'كل طرق الفن تؤدي إلى المرأة'

لا يتذكر أحد أن هناك امرأة خُلد اسمها مثل الرجال الذين تباع لوحاتهم الآن بالملايين، فلماذا تختفي الفنانة التشكيلية حتى لا يصبح لها أثر؟

ابتسام اغفير

بنغازي ـ برز اسم فاتن العسبلي في عام 2009 كفنانة تشكيلية ليبية بقوة، وبدأ الإعلام يسلط الضوء عليها بكثافة، وسعد الجميع بأن الوسط الفني قد ازدان بامرأة تعيد تشكيل الفن في بنغازي بشكل أنثوي.

بدأت فاتن العسبلي بممارسة هواياتها منذ الصغر فقد كانت تزين كراساتها في جميع المواد برسوماتها المختلفة وتنقل ما هو موجود في الكتاب المدرسي لكراستها، ووصلت للمرحلة الثانوية وبدأت رويداً رويداً تتعرف على الأولوان الزيتية، والمائية المختلفة عن الأولوان الخشبية التي كانت تستخدمها وهي طفلة.

وتقول إن تعلمها للرسم في تلك المرحلة كان عشوائياً فلا يوجد كتب أو محترفات للرسم تتخذهن قدوة لها في هذا المجال، وبعد أن التحقت بالجامعة بدأت تتعرف أكثر على المعارض الفنية وتزورها باستمرار وتستنبط منها أسس الرسم، وبدأت برسم لوحات زيتية، واطلعت على مصادر في عالم الفن.

وأصبح لديها هاجس لتعلم الرسم كما يجب وبدأت بالتردد على المرسم الجامعي، ورسم لوحاتها بشغف، وسط إشادة من المحيطين بها، وهذا شجعها على المشاركة في أول معرض جماعي عام 2008 برواق السيلفوم، بمدينة بنغازي، وكان معرض نسائي شاركت فيه مع مجموعة من الفنانات التشكيليات.

وفي عام 2009 شاركت في معرضين مع مجموعة من الفنانين، وبعدها انطلقت في عالم الفن والمشاركات الفنية إلى أن جاءت ثورة شباط/فبراير عام 2011، ثم استحدثت مركز روح الجمال لتعليم الرسم الحر للجميع، الذي تعلمت منه وعلمت من خلاله الأطفال.

بعد ذلك أصبحت فاتن العسبلي تتجرأ على استخدام جميع الألوان فرسمت لوحات بمقاسات كبيرة، وتنوعت أعمالها بين المدرسة الواقعية، والانطباعية، والسريالية، وتوقفت عن العمل الفني عام 2014.

تقول فاتن العسبلي عن توقفها عن الرسم "يعد انخراطي في برنامج الدراسات العليا عام 2014، أحد أسباب ابتعادي، وكنت على وشك إنهاء هذه المرحلة، فاضطررت للابتعاد، وعدم المشاركة في المشهد التشكيلي الليبي حتى أن عملي مع الأطفال توقف، إضافة لظروف الحرب في بنغازي، والنزوح لثلاث سنوات، وتعاوني كأستاذة في ثلاث كليات في ذات الوقت"، مبينةً أنه "كانت عودتي للفن التشكيلي عام 2017 من خلال العمل مع الأطفال وتعليمهم الرسم وبذلك وجدت أن مساحة الرسم أكبر من الرسم لوحدي، وأصبح عملي الفني يمتد في عيون الأطفال وأيديهم الصغيرة وخيالاتهم وتعبيراتهم".

وعن تأثير المجتمع ومدى تقبله للمرأة كفنانة تشكيلية وهل ساهم في ابعادها عن فنها تقول "كانت أول مشاركة فنية لي في معرض نسائي ضم عفاف الزبير، وايمان الغرياني وشقيقتي فريدة العسبلي وغيرهن كثير، ربما اخذتهن الأمور الحياتية، أما أنا شخصياً لم يؤثر بي المجتمع، ولكني انشغلت بالدراسة أولاً ثم العمل، كما أنني هاوية ولست دارسة للفنون".

وتبين فاتن العسبلي وهي الدارسة للكيمياء أن هذا المجال تغلب على شخصيتها الفنية "إلى حد ما تغلبت فاتن التي تعمل في الكيمياء على فاتن الفنانة التشكيلية، ولكن العمل داخل مرسمي لم يتوقف على الاطلاق".

وتقول عن تخصصها "ايقنت أن الكيمياء ليست بالعلم السهل، ووجدت أنها بشكل ما تفضي إلى الفن، والفن قد يفضي إلى الكيمياء، وأرى أن جميع العلوم هي دائرة متداخلة". مبينةً أن العلاقة بين الكيمياء والفن هي علاقة قديمة قدم التاريخ، وقد ظهرتا مع بعضهما "أجد أن علاقة الألوان مع بعضها هي أكثر شيء معبر".

وحول سؤالها كيف ترسم المرأة تجيب "الكل يعبر عن الوطن بالمرأة، عن الجرح بالمرأة، وعن السعادة بالمرأة، وعن الأمل بالمرأة، فمثلاً قد يرسم أحدهم كمان حزين نصفه مظلم قد يقصد به المرأة، أو يرسم امرأة دون عين أو أذن يقصد بها انهيار علم معين، وبالتالي فكل الطرق، تؤدي إلى المرأة في الفن".

وأكدت أن للمرأة رمزية في لوحاته "لدي لوحتان برزت فيهما المرأة بشكل كبير في إحداهما رسمت بعض المعالم في ليبيا، أقصد بها الوطن، ورسمت أمامها امرأة وحيدة بالزي الليبي وتمسك بيديها السيلفيوم النبتة المعروفة في ليبيا منذ القدم، وهنا المرأة كانت تمثل الوحدة الليبية، وهناك لوحة أخرى تحدثت فيها عن الحرب في بنغازي، وكانت المرأة تحكي القصة، وقد لونتها بالأزرق وهو لون الحزن لكن في اللوحة كانت الخلفية حمراء ملتهبة نارية جداً ولكن المرأة بلونها الأزرق مثلت التوازن".

دائماً ما يقال إن الرجال يعتمدون على شكل المرأة لتقييم عملها، تقول فاتن العسبلي أنها لمست هذه المقولة في أول معرض لها "عندما يقام معرض نسائي نجد الحضور كبير، وهناك الكثير من الإطراء على الرغم من أن كثير من اللوحات ليست في المستوى المطلوب، وقد لامست ذلك في بداياتي، وهذا متواجد في كل المجتمعات العربية وهو النظر للمرأة كشكل، ثم ينظرون ماذا قدمت من عمل، ولكن في مجتمعنا الليبي هذه النظرة متواجدة بشكل أكبر من باقي المجتمعات".

وعن تجربتها في تعليم الأطفال الرسم قالت "تنقلت في المراحل التعليمية منذ المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية بالتالي أصبحت لدي حصيلة تربوية، نتيجة للتراكمات في التعامل مع الاعمار المختلفة، الطفل في هذا العمر يلتقط الشغف الذي بداخلك، سواء للفن أو للعلم، وتكون لك بصمة في شخصيته".

وأوضحت بأنه من مهنتها كمعلمة وجدت أن لديها القدرة على التعامل مع هذه الأعمار "تجربة مختلفة أن أقوم بتعليمهم الفن، وبدأت بتعليم الخط، وكانت تجارب مجانية، وغير منتظمة وعندما وجدت أن لمجهودي تأثير، أعطتني إحساس مميز، وأصبحت بدل أن أعلمهم اتغذى على الطاقة الإيجابية التي أراها في عيونهم وتصرفاتهم وسعادتهم، عندما يتعلمون".

واختتمت حديثها بالتأكيد على أن "هناك مخططات لعمل معارض جديدة، ولازال لديها الكثير من اللوحات والمواضيع ومن المدارس الفنية التي لم أطرق بابها".