كاتبة مصرية: إبداع المرأة لا حدود له ولا يمكن إعاقته بالتنميط المجتمعي

التنميط المجتمعي واحد من أهم الأزمات التي تواجه النساء في مختلف المجالات، ولا يخلو الوسط الأدبي من ذلك كجزء من المجتمع الذي يرثى قواعد تمييزية تستند للنوع الاجتماعي والتي تنال من حقوق النساء إلى حد كبير.

أسماء فتحي

القاهرة ـ الوسط الثقافي جزء من المجتمع تعاني فيه النساء من التمييز وتبعاته التي قد تؤثر عليهن سلباً، واتجهت الكثيرات فيه للتعامل مع تلك الأفكار الذكورية الموجودة فيه أو خارجه من خلال الإبداعات المتنوعة لهن على الصعيد الدرامي والأدبي.

مؤخراً أثارت المتتالية القصصية "ثورة الفانيليا"، عدد من النقاشات والأفكار حول دور المرأة والقوالب التي يضعها المجتمع بداخله، وللتعرف أكثر على أبعادها وتفاصيلها خاصة أنها خرجت من "المطبخ" والساردة فيها تطرح أفكارها وهي تطهو الطعام بداخله، كان لوكالتنا حوار مع كاتبتها والباحثة في الصحة النفسية، هبة الله أحمد، التي حدثتنا عن أبرز أعمالها الحالية والمستقبلية.

وترى هبة الله أحمد، أن إبداع المرأة لا حدود له ولا يمكن أن تتم إعاقته بالأطر المجتمعية النمطية ولكنها تستطيع كسر جميع الحواجز كلما أرادت ذلك من أجل تحقيق نجاحها والوصول لتطلعاتها، مؤكدة أن الأعمال الأدبية واحدة من الأدوات التي يمكنها تغيير الأفكار والتأثير على ثقافة المواطنين المتعلقة بأدوار النساء ونمطية وجودهن، خاصة في الرعاية داخل المنزل وغيرها من الأمور التي سعت من خلال أعمالها للتعاطي معها وتفنيدها.

 

حدثينا عن أعمالك الأدبية التي حققت نجاحاً كبيراً ونالت البعض منها جوائزاً؟

أولى أعمالي حملت اسم "النوالة" والتي فازت بالجائزة المركزية لقصور الثقافة عام 2019، ووصلت لقائمة طويلة في جائزة ساويرس كبار أدباء عام 2021 وبعض القصص القصيرة بها حصلت على جوائز منفردة أيضاً.

والعمل الثاني حمل اسم "ثورة الفانيليا" وتمت كتابته كاملاً في المطبخ، وهو عبارة عن متتالية قصصية على شكل رسائل تتحدث عن عدد من الأمور التي نمر بها جميعاً وتطرقت خلاله إلى فترة العزل خلال انتشار وباء كورونا والأعباء والأفكار الخاصة بتلك المرحلة، ويحتوي على جزء يتعلق بـ "النوات" وهي ظواهر الطقس الشتوي في محافظة الإسكندرية.

والعمل كاملاً عبارة عن تداعي حر تقوم به الساردة التي تدخل مطبخها ويمثل لها عالماً موازياً خاص بها وحدها على عكس المتعارف عليه عنه كمكان لتدجين المرأة، ولكني كنت أرى أنه قد يكون أداة يطلق فيه العنان للأفكار ومساحة آمنة لي، وأيضاً الوقت الذي يمكنني خلاله أن أفكر في ذاتي واحتياجاتها واسترجع خلاله الذكريات وافكر في الأحلام والطموحات والدراسة وتداخل هذا السرد مع عدد من وصفات الأكل المعروفة.

ولدي كتاب جديد يجري طباعته تحت عنوان "حكايات الغماز" وهو عبارة عن متتالية قصصية تدور أحداثها في محطة قطار فيها الكثير من التفاصيل الخاصة بالمشاعر والأحلام وأفكار المسافرين والمارة، وتحتوي على شخصيات لديها مشاكل نفسية وأخرى حالمة وثالثة طموحة.

 

هل برأيك استطاعت المتتالية القصصية "ثورة الفانيليا" التي كتبت في المطبخ وعرضت جانب آخر غير مألوف كسر الأفكار النمطية حول النساء؟

أنا ضد فكرة التنميط بكل أبعادها فهناك جوانب من الصورة عادة ما نغفل عنها ونتجاهل وجودها ومنها سبل استغلال المتاح ورفض القولبة المجتمعية خاصة في الجانب المتعلق بدور النساء في رعاية الأسرة وسبل مواجهة السلطة الأبوية والتابوه المجتمعي لها وما يرتبط بذلك من أفكار وعادات وتقاليد بالية.

