خديجة بوكرين الخيط والإبرة ريشتها والقماش والأزرار لوحتها

فنانة تشكيلية تستخدم الأزرار والعقيق والقماش، لتشكيل لوحاتها بطريقة فنية جديدة تسمح للمكفوفين وضعاف البصر، التعرف على فكرة اللوحة وتفاصيلها وأبرز معالمها عن الطريق اللمس.

حنان حارت

المغرب ـ بتقنيات بسيطة تتألف من القماش والأزرار والعقيق، تبدع الفنانة خديجة بوكرين لوحات فنية تبرز من خلالها الحس التاريخي لمدينة فاس وتجسد بعض الأفكار التقليدية.

لم يسبق للفنانة المغربية خديجة بوكرين أن ولجت فصلاً دراسياً، أو خضعت لورشة تكوينية في الفنون التشكيلية، لكن فنها تفجر بالصدفة، فعلى امتداد أيام الحجر الصحي وفرض منع التجول، ومع أولى بشائر الشروق إلى حين شفق الغروب اعتكفت على نسج ذكرياتها وقلقها وكل مخاوفها، وجعلت من وسم فيروس كورونا تيمة رئيسية في لوحاتها، أذرع والتواءات وانعراجات لا تنتهي، وجعلت من الإبرة والخيط ريشتها ومن العقيق والقماش لوحتها.

وعن بداياتها الأولى وكيفية دخولها مجال الفن تقول خديجة بوكرين البالغة من العمر 76 عاماً "موهبتي جاءت بالفطرة، حيث شكلت فترة جائحة كورونا نقطة تحول في حياتي، خلال هذه المرحلة التي كان فيها العالم يجتاز أصعب الفترات خلال الحجر الصحي، ومن أجل كسر الملل وتمضية الوقت، كنت أشارك حفيداتي في لعبهن".

وأضافت "ذات يوم كان بحوزتهن كيساً من العقيق والأزرار، وبدون وعي مني حملت الأزرار والعقيق والإبرة  والقماش وبدأت بتثبيتها عليه مشكلة أشكالاً هندسية نالت إعجاب حفيداتي وأبنائي الذين دعموني بشدة من أجل إبراز موهبتي الإبداعية التي ظهرت بشكل تلقائي".

وأوضحت أنه "خلال هذه المرحلة الصعبة، كنت أتابع الأخبار عبر التلفزيون، ومخاوفي كانت تزداد كلما سمعت عدد حالات الإصابات والوفيات، فكان ذلك يؤثر في بشدة ويزيد من مخاوفي، وهو ما جعلني أترجم ذلك في لوحاتي برسمي لوسم كورونا، حتى لا ينسى العالم تلك الفترة الحرجة، وحتى أتذكر دائماً كيف كنت أعيش هذه المرحلة من حياتي داخل البيت رفقة أبنائي وحفيداتي وسائر أفراد الأسرة".

في رصيد الفنانة العصامية 58 لوحة فنية تتنوع أشكالها وأحجامها وتعابيرها، فبعضها تعبر فيه عن الحياة اليومية للمغاربة خلال فترة كوفيد، وأخرى تجسد فيها الأصالة والهوية المغربية، وبعضها يحمل ذكرياتها ولحظاتها الجميلة التي بصمت مراحل حياتها المختلفة، كما ترمز في لوحات أخرى للطبيعة مستعينة بالألوان الزاهية التي تبرز فيها مشاعرها الداخلية.

وأشارت إلى أنها تعتمد على تقنيات بسيطة "أجد مساندة كبيرة من قبل أحفادي وابني الذي يحرص على توفير المواد الخام التي اعمل بها، أحول الأزرار والعقيق إلى لوحات فنية جميلة ومعبرة، أقدم من خلالها الحس التاريخي لمدينة فاس التي أقطن فيها، إضافة إلى تجسيد بعض الأفكار التقليدية التي تتمثل في الخياطة التقليدية والعصرية".

وعن أول معرض قررت خديجة بوكرين تنظيمه تقول "أول معرض نظمته كان في الثالث عشر من كانون الثاني عام 2022 برواق محمد القاسمي بفاس تحت شعار "أمطار من أزرار وعقيق تكتسح سماوات الفن الفطري"، تم خلاله عرض 46 لوحة، وحقق نجاحاً"، لافتةً إلى أنه "عندما قررت تنظيم هذا المعرض، كانت  تنتابني مشاعر كثيرة، بحيث اختلطت في داخلي الفرحة والحزن والخوف من ردود فعل الناس حول فني الجديد".

ونوهت إلى أنه بمجرد ما أعلن عن افتتاح المعرض لاحظت الكم الهائل للزوار الذين كانوا منبهرين بفنها، مشيرةً إلى أنها شعرت آنذاك أن تعبها لم يذهب سدى "لم أكن أعلم أنني أؤسس لتجربة تشكيلية غير مسبوقة، تفاعل الزوار مع فني بدد كل مخاوفي وتشجعت أكثر للمضي قدماً، لقد علمت أن السن ليس عائقاً أمام المرأة أبداً لتحقيق أي هدف لها في الحياة".

وأوضحت أنه بعد نجاح معرضها الأول بدأت تفكر بالأشخاص المكفوفين وضعاف البصر، كيف يمكن لهذه الفئة أن تتذوق فنها فبدأت بتطبيق أفكارها الجديدة على لوحاتها الفنية، فكان معرضها الثاني الذي حمل شعار "مسموح اللمس... أطلق لأناملك العنان"، واحتضنه رواق محمد القاسمي بفاس في السادس من كانون الثاني/يناير الماضي، تخليداً لليوم العالمي للغة برايل، وقد ضم 12 لوحة قابلة للمس مشكلة من الثوب والأزرار والعقيق "الفكرة من المعرض كانت طرح لوحات فنية بدون إطارات زجاجية ليتمكن المكفوفين من لمس اللوحة وتحسس شكلها ومحتواها وموادها المكونة من الأزرار والعقيق، مشيرةً إلى أن المبادرة جاءت في إطار إدماج المكفوفين في المجال الفني والتشكيلي، وجعل هذه الشريحة من المجتمع تعيش حياة عادية تخلو من العزلة واليأس".

وبينت أنهم كانوا سعداء ومتعاونين معها بحيث عبروا عن اهتمامها بهم، خاصة أنه لا توجد مبادرات موجهة لفئة المكفوفين من هذا النوع، متمنية من جميع أفراد المجتمع بأن يهتموا بالمكفوفين في جميع المجالات، خاصة أن هذه الفئة تحتاج الدعم.

وعن مشاريعها المستقبلية تقول "أعمل حالياً على إعداد لوحات فنية باستخدام نفس التقنيات، لكن هذه المرة أطمح إلى تنظيم معرض في العاصمة الرباط، حتى يطلع أكبر عدد من الجمهور على فني عن قرب، وسأوجه أغلب لوحاتي لفئة المكفوفين، كما أسعى إلى أن يتعدى فني حدود المغرب وأن يصل للعالمية".

وفي ختام حديثها قالت "الفن وسيلة لتفريغ الطاقة السلبية التي تحاصر الإنسان، لهذا فرسالتي لكل امرأة مهما كان سنها، إن وجدت نفسها محاصرة بضغوطات نفسية عليها أن تبحث عن متنفس لتفريغ الشحنات السلبية، بأن تطلق العنان لنفسها وتبدع، فلا مستحيل مع الحياة، وما دام الإنسان على قيد الحياة، يمكنه أن يمارس أي هواية يحبها"، مشددةً على ضرورة تحدي كل الصعاب وتجاوز العقبات وعدم الاستسلام لليأس من أجل تحقيق الأهداف واكتشاف المكنونات الداخلية.