جهيدة هوادف: الفن التشكيلي هو الاتجاه الوحيد للتعبير بحرية دون قيود وحواجز
استمدت إلهامها وشغفها من السلام والتسامح، وأبدعت في لوحاتها الفنية وقطع السيراميك والفخار من حنينها الذي لامسته من طين أراضيها، هويتها الثقافية وتمسكها بجذورها وأصولها العائلية
نجوى راهم
الجزائر ـ ، هو سبب كاف لتضع بصمتها الخاصة والشخصية في العديد من الأعمال التشكيلية.
تحدثت الفنانة الجزائرية جهيدة هوادف لوكالتنا عن أعمالها التشكيلية التي استطاعت من خلالها أن تبعث الكثير من الرسائل الإنسانية كالعدل والمساواة والحب والأمل.
تعرف أعمال جهيدة هوادف بعنصرين متلازمين الإبداع والجمال، وتقول عن مدى سهولة انتقالها من فن الرسم إلى مادة السيراميك والفخار، "درستُ في مدرسة الفنون الجميلة في الجزائر العاصمة في الثمانينات وخلال هذه الدورة التي استمرت لمدة 4 سنوات، تطرقنا إلى جميع أشكال التعبير الفني، ومن بين الأمور الأخرى الرسم والنحت باستخدام المواد الصلبة بالإضافة إلى مواد أخرى، وسمح لي باختيار اختصاص السيراميك".
وبينت أن السيراميك ليس شيء جديد بالنسبة لها "عملت بالسيراميك لسنوات طويلة، وفي نهاية دراستي كان يجب إنشاء ورشة عمل للسيراميك تفوق إمكانياتي، ولهذا كان علي أن أجد البديل للاستعانة بمصادر خارجية لورشة العمل الخاصة بي".
وأضافت "كان العمل على الأرض متعة حقيقية بالنسبة لي، وشعرت برغبة كبيرة في لمس الطين، كما أنه نوع من العلاج، وأردت حقاً رؤية السيراميك بشكل مختلف عما تعودنا عليه سابقاً، لقد قمت بتبسيطه والعمل عليه وإضفاء بصمتي الخاصة ولمساتي الشخصية، وبما أنني أمتلك ورشة عمل ووسائل، سأعمل على تطويرها بشكل أكبر".
وعما تبحث عنه في لوحاتها قالت "ما يهمني نقله من خلال عملي أولاً وقبل كل شيء الحب والسلام والرفاهية، فاتجاه الفن في الأساس هو مبادئ الإنسانية والعطاء، ويمكن للفن وحده أن يحمل هذا المسعى بسخاء لأنه الشكل الوحيد للتعبير بحرية دون قيود وحواجز من خلال الكشف والتعمق في روح الإنسان والأمل والألم، وهو أمر غير مفهوم ولا يمكن تفسيره، وفي الحقيقة أعمالي ولوحاتي هي تعبير فني متعلق بالمحيط الذي أعيش فيه والمجتمع الذي أنتمي إليه والسياق الجغرافي والعالمي".
وتحاول من خلال أعمالها توجيه العديد من الرسائل "أعمل كجميع الفنانين والفنانات لتسليط الضوء على مواضيع مهمة، فرسالتي ذات أولوية بنشر السلام والتسامح والحوار ومشاركة الخبرات، كما تحمل رسائلي أيضاً تنديداً بالظلم مهما كان شكله ونوعه وجنسه لأن الفنان حساس بطبعه، وغالباً ما تكون عواطفه في حالة من التوهج والتأهب بإطلاق مبادرات في التنديدات والمواقف والأزمات".
تميل جهيدة هوادف في الكثير من لوحاتها للمرأة، تقول عن التزامها بهذا الاتجاه، وتقييمها للفن التشكيلي النسائي في الجزائر "من الطبيعي جداً أن أمثل النساء في عملي فأنا امرأة، ولا أستطيع إلا أن أشعر بما تشعر به امرأة أخرى، وأرى أن عملي هو الدعم والسند الذي سيحمل مشاعرها وكلماتها واحتياجاتها وآمالها وأحلامها".
وأضافت "في الثمانينات عندما بدأت في هذا المسار الفني، كان عدد النساء اللواتي سبقنني إلى هذا المجال يعد على الأصابع أمثال باية محي الدين وعائشة حداد، لكن في وقتنا الحاضر الفن النسائي في الجزائر سجل تطوراً ملحوظاً، وأصبحت الفنانة التشكيلية أكثر ثقة ووعي في اختيارها، وتشارك تجاربها بإصرار وبمزيد من الحرية والتصميم، لكن يبقى الافتقار إلى الآلية والفرص يخاطر بإرهاق مواهبها، لذلك يجب عليها النضال لسنوات من أجل النهوض بالثقافة وتسييرها في المسار الصحيح".
وترى أن ما يميز الأعمال الفنية هي البصمة التي يمتلكها كل فنان دون آخر، والتي تتبعه طوال حياته المهنية، "شخصيتي كانت حاضرة في العديد من اللوحات لسنوات طويلة، رغم حدوث الكثير من التحولات من الظهور إلى الوجود، ومن الممكن أن تكون أعمالي هي مرآتي التي أرى فيها نفسي رغم مرور السنوات".
وأكدت أن عودتها لملامسة الطين له علاقة بجذور عائلتها بمنطقة نقاوس "العمل على الأرض هو وسيلة لإعادة اكتشاف الطفولة وإحياء الذاكرة، فنحن بحاجة إلى العثور على الماضي لإعادة كتابته بشكل أفضل، وأظن أنها طريقة صحية لإشباع الحنين إلى الماضي".
بعد معرض "نقاوسيات" و"قصبجيات" تحضر الفنانة التشكيلية جهيدة هوادف لمشروع جديد قالت إنها بدأت به منذ بداية الأزمة الصحية وانتشار فيروس كورونا، "مشروعي يركز بشكل أساسي على مشتقات فنية، لأن من وجهة نظري أنه الطريقة الأفضل لجعل الفن أكثر حضوراً في الحياة اليومية لعامة الناس، وهو وسيلة لتبني الفن وإعطاء رؤية جديدة تسمح للفنانين بالوجود ومواصلة العمل والإبداع".
وأضافت "سأقوم قريباً بإطلاق منتجات قمت بصنعها وتصميمها من صور أعمالي، متمثلة في قطع ديكور داخلية للمنازل وحقائب وأطقم ذات هوية جزائرية يمكن استخدامها من طرف أي شخص، والهدف من هذا العمل هو ضرورة الفخر والاعتزاز بما لدينا من تراث وهوية جزائرية متنوعة، يمكننا اخراجها في أعمال فنية من المحلية إلى العالمية".