حركة الهلال الذهبي... تنمية مواهب الأطفال والحفاظ على تراث المدينة

تعوض حركة الهلال الذهبي عفرين في الشهباء بشمال وشرق سوريا حرمان الأطفال من طفولتهم، من خلال تكريس أوقاتهم في التنمية الثقافية والفنية لتحافظ في الآن ذاته على وجود الفن العفريني الأصيل وسط مساعي تركيا في إبادته بعد احتلال المدينة

روبارين بكر
الشهباء -
احتلت تركيا ومرتزقتها مدينة عفرين في هجمات بالأسلحة الثقيلة والمحرمة دولياً، براً وجواً في كانون الثاني/يناير، وبعد 58 يوماً من الهجمات والمجازر نجحت آلة الحرب التركية باحتلال المدينة وهُجر أهاليها نحو الشهباء وبدلاً من منازلهم التي يعيش فيها المرتزقة يسكنون الخيام. الأطفال حرموا من التعليم وساءت أوضاع المهجرين الاقتصادية بشكل كبير خاصة في ظل حصار النظام السوري لمقاطعة الشهباء وتقتصر المساعدات على الإدارة الذاتية، بينما تنأى المنظمات الإنسانية الدولية بنفسها عن تقديم أي مساعدة.
حركة الهلال الذهبي في الشهباء تساهم في الحفاظ على الارتباط الوثيق بين المرأة والأطفال وعلى هذا المبدأ افتتحت الحركة الكثير من التدريبات العملية على جوانبٍ مختلفة في الساحة الفنية والثقافية كالغناء، والمسرح والرقص الفلكلوري وشكلت فرقٍ خاصة بهم. 
ولا تقل هذه الدورات أهمية عن الجوانب الأخرى من المقاومة في مقاطعة الشهباء بعد التهجير القسري للأهالي، حيث أنها تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على الثقافة والفن الفلكلوري العفريني في الوقت الذي تمارس فيه تركيا سياسة الإبادة الثقافية والهوية الكردية في المدينة منذ احتلالها في آذار/مارس 2018. 
حول أهمية هذه التدريبات وفعالية الأطفال فيها حدثتنا الإدارية في حركة الهلال الذهبي لمقاطعة عفرين في الشهباء مزكين جولاق.
وقالت مزكين جولاق أن الهدف من التدريبات هو "الحرص على الاهتمام بالأطفال وتدريبهم بكونهم من سيمثلون المستقبل وباعتبارهم الضمان للحفاظ على الثقافة والتراث الفني وفي حال تدربوا بشكلٍ جيد سيساهمون في نقل تراث مدينتهم للمجتمع بكامله كذلك". 
وحول اختيار الأطفال لهذه المهمة بينت أن "الأطفال يتمتعون بذاكرة قوية وذكاء ويلتقطون الأفكار والمعلومات بسرعة بديهة، كما أنهم ذوو معنويات وقابلية للتمتع والإبداع بالحياة والفن، وعلى هذا الأساس نسير بتدريباتهم بشكلٍ دوري".  
ولا تقتصر التدريبات على الرقص إنما للتدريب الفكري أهمية في حركة الهلال الذهبي "نهتم أيضاً بالتدريب الفكري من خلال النقاشات والدروس التي تدور حول أهمية الحفاظ على الثقافة والفن الفلكلوري الأصيل والارتباط به، خاصةً بعد تهجيرنا قسراً من عفرين". 
وأضافت "نرى من خلال إحