت إلى القرية قدمت مساعدة كبيرة لمريم حتى أوصلتها إلى مرحلة تتمكن فيها من انتاج لوحاتها بمفردها. وبعد 9 سنوات من العمل المتواصل وصلت مريم كايا إلى مستوى مكنها من تنظيم ثلاثة معارض للوحاتها. هي لم تتلقى أبداً أي تعليم أكاديمي حول الرسم، إلا أن اللوحات التي ترسمها تشكل مصدر إلهام لباقي الناس الذين يعيشون معها في القرية. وخلال فترة قصيرة نالت جائزة "فنانة العام" من إحدى صالات العرض الفنية، كما أن أنها تفتتح في منزلها دورات تطوعية لتعليم الرسم لأطفال ونساء قريتها من ذوي الاحتياجات الخاصة. تتحدث مريم كايا عن حياتها بكل فخر واعتزاز. لا يمكن وصف الحماسة والتواضع التي استقبلتني بها في منزلها، وهذا الأمر الذي لن يغادر مخيلتي أبداً. وبينما كنا نعد الكاميرات لبدء التصوير، جاءت لتقول لنا؛ أنتم قدمتم من مسافة بعيدة، وأنا أعدت لكم بعض الأشياء، ثم دعتنا إلى حديقتها. 
لكي تواصل حياتها فقد حولت مريم كايا قسماً من منزلها إلى مقهى باسم "مقهى الرسامين" وهو مكان صغير ظريف مناسب للعمل. والجيران وباقي الأقرباء أحاطوا بنا ولم يتركونا وحيدين، وفي حديقة الفاكهة عمدوا إلى تلوين جرار الماء وتزيين الحديقة.
 
في المدرسة الابتدائية لم يكن معلمي يصدق أنني أرسم تلك اللوحات
حولت مريم دوزكون كايا إحدى غرف منزلها إلى مرسم، كما كانت تستخدم نفس الغرفة كقاعة لتدريس الرسم للأطفال. وتنجز العديد من أعمالها في هذه الغرفة الخاصة، وتتحدث بصوت عال وبكثير من الحماسة عن تعلقها وهوسها بالرسم واللوحات.
"عندما كنت في الثالثة من عمري، أصبت بالحمى مما أدى إلى الشلل، لم أكن أستطيع حمل حقيبتي المدرسية عندما كنت في المدرسة الابتدائية. إلا أن شقيقتي التوأم كانت تساعدني. بعد المرحلة الابتدائية اتجهت ميولي نحو أعمال الخياطة، وبعد فترة بدأت بخياطة الملابس في القرية، وواصلت حياتي دون أن احتاج إلى أحد. إعاقتي الجسدية لم تكن أبداً عائقاً أمامي لمواصلة حياتي، وكانت حياتي كحياة أي شخص عادي وسليم، ربما لم يلاحظ والداي ذلك، إلا أنني كنت دائماً أعمل ولم أتوقف، كنت قوية في حياتي، أشقائي لم ينظروا إلى أبداً كشخص معاق. لقد تجاوزت الصعاب ووصلت إلى ما أنا عليه اليوم. موهبتي وميولي اتجاه الرسم بدأت معي منذ مرحلة الدراسة الابتدائية، وقتها كنت أرسم بحماسة كبيرة، إلا أن معلمي لم يعر أي أهمية لموهبتي. والحقيقة أن معلمي لم يكن يصدق أنني أنا التي كنت أرسم تلك اللوحات. كان يظن أنني أنسخ تلك الرسومات من مكان آخر. وفيما بعد، وعندما دخلت معترك الحياة العملية تركت الرسم جانباً، إلا أن هوسي وتعلقي بموهبة الرسم بقي حيا في قلبي. ومضت سنين طويلة، وفي إحدى الأيام جاءت رسامة إلى القرية، وفي تلك الفترة تغيرت حياتي بشكل كامل".
 
أعلنت عن معرضي في الجامع
حضور تلك الرسامة إلى القرية كانت بمثابة مفاجئة سارة وطيبة بالنسبة لمريم دوزكون كايا، وهي محقة في ذلك. 
تخيلوا أنتم، أنكم تعيشون في قرية صغيرة في إزمير، من الصعوبة بمكان الوصول إلى تلك القرية، وأنتم تعانون من إعاقة جسدية، وفرصكم في عمل أي شيء محدودة جداً. وتوجد في داخلكم موهبة دفينة، ولا تجدون الفرصة المناسبة لإبراز وإظهار وتنمية تلك الموهبة حتى تبلغوا من العمر 45 عاماً. وفجأة تظهر رسامة في تلك القرية الصغيرة ثم تتعرف عليكم، وتكتشف موهبتكم... أما باقي القصة فلنسمعها على لسان مريم كايا نفسها:
"تعلمت دروساً كثيراً ومختلفة من تلك المرأة الرسامة. لم أكن أجيد استخدام الألوان، ولكنني تعلمت خلال فترة قصيرة. عندما رأت الرسامة لوحاتي أعجبت بها كثيراً، وقالت لي، يمكن الآن أن تضعي توقيعك على اللوحات. في البداية استخدمت الألوان الشمعية، ولكن هدفي كان اتقان الرسم بالفرشاة والألوان الزيتية. وقد وصلت إلى هدفي، رسمت حتى الآن 28 لوحة موقعة باسمي. خلال فترة الانتخابات سمعوا أنه يوجد رسامة في القرية، فجاؤوا إلى زيارتي، وعبروا عن إعجابهم بلوحاتي. وبعد 8 أشهر اتصلوا بي وقالوا إنهم سوف يساعدونني في افتتاح معرض للوحاتي. عندما أغلقت الهاتف بعد المكاملة لم أتمالك نفسي وبكيت من شدة الفرحة. بعد أن وصلت إلى هذا المستوى، رغبت أن أشارك لوحاتي مع أهالي القرية ودعوتهم لحضور المعرض، فطلبت تخصيص سيارة لهم. وأعلنت عن افتتاح المعرض في جامع القرية، وحضر جميع أهالي القرية، وامتلأت صالة المعرض. كما حضرت وسائل الإعلام من صحف وقنوات تلفزيونية. كل من كان يمر بجانبي خلال المعرض كان يشيد بي، العديد منهم لم يكن يصدق أنني رسمت كل تلك اللوحات. طلبت من شقيقتي التوأم إحضار الألوان والقماش المخصص للرسم، وقمت برسم اللوحة أثناء المعرض أمام الناس، لأنني كنت بحاجة إلى إثبات قدرتي على الرسم. حضر العديد من الضيوف واشتروا لوحاتي، لقد كانت ذكرى جميلة جداً بالنسبة لي".
 
صنعت فرشاة من وبر الأحصنة
خلال فترة قصيرة عرفت مريم دوزكون كايا باسم "الرسامة ذات السروال"، وذاع صيتها ليس فقط في قرية كافاجك، بل امتد إلى خارج إزمير أيضاً. وخلال تلك الفترة تلقت العديد من الدعوات المهمة. كانت مريم كايا على قناعة أن الفن مهم جداً للإنسان من جهة الشعور بالأمان وكذلك تحقيق الشهرة. أحياناً لم تكن تستطيع العثور على فرشاة للرسم في القرية، فكانت تطلب وبر الأحصنة من جيرانها وتصنع منها ما يلزمها من فراشي الرسم. 
نحن هنا نتحدث عن امرأة تعرضت للعديد من الصعاب والمشاكل. خلال وجودنا في مرسم مريم دوزكون كايا سألناها عن موهبتها وتعلقها بالرسم، وموقف وآراء أهالي القرية. لكن جوابها أعاد إلى ذاكرتنا مرة أخرى حالتها كواحدة من ذوي الاحتياجات الخاصة:
"في البداية واجهت بعض ردود الأفعال من قبل الأهالي كوني أمرأة تعمل في مجال الرسم. كان البعض يرغبون باستيعاب الموضوع، البعض كان يقول لست أنت من رسمتي هذه اللوحات، لم يولوني الأهمية. وقد تمكنت من تحطيم وتجاوز كل تلك القيود، لم أكن أهتم كثيراً بآرائهم، أما الآن فالوضع مختلف نوعاً ما. الآن الرجال يقولون لزوجاتهم، كونوا مثل مريم كايا وتعلموا الرسم، ويحترمونني، كنت أعطي دروساً خصوصية للأطفال، جميع تلك الدروس كانت تطوعية وبدون مقابل. في إحدى الأيام جاء أحد أولاد الجيران وأحضر دفتر الرسم وطلب أن يرسم معي. وأنا قبلت ذلك واستمتعت كثيراً بهذه التجربة. وفيما بعد ازداد عدد الأطفال حتى وصل العدد إلى 18 طفلاً.  كنت أعلم أن هناك الكثير مما يمكنني أن أعلمه وأتعلمه من هذه التجربة. 
 
يجب على أقراني من ذوي الاحتياجات الخاصة الولوج إلى عالم الإبداع الفني
في عام 2011 تم إعداد فيلم وثائقي عن مريم دوزكون كايا، كما يتم العمل على أعداد سيناريو وثائقي طويل. تقول مريم دوزكون كايا أن الرسم أتاح لها فرصة الاندماج الاجتماعي، كما فتحت أمامها أبواب العالم. وهي ترى أن على ذوي الاحتياجات الخاصة القبول بواقعهم، وعدم الانزواء، وتقول في هذا الصدد:
"على أقراننا من ذوي الاحتياجات الخاصة الولوج إلى عالم الابداع الفني. أنا فخورة وسعيدة بما أنجزت، وبأنني أمثل قريتي. أرغب بأن يرى الناس ذلك ويتعرفوا علي. أريدهم أن يعرفوا كيف أن امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة في هذه القرية تمكنت من إنجاز وإبداع أشياء كثيرة. الفن بإمكانه تحسين الحالة النفسية لدى الإنسان. أنا أيضاً أتعرض لحالات نفسية معينة أحياناً، ولكنني أعلم أن الشمس تشرق كل يوم، وأن بعد كل ليلة صباح جديد".