حرية الكتابة الأدبية في الجزائر... بين المفهوم والممارسة
أثارت رواية "هوارية" للكاتبة إنعام بيوض جدلاً واسعاً بين مؤيدي حرية التعبير ودعاة المحافظة على القيم المجتمعية، معتبرين الرواية خرقاً للضوابط الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع الجزائري، ولا يمكن أن يدخل في إطار حرية الإبداع.
سارة جقريف
الجزائر ـ صدرت رواية "هوارية" للكاتبة الجزائرية إنعام بيوض في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وفازت بـ "جائزة آسيا جبار للرواية" في دورتها التاسعة.
في ظل الجدل القائم في الجزائر حول رواية "هوارية" للكاتبة والمترجمة إنعام بيوض، أنقسم الجزائريون إلى فئة من المؤيدين للكاتبة وداعمين لها، معتبرين ما جاء في الرواية من كلمات "نابية" يدخل في إطار الحرية الأدبية والإبداعية، وفئة من المعارضين رفضوا ما جاء في الرواية واعتبروها خرقاً للضوابط الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع الجزائري، ولا يمكن أن يدخل في إطار حرية الإبداع.
لا وجود لسلطة ضابطة في الكتابة الأدبية
تقول الروائية سارة محمد معريش، إن الحديث عن حرية المرأة في الكتابة والنشر، يأخذ جدليته من مفهوم الحرية أولاً "أعتقد أن الحرية بالنسبة للكاتب أو غيره هي أن يعرف ضوابطه، بمعنى ما هي الحدود التي يرسمها لنفسه، وبطبيعة الحال فإن الكاتب سواءً كان ذكراً أو أنثى يجب أن يكون له توجه، لأن الكتابة ما هي إلا ترجمة لحصيلة ما اطلع عليه الكاتب وبحث عنه وناقشه وبنى آراءه على أساسه، سواءً على الصعيد السياسي أو الفلسفي وغيرها".
ولفتت إلى أن هذه الترجمة يمكن أن يعتبرها الآخر اختراقاً لتوجهه ومفاهيمه والمنظومة التي نشأ فيها، وبالتالي ما يمكن قوله بالنسبة للمرأة الكاتبة، هي أنها التي تعرف كيف تضع حدودها وتصيغها وفقاً لما تلقته من منظومة أخلاقية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية مثل العائلة، المدرسة، وسائل الإعلام وغيرها، ثم صياغتها لذاتها بناء على ما تطالعه، ما درسته، توجهاتها وميولها. وفي النهاية تترجم حريتها وتوجهاتها في الشخوص التي ترسمها في أعمالها سواءً كانت رواية أو قصة.
وأكدت على أنه في المجال الأدبي بشكل خاص لا توجد سلطة ضابطة تفرض الضوابط الأخلاقية، فالأديب رجلاً كان أو امرأة يملك الحرية التامة في الكتابة "نجد أن المرأة تتحمل مسؤولية اجتماعية أكبر، لأن المجتمع يمارس ضغوطات عليها، وهنا يمكن أن نذكر نوعين من الضغوطات، التي قبل النشر وتتمثل في نظرة المجتمع الذي لا يحب ظهورها ويمارس تضييقاً خاصاً عليها وربما يخضعها لمساومات، وضغوطات بعد النشر، وتتمثل في عدم الاحتكام لسلطة النص فقط وإنما لشخصها أيضا".
وقالت سارة محمد معريش "يجب أن نفرق بين النقد الشخصي للكاتبة بصفتها امرأة وبين نقد النص، وما إذا كان النص يتحدث عنها كامرأة أو أنها تتعامل مع الظواهر والمواضيع وشخوص بعيدة عن متغير الذكر أو الأنثى".
الكاتبات تحملن الجسد الأنثوي طاقات خلاقة
وفي موضوع حرية الكتابة الأدبية قالت الدكتورة الناقدة سامية غشير، إن علاقة المرأة بالكتابة علاقة حميمية تشكل حالات وعي كبير لهذا تمارس حريتها في الكتابة انطلاقاً من الدور الوظيفي الذي تقوم به الكتابة بحيث تمكنها من تحقيق ذاتها في مجتمع تحكمه السلطة الذكورية "إنها تأسيس لكتابة أنثوية خالصة تتحدى سيطرة الرجل وجبروته، وتأكيد لحرية المرأة في ممارسة حقها في الكتابة والتعبير والتمايز".
وأوضحت أن اعتبار جسد الأنثى صالحاً للجنس والإنجاب جعل الكاتبات تحاولن تحميل الجسد الأنثوي طاقات خلاقة امتزجت بين الحضور الحسي الإباحي والفلسفي والرمزي، فتباين التعبير بلغة الجسد في الروايات بين الإغراء والإغواء، والبحث عن الوجود الفعلي الذي يضع المرأة المُبدعة في مقام المنافسة مع الرجل المبدع، كما تمظهر الحضور الرمزي الذي يُوحي برفض القهر الذي يمارس على جسد الأنثى وجسد الوطن.
واعتبرت أن اللغة أداة بارزة في التعبير عن الحمولات الدلالية، والفلسفية، والإيديولوجية التي يحملها الجسد؛ والذي يتحول إلى طاقة إبداعية خلاقة يُنتج ويُبدع أجمل الصور الشعرية الموحية، فالجسد لا يتوقف عند حدوده الجغرافية المتسمة بالهيف والروعة والتقاسيم المدهشة، بل يختزل في الكثير من الحالات وجود الإنسان، ويصور مختلف الانفعالات، والرؤى والتصورات، والبحث عن الوجود الفعلي في ظل الانتهاكات، والإكراهات ومشاعر الغُربة والقلق والعدم الّذي تُصيبه، كما يُحمل الجسد طاقة تفوق حضوره الفيزيولوجي والمادي ليصير الوطن الرمزي، والمدينة الّتي يسكن فيها الإنسان، وتربطه علاقة اتصال روحي مع وطنه والمحيط الخارجي.
الكاتبات الجزائريات خضن في الموضوعات الحساسة
وشرحت سامية غشير كيف تصور الكاتبات شواغل الذات الأنثوية وهواجسها، ومغامراتها في الحب ومحاولتها تحقيق حريتها وكينونتها من خلال تحرير الجسد وممارسة طقوس الجنس المختلفة "لجأت الكاتبات إلى اختراق تابوهات المجتمع وأعرافه وتناول المسكوت عنه بلغة غالباً ما تميل إلى الإباحية، حيث تبرز رواياتهن مشاهد كثيرة تبرز الجسد الأنثوي في حالة الإغراء والإغواء إضافةً إلى تحدي الرجل، وإبراز موقف المرأة المدين لنظرة الرجل القاصرة لجسد المرأة، كما تحفل الروايات بإيماءات وإيحاءات جنسية".
وترى أن المرأة اليوم أضحت تكتب بحرية كبيرة؛ قد تجاوزت الخطوط الحمراء في الكتابة من خلال الخوض في المحظور بجرأة كبيرة تفوق الكاتب الرجل، وتعرية المسكوت عنه (الجنسي، الديني السياسي)، بلغة إباحية فاضحة، توظّف ألفاظاً سُوقيّة نابية ينبذها القارئ الجزائري "هذا ما حدث مع رواية "هوارية" التي أحدثت ضجة كبيرة وسط المجتمع الجزائري، وقد تعدى النقاش والجدال إلى سب وشتم الكاتبة، ولجنة تحكيم مسابقة "آسيا جبار"، فهذه الرواية إضافةً إلى المقاطع الإباحية والصور الشهوانيّة ظهرت عليها الهنات اللّغوية ومواضع الخلل والضعف، ولغتها البسيطة، وحبكتها المألوفة، لكن ما يُعاب على الآراء المقدمة في مواقع التّواصل الاجتماعي افتقارها إلى الدّقة والموضوعيّة، فكانت أحكاماً ارتجاليّة من أشخاص غير متخصّصين، أخلطوا بين فنّ الرّواية والجانب الأخلاقيّ، وكان الأحرى بهم ترك النّقد لأهل الاختصاص".
وأشارت إلى أن الكاتبات الجزائريات خضن في الموضوعات الحساسة والحميمية، دون خوف من السلطات الدينية، أو الاجتماعية، أو السياسية "وجدنا قضايا الشذوذ، والاغتصاب حاضر بقوة، إضافة إلى نقد سلطة المجتمع، وإخفاق مَنظوماته المُختلفة، وفشل الأنظمة السياسية التي خيبت ظن الكثيرين، كما اتصف أسلوب الكثير من الكاتبات بالإباحية، والفضح، والنّقد اللاذع للمنظومات المُتعددة، إضافةً إلى السخرية في كثير من الأحيان.
وقالت "لاحظنا أن النظرة المُشتركة القائمة على تكفير الواقع ورفضه والتعبير عن خيبة الأمل في السياسة، والسلطة الذكورية التي كانت عدوة المرأة المُبدعة، والتي أَعاقت ظهورها، وعملها المبكر في حقل الكِتابة والإبداع، ومالت الكاتبات إلى إبراز علاقتهن الحميمة مع الجسد والإحساس بالنشوة في عرض مُغامراتهن العاطفية، والجنسية بصور شهوانية عارية كنوع من التحدّي للرجل وإزالة الأفكار الخاطئة البائسة عن كون المرأة تابعة لسلطة الرجل"، مؤكدةً أن هذا الوضع جعل العديد من الكاتبات تتعرضن إلى جملة من المضايقات والمتابعات والنقد اللاذع، وهذا ما ظهر في كتابات "أحلام مستغانمي"، "فضيلة الفاروق"، "مليكة مقدم"، "ربيعة جلطي" وغيرهن.