واعتبر أن كل الأفكار المتعلقة بالتابوه في حاجة للكسر ومنها أن المرأة "مكانها المطبخ" أو البيت أو تربية الأطفال وغيرها من العبارات لكون الواقع فارض لأنماط أخرى كاسرة لتلك الأفكار كلياً، فهناك نساء معيلات وأخريات تشاركن أزواجهن في أعباء الحياة وتخرجن للعمل، وأيضاً هناك تشاركية في العمل المنزلي وبعض الأسر بها الدور معكوس عن ذلك المألوف.

والساردة في ثورة الفانيليا امرأة عاملة وتكمل دراساتها العليا، وتطهو الطعام وتربي الأطفال وغيرها من المهام، فهي نموذج معبر عن مهارات المرأة المتنوعة ومدى قدرتها على الإبداع في عالمها الموازي وأيضاً تمكنها من الاستفادة من المتاح لها سواء على مستوى المكان أو الوقت.

 

هل واجهتي تحديات كونك كاتبة بعيدة عن العاصمة؟

لم يعد للبعد عن محافظة القاهرة التأثير الكبير الذي يظنه البعض فمسألة مركزية القاهرة بالنسبة للوسط الثقافي تغيرت بفعل العولمة والرقمنة التي أتاحت الكثير من المساحات على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة وبالتالي باتت المسافات أقرب.

والكاتب يستطيع التعبير عما يجول بخاطره عبر أي منصة ويتواصل مع الآلاف دون أية قيود زمانية أو مكانية، بل أن بعض المناقشات الأدبية تتم عبر تقنية الزوم وغيرها من المنصات التي لا يلتزم فيها الحضور بمكان محدد يتطلب منه عناء الانتقال من محافظة لأخرى، وأنا فعلت الشيء نفسه وناقشت أكثر من عمل لي عبر الانترنت أيضاً.

 

ما التمييز الذي تعاني منه النساء في الوسط الأدبي؟

التمييز المستند للنوع الاجتماعي موجود في مختلف الأوساط تعاني منه النساء لكونه ينال من حقوقهن وفرصهن بدرجة كبيرة مهما بلغت من كفاءة وتفوق، فكونها امرأة هذا أمر يثقلها بالأعباء والصراعات التي تحيط بها وتوجه لها خاصة من قبل الذكور المنافسين في ذات المجال.

فعلى سبيل المثال نجد الجميع يعطي النساء تركيزه سواء لما تطرحه من أفكار أو ما مظهرها العام وحتى حالتها الاجتماعية جميعها أمور يهتم بها الآخر وربما يطرحها في الجلسات من حين لآخر بينما لا يشكل كل ذلك فارقاً للذكور، والوسط الأدبي لا يختلف كثيراً عن واقع المجتمع ككل لأنه من نفس البيئة والأفكار والتربية، ومهما حاول أفراده كسر ذلك بأحاديث للتنصل من الأمر ففي الواقع هم أسرى البيئة والتنشئة.

فالمرأة موصومة لأتفه الأسباب كسهرها في ندوة أو سفرها من مكان لآخر حتى حصولها على الجوائز في كثير من الأحيان نجد الإشارة إليه وكأنه لأسباب بعيدة عن كفاءتها أو إبداعها وجميعها أمور تحتاج لتدخل فعال لكونها تنتقص من حقوق النساء وتعرقل مسيرتهن ونجاحهن.

 

تنميط وقولبة وحرمان من الفرص وانتقاص من الحقوق... كيف ترين التعامل مع تلك الأزمات التي تعاني منها النساء خاصة في الوسط الأدبي الذي تنتمين له؟

للأسف النساء تهدر الكثير من طاقاتهن وهن تحاولن التعامل مع من يسعون للانتقاص منهن سواء بالتبرير أو الرد أو حتى السعي نحو التبرأة مما يتم طرحه خاصة إن كان متعلق بالوصم، وأرى أن عليهن التركيز فيما تقمن به من عمل.

أما عن الحلول فبعضها قصيرة المدى يتمثل في عدم الالتفات للآخر والتركيز على الذات بدلاً من التعمق في محاولات لن تكون مجدية على النحو المرغوب فيه خاصة إن كانت تتعلق بتصويب مفاهيم الآخر فهو أمر لا يجب أن تتحمل النساء مسؤوليته لأنه مجهد ومنهك إلى حد كبير.

وهناك حلول بعيدة المدى تتمثل في تحمل النساء مسؤوليتهن في تربية أجيال تحترم حقوق النساء وتقدر أعمالهن ومكانتهن التي تستحقنها كشريكات في هذا المجتمع، تقف على قدم المساواة فلها نفس الحقوق وعليها ذات الواجبات دون النظر لنوعها الاجتماعي.