ليلى الشافعي: تساهم الكتابة النسوية في معالجة قضايا المرأة

أكدت الكاتبة المغربية ليلى الشافعي أن الكتابة النسائية تطورت في المغرب بشكل كبير، فبعد أن كان عدد الكاتبات لا يتجاوز أصابع اليد في أواخر الستينات، تضاعف اليوم بشكل كبير.

حنان حارت

المغرب ـ عرفت الكتابة النسائية تقدماً ملحوظاً، وتميل الكاتبات إلى إيثار كل ما هو نسائي، وتتحدثن عن معاناة المرأة بحساسية خاصة، كما أن أعمالهن بدأت تعرف تراكماً على مستوى الكم في الإنتاج.

ترى ليلى الشافعي أن الكتابة النسائية ساهمت في معالجة قضايا النساء والانتصار لهن، قائلةً خلال حوار لوكالتنا أن للكتابة خصوصية معينة تجعلها أولاً فعلاً فردياً، وثانياً تتطلع في الغالب إلى التغيير لا إلى تكريس الوضع القائم.

 

كيف يمكن أن يساهم الإبداع النسوي في معالجة قضايا النساء والانتصار لهن؟

تعرف الساحة الثقافية سجالاً حول مفهوم الإبداع النسوي عموماً، والكتابة النسائية على وجه الخصوص، إذ هناك تضارب في استعمال هذا التوصيف. فهناك رأي لعدد كبير من الكاتبات والمبدعات اللواتي ترفضن أن يصنف منتوجهن ضمن خانة الإبداع النسائي، وتعتبرن أن هناك إبداع جيد وإبداع رديء، وهن في الغالب تحاولن الابتعاد عن هذا التصنيف لاعتقادهن أنه يندرج ضمن التعامل مع إبداعهن بأسلوب تمييزي، ضمن أحكام القيمة السائدة حول المرأة وكل ما يأتي منها.

وهناك من يعتبره ضرورياً لأنه تعبير عن واقع النساء الذي لا يتغير ويتميز بالتهميش والإقصاء والعنف، كما أن الخصوصية البيولوجية للنساء بحكم كونهن تعطين الحياة تجعل إبداعهن متميزاً وذا حساسية خاصة، لأنه يعكس خصوصية المرأة على الواجهتين السالفتين الذكر. هذا دون مفاضلة بين ما تكتبه النساء وما يكتبه الرجال، لأن المقياس الوحيد للمفاضلة هو عنصر الجودة.

وبحكم كوني كاتبة ناضلت داخل اتحاد كتاب المغرب من أجل تقلد الكاتبات لمراكز القرار، بل وترشحت لرئاسة الاتحاد في المؤتمر الثامن عشر وحصلت على عدد أصوات تجاوز كاتبين كانا قد رشحا نفسيهما للرئاسة، كما أنه بفضلي، تم التنصيص في القانون الأساسي للاتحاد على مبدأ تخصيص كوتا بنسبة 30% للكاتبات داخل المكتب التنفيذي.

انطلاقاً مما سلف، أعتبر أن الكتابة النسائية بغض النظر عن الموقف الذي تتخذه المبدعة من هذه التسمية، قد ساهمت بشكل أو بآخر في معالجة قضايا النساء والانتصار لهن. فحتى الكاتبة خناثة بنونة التي ترفض بشدة أن يصنف ما تكتبه ضمن خانة الكتابة النسائية، لم تفعل في كتاباتها السردية سوى الانتصار للمرأة، وجل بطلات كتاباتها نساء.

وأحب الإشارة إلى أن الكتابة النسائية تطورت في المغرب بشكل كبير، فبعد أن كان عدد الكاتبات لا يتجاوز أصابع اليد في أواخر الستينات، تضاعف بشكل كبير اليوم، كما أن تراكم الكتب النسائية في مختلف الأجناس الأدبية بات مثيراً. وسأقتصر على دراسة بيبليوغرافية أنجزها أحد النقاد المغاربة في مجال القصة النسائية المكتوبة باللغة العربية عن تطور الكتابة القصصية النسائية في المغرب حتى عام 2011، جاء فيها أنه صدر في سنوات الألفية الثانية 81 مجموعة قصصية في حين أن باقي سنوات الستين والسبعين والثمانين والتسعين مجتمعة بلغت 31 مجموعة قصصية نسائية، وأن أكثر السنوات إنتاجاً كانت خلال عام 2006، بخمس عشرة مجموعة.

وبحسب سجل الجرد لعام 1967 فإن صدور أول مجموعة قصصية نسائية في المغرب ألا وهي "ليسقط الصمت" تعود للكاتبة خناثة بنونة، في حين صدرت أول مجموعة قصصية للرجال "عواقب الأقدار" للكاتب مصطفى الغرباوي عام 1938، وهذا يعني أن المرأة لم تلتحق بقافلة الكتاب إلا بعد 30 عاماً من انطلاقها وذلك لعدة عوامل، أبرزها تأخر تعليم المرأة.

وكانت أول رواية نسائية في المغرب ألا وهي "الملكة خناثة" لآمنة اللوه قد صدرت عام 1954، أما أول مجموعة شعرية نسائية صدرت عام 1975، وهو متقدم جداً عن أول نص مسرحي نسائي والذي لم يظهر إلا خلال عام 2005، ويتزامن تاريخ هذا الإصدار مع صدور أول مجموعة قصصية بالجزائر وهي "الرصيف النائم" لزهور ونيسي، وهو متأخر عن أول مجموعة قصصية بتونس وهي "أردنا الحياة" لناجية تامر التي صدرت عام 1956، كما أنه متأخر عن أول مجموعة قصصية ليبية وهي "القصص القومي" لزعيمة الباروني التي صدرت سنة 1958.

خلاصة القول، إن الكتابة النسائية عموماً عرفت تقدماً ملحوظاً، كما أن أغلب الكاتبات بدأن تملن إلى إيثار كل ما هو نسائي، وتتحدثن عن معاناة المرأة، كما أن أعمالهن بدأت تعرف تراكماً على مستوى الكم في الإنتاج.

 

الشعر والأدب أدوات مهمة للفت النظر إلى معاناة النساء ومعالجتها، لماذا تغيب هذه الأدوات عن الطرح؟

بالفعل يلعب الشعر والأدب وجميع الأشكال الإبداعية الأخرى من مسرح وسينما وفنون تشكيلية وموسيقى أدواراً مهمة في لفت الانتباه إلى معاناة المرأة، وجل الكاتبات والمبدعات عموماً، تناولن في كتاباتهن معاناة النساء، وهناك بعض الكتاب فعلن ذلك أيضاً.

غير أن للكتابة والإبداع عموماً خصوصية معينة، تجعلها أولاً فعلا فردياً، وثانيا تتطلع في الغالب إلى التغيير لا إلى تكريس الوضع القائم، لكن الكُتاب لا يملكون القرار السياسي، وليس بوسعهم فعل شيء سوى المساهمة في تغيير العقليات. وقد أفاجئك، إذا أخبرتك أن المجتمع المغربي تراجع بشكل مهول على مستوى القيم، عما كان عليه في ثمانينيات القرن الماضي.

فقد كان يعتمد داخل المجتمع تياران أحدهما تقدمي يسعى إلى التغيير والآخر محافظ يسعى إلى العودة إلى الوراء ضارباً بعرض الحائط حقوق النساء والأقليات، وذلك بحكم مكوث الحزب الإسلامي المسمى "العدالة والتنمية" مدة طويلة في السلطة، وعمله الدؤوب آنذاك لنشر أفكاره داخل المجتمع المدني وداخل كافة المجتمع، خاصة في الأحياء الشعبية، وهكذا بدأ المجتمع الذي كان متفتحاً خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، يعرف انكماشاً وردة على مستوى القيم. ولولا وجود مجتمع مدني مقاوم لهذه الردة، ووجود ملك عمل على الاستجابة لمطالب الحركة النسائية بتغيير مدونة الأحوال الشخصية التي كانت تتضمن قوانين مجحفة ومهينة للمرأة بـ "قانون الأسرة"، لكان وضع النساء في المغرب مختلفاً؛ لأن المجتمع في غالبيته لا يؤمن بحقوق النساء أو المساواة بين الجنسين كقيمة تخدم تطور المجتمع.

 

تعاني النساء من إشكاليات كثيرة متعلقة غالباً بالنوع الاجتماعي ويأتي ذلك نتيجة تنفيذ سياسات تمييزية، كيف يمكن رفض تطبيق تلك المخططات؟

تعمل الحركة النسوية على قدم وساق من أجل تغيير "مدونة الأسرة" مرة أخرى، خاصة بعد ظهور بعض الدراسات التي تبرز عدم صلاحية بعض المقتضيات، كزواج القاصرات الذي عوض أن يتقلص كما كان يروم الإصلاح، تضاعف، فضلاً عن تغيير القوانين الأخرى المجحفة بحق المرأة كالقانون الجنائي مثلاً. هذا علاوة على ترافع بعض المنظمات الدولية ومساندتها ودعمها لهيئات المجتمع المدني المساندة لقضايا المرأة، بل وذهاب بعضها إلى تخصيص قروض للمغرب بهدف تحسين الشرط النسائي، غير أنني أعتقد أنه رغم كل ذلك فلا بد من وجود إرادة سياسية لتحقيق التغيير، وعلى الحركة النسائية أن يساهموا في تغيير العقليات لأن تغيير القوانين سهل لكن تغيير العقليات يتطلب جهداً أكبر ومدة أطول.

كما أن الدستور الذي جاء بعد خروج حركة 20 فبراير إلى الشارع في إطار الربيع العربي الذي بدأ عام 2011، بات يبدو كأنه ممنوح، لعدم تنزيل بنوده وعدم سيادة القوانين الدولية على المحلية، لذا يبدو لي أنه طالما لا توجد إرادة سياسية للتغيير فإن المكتسبات التي حققتها النساء يمكن التراجع عنها في أي وقت، وذلك حسب موازين القوى، هل تذهب في اتجاه التقدم والعصرنة أم في اتجاه المحافظة.

 

كيف يمكن لكن كأديبات وشاعرات خلق سبل التواصل مع شاعرات وكاتبات في المنطقة بإعتبار أن القضية النسوية واحدة لا تتجزأ؟

تأسست رابطة كاتبات المغرب عام 2012، وقد عملت بعد تأسيسها على الاهتمام بتشبيك العلاقات مع باقي الكاتبات، ويبدو ذلك جلياً من خلال إعلان الرابطة عن إطلاق جائزة سنوية للإبداع في مجال الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرح تحت اسم "جائزة الكاتبة المغاربية"، كما تأمل الرابطة في توسيع آفاقها مستقبلاً لتصبح شاملة للعديد من الدول.

وبعملها ذاك، فقد استبقت رابطة كاتبات المغرب، الهيئات الرسمية للدول المغاربية المكونة من الجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا فضلاً عن المغرب، معلنةً عملياً عن اتحاد مغاربي للكاتبات، كما عملت الرابطة في آذار الماضي على تأسيس رابطة كاتبات إفريقيا، التي انعقدت بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط، ضمت 130 كاتبة من 40 دولة إفريقية ترأستها رئيسة رابطة كاتبات المغرب بديعة الراضي، كما قررت الرابطة أن تحتفل كل يوم 9 آذار بالكاتبة الإفريقية، على اعتبار أنها حاملة لمشعل التقدم والكفاح ضد كل المثبطات التي تطال المرأة الإفريقية.

وقد شكل المؤتمر التأسيسي لرابطة كاتبات إفريقيا فرصة نوعية لترسيخ ثقافة إبداعية بلغة المؤنث، تقوم على المساواة وتكافؤ الفرص، من خلال مد الجسور بين مختلف الثقافات الإفريقية والطاقات الإبداعية النسائية، خدمة لحرية الفكر والإبداع والابتكار.

 

تعاني النساء في مناطق الصراع والأزمات معاناة مضاعفة، لماذا لا يميل الأدب لهن لتوثيق معاناتهن والنهوض بواقعهن ومساعدتهن؟

الأدب والكتابة أمر فردي يتم حسب اهتمامات الكاتب وتصوراته، أي لا يمكنك أن تفرض على كاتب أن يكتب حول موضوع دون سواه. ومع ذلك فقد قرأت بعض الروايات التي تتناول معاناة النساء خلال الحروب وتصف الاضطهاد المضاعف الذي يقع عليها فقط لكونها امرأة، من اغتصاب وقتل واستعباد. أذكر من بين ما قرأت رواية لعائشة البصري بعنوان "الحياة من دوني" تتحدث فيها عن معاناة النساء خلال حرب الفيتنام، وهناك عدد من الروايات التي تتناول نفس المعاناة. صحيح لم أقرأ عما حدث للنساء الإيزيديات مع المرتزقة والإرهابيين ولا للنساء السوريات، لكنني لا أستبعد أن يكون هناك أدب تطرق لهذه المعاناة باللغة الكردية أو العربية.