كريستينا الشبلي… شغف يتجاوز الصعاب ويرسم الأمل في وجه الألم
لا يمكن اختزال الفن بالقول إن الفن للفن فقد شكّل على مدى آلاف السنوات أدلة تاريخية عريقة امتدت من سومر إلى مختلف الحضارات، واليوم أمام التحديات التي يواجهها الفن التشكيلي، أصبح رسالة توثق ما يحدث وأداة لدعم من يعانون.
روشيل جونيور
السويداء ـ لم تشفى جراح أهالي مدينة السويداء جنوب سوريا بعد هجوم تموز/يوليو، ليتحول كل شيء لمجال مقاومة واستذكار تضحيات من دافعوا عن المدينة، ومن وقعوا ضحية الذهنية المتشددة.
هكذا تحول الرسم لدى كريستينا الشبلي من شغف لأداة مقاومة، إذ تروي الفنانة حكايتها مع الفن بوصفه شغفاً لا تخصصاً أكاديمياً، فرغم دراستها في المعهد، تقول إن مسيرتها الفنية لم تبدأ فور تخرجها، فلم تعمل على تطوير نفسها مباشرة، لكن الشغف كان أقوى، فقررت أن تمنح نفسها فرصة حقيقية، وأن تخوض الطريق الذي تحبه وهو الرسم، وتحديداً رسم البورتريه، الذي ترى فيه تفاصيل دقيقة ولمسة عميقة تحرك مشاعرها من الداخل.
البدايات لم تكن سهلة فالتحديات المادية شكلت عائقاً كبيراً أمامها، كما هو الحال بالنسبة لكثير من الفنانين التشكيليين، ومع ذلك، اختارت البدء من أقرب الدوائر إليها، فرسمت أفراد أسرتها والمحيطين بها، ومع الوقت، بدأت خطواتها تتسع، فعملت كمدرسة رسم في إحدى المدارس، وهو ما منحها خبرة وثقة أكبر، لاحقاً، تحولت إلى مدربة، وقدمت دورات في أكثر من معهد، مع تخصص واضح في تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة عبر الفن.
وتشير كريستينا الشبلي إلى أنها نظمت معرضاً قبل أسبوع من الهجوم شارك فيه أطفال من مرضى الحلزون وأطفال توحد وآخرون من الأطفال الأصحاء، وتبين أن كل ستة أشهر تدرب مجموعة جديدة من الأطفال بين 6 و10 سنوات، ليختتموا فترة التدريب بمعرض يضم عشر لوحات لكل طفل، وقد حظي هذا المعرض بصدى واسع.
تحويل الألم إلى فعل إنساني
بعد الهجوم على السويداء أصيبت بأزمة نفسية صعبة أفقدتها القدرة على متابعة نشاطها، لكن الدعم الذي تلقته من أسرتها أعاد إليها القوة، فقررت الخروج من محنتها عبر مساعدة الآخرين، وهكذا تعرفت على جمعية "الخير فينا"، التي تعمل ضمنها اليوم، ومن هنا ولدت مبادرتها الأكثر تأثيراً "حملة وفا".
بدأت الحملة برسمها لأول قتيل، وهو عصام عزام، لتتوالى بعدها اللوحات ويصل عددها إلى 12 قتيل، وتصف كريستينا الشبلي الحملة بأنها قوة وإرادة وبصمة وفاء، تحمل في طياتها ألم السويداء كلها، فبعد أن عاش أهل المدينة حالة رعب كبيرة، وتعرّض منزلها للقصف واضطرت للتنقل بحثا عن الأمان، وجدت في الرسم متنفساً لتحويل الألم إلى فعل إنساني.
تقول إن "رسم وجوه الشهداء عمل مؤلم نفسياً"، إذ تحفظ ملامح كل واحد منهم في ذاكرتها، لكنها تواصل رغم كل التعب الجسدي والنفسي لأنها تشعر بأنها تقدم شيئاً ذا قيمة لأهاليهم؛ "ورقة مرسوم عليها ملامحهم ودمهم وقوتهم… شيء بسيط لكنه يمنح أهل الشهيد أمل وفخر بأن دماء أبنائهم لم تذهب هدراً".
وتؤكد أن حملة "وفا" مستمرة، ولن تتوقف مهما اشتد التعب، موجهة رسالة خاصة للنساء ولكل من يسعى إلى إنشاء مشروع أو تحقيق حلم "لا تتوقفوا أمام أي عائق. طوروا أنفسكم، فالصعوبات بسيطة أمام الطموح. والمال ليس كل شيء. بدفتر وقلم رصاص افتتحنا معرض كبير، وطموحي كبير لمعارض أكثر وأن أعرض لوحاتي في العديد من البلدان".