"ملكة النيفا أنا أخماتوفا"... كتاب يتناول سيرة وقصائد أبرز شاعرات روسيا
تناول كتاب الكاتبة والشاعرة أماني غيث الثاني "ملكة النيفا أنا أخماتوفا" سيرة وقصائد أبرز شاعرات روسيا، والتي تعتبره توثيقاً تاريخياً، وقد شكلت مثالاَ في الصمود وصوتاً للكثير من النساء.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ وقع كتاب "ملكة النيفا أنا أخماتوفا"، للشاعرة والكاتبة أماني غيث، والصادر عن دار النهضة، ضمن فعاليات معرض بيروت العربي الثقافي للكتاب في مجمع Sea Side Arena البيال.
حول تشكل قصائد وكتابات أنا أخماتوفا التي ولدت في 11 حزيران/يونيو 1889 وتوفيت في آذار/مارس من العام 1966 في مدينة أوديسا في أوكرانيا، قالت الكاتبة والشاعرة أماني غيث "توثيقاً تاريخياً للمرحلة ما بين 1935 و1961، ولا سيما مرحلة "التطهير العظيم" (1936-1938)، وخصوصاً في كتابها "القداس" Requiem، والذي لم يبصر النور إلا في العام 1961 في ميونيخ بألمانيا، لينشر في روسيا بالعام 1987، وفيه إدانة لما عانى منه الشعب الروسي من ويلات في تلك الفترة، وما تخلل تلك الفترة من قمع جماعي وتطهير عرقي وترحيل واسع النطاق وخصوصاً للمثقفين ومئات الآلاف من عمليات الإعدام والمجاعات التي قتلت الملايين".
وأوضحت "اخترت هذه الشاعرة للكتابة عنها في أصعب وقت مررنا به في لبنان، لناحة انقطاع الخبز والوقود والطوابير في كل مكان، وكان يتراود في ذهني عن قدرتنا على الكتابة في هذه الظروف، لتشكل السيرة التي عاشتها من مجاعة، وعلى الرغم من ذلك ألف أهم كتبها "القداس"، وقد عاشت معاناة كبيرة وفي كافة مراحل حياتها".
وأضافت "اعتمدت في ترجمتي للقصائد والتي بلغ عددها 401 قصيدة وبينها ثلاث رسائل على أكثر من 10 ترجمات مختلفة لأدباء فرنسيين لأشعارها تبعاً لدراستي، وقد تجاوزت أشعار أنا أخماتوفا 1800 قصيدة، عدا كتب وقصائد عدة أحرقت لها في قصف طاول منزها، وقد نشرَت مجموعتها الأولى "المساء" عام 1912، التي روت فيها عن امرأة متزوجة تعاني الوحدة والكآبة، أحد النقاد وصفها بوريثة بوشكين وهي الشاعرة الأولى التي أثبتت أن اللاحب قد يكون موضوعاً شعرياً!".
تأثير ماتيلدا
وأوضحت "شدت انتباهي واستفزتني هذه الشاعرة بتحديها الجميع والتمرد، وبأنها لا تشبه أحدا، وبأن شعرها من المستحيل أن يُترجَم، لأنه، حسب قولها، "متجذِر في التراب الروسي"، خصوصاً وأنها كانت مترجمة وقامت بترجمة نصوص لكتاب وشعراء من لغات عدة، وعلى الرغم من وجود مؤلفات للأدباء الروس الرجال باللغة العربية، إلا أنني لم أجد لها أو لمثيلاتها من الأديبات الروسيات إلا النذر القليل، وهو ما يمكن وصفه بـ "تأثير ماتيلدا" والذي سمي تخليداً للناشطة الأمريكية التي تدافع عن حقوق المرأة ماتيلدا جوسلين غيج، والذي يتمحور حول قمع وازدراء عمل ومواهب وإنجازات النساء لصالح الرجال".
وعن المصاعب التي مرت بها أشارت إلى أنها "تعرضت للتوبيخ والعنف الأبوي عندما أعربت عن رغبتها بسن 17 عاماً بنشر قصائدها، بألا "توسخ"، سمعة العائلة النبيلة بأبيات وقحة ومنحطة، ناصحاً إياها بأن تجد لها زوجاً بدلاً من الشعر، ولذا وضعت اسمها على القصائد اسم جدتها التترية الأصل أخماتوفا بديلاً لاسم العائلة غورينكو، وهو الاسم الذي عرفت فيه طوال حياتها".
الشعر النسوي من رحم المعاناة
وأكدت على أنه "لا مجال للإحاطة بسيرة وقصائد ملكة النيفا في كتاب واحد، وهي المرأة الفريدة لناحية الإنتاج والسيرة الفنية، وكان شعرها من رحم المعاناة، وقد وصفت من قبل الشعراء والمثقفين بالعديد من الصفات، "الحقل المغناطيسي"، و"الإمبراطورة" و"صافو الشمال"، فعلى الرغم من أنها من طبقة الأرستقراطيين، فقد ارتدت الفستان نفسه لفترة 15 عاماً.
وعن تجاربها الزوجية التي انعكست على شعرها قالت "تزوجت بداية من الشاعر نيكولاي ڠوميليوڤ وأنجبت منه ابنها ليف، الذي تعرض مع والده للاعتقال في السجن لسنوات عديدة، وثقتها بقصائد حزينة عن انتظار النساء والعائلات لأحبائها أمام السجون في الصقيع وهي منهم لأكثر من 300 ساعة".
وأضافت "كما تناولت في قصائدها العديد من الأحداث التاريخية والشخصية، والطبيعة الروسية وقضايا المرأة المختلفة ووصفت مشاعرها ومعاناتها مع الرجال الثلاثة الذين ارتبطت بهم بالزواج وانفصلت عنهم بالطلاق، وفي زواجها الثاني من الشاعر ڤلاديمير شيليكو لتجد نفسها بدور الزوجة الخاضعة والسجينة والمعنفة وتحسم أمرها بالانفصال عنه أما زوجها الثالث المؤرخ وأستاذ الفنون المختص بالمدرسة المستقبلية le futurisme، نيكولاي بونين فقد انتقلت للسكن معه ومع زوجته السابقة في البيت نفسه في فونتانكا بحجة أزمة السكن، وآنا المحرومة من ابنها لا تجد أي مشكلة في الاهتمام بطفلتهما، لتستفحل الخلافات بعد ذلك بسبب تنمر زوجها، وتنتهي العلاقة بالانفصال".
وعن بعض ما مر بحياتها وتمت ترجمته على شكل قصائد أوضحت "توجهت ملكة النيفا للشعب والمضطهدين قائلة "أنا صوتك"، وترجمت معاناة الشعب من خلال مواقفها، وبالمقابل تعرضت لهجومٍ نقديٍ شرس، مع تهم مثل "كتابة شعر حميم"، "بعيد من هموم الشعب"، "ولا يتناسب مع تلك المرحلة الدقيقة"، كما وأطلق على كتاباتها صفة الذاتية والرومنسية، وطالب أحد النقاد بمنعها من النشر لمدة ثلاث سنوات، وبالفعل كان كتابها "آنو دوميني" الصادر عام 1922 هو آخر كتاب تنشره قبل منعها الذي سيستمر حتى العام 1940، ما دعاها لكتابة قصائدها وترديدها أمام صديقة لها لتحفظها لتقدم على حرقها بعد ذلك، وليبقى شفهياً حتى عادت إليها بعد ذلك بحوالي عقدين لتوثيقها".
وعن تجربة أنا أخماتوفا قالت "تجربة أنا أخماتوفا هي إجابة لسؤال كنت دوماً أسأله حول إنجازات المرأة الروسية خصوصاً والنساء عموماً وإبداعاتها في مجال الأدب والشعر، وقد تبين لي العكس فلطالما كان لدى النساء إبداعات وإنجازات وليس ذلك فحسب، بل كانت تحمي، وامتدت تجربة أخماتوفا الغنية في الشعر على الفترة بين 1910 وستينيات القرن الماضي، وتعتبر من أهم شاعرات روسيا، وقد رشحت في آخر عمرها لجائزة نوبل للآداب، ونالت الكثير من الجوائز، وكتبت عن اللاحب، الحب، المشاكل الزوجية، شعورها بالملل كزوجة، هذا ما قبل 1936، لتتحول بعدها للتغيرات الكبرى في روسيا ولينعكس على شعرها، لتكتب عن الوطن والنزاعات ومعاناة الشعب ولا سيما النساء".
وعن مشاريعها المستقبلية، أشارت الشاعرة والكاتبة أماني غيث إلى أن "هناك مشروع لرواية، فأنا أحب التنويع في الإنتاج"، وعن إمكانية أن تتابع بجزء ثاني من قصائد أنا أخماتوفا أوضحت "ربما في المستقبل، وحالياً، أحاول الكتابة في مجالات أخرى، ومتابعة النشاطات الثقافية المختلفة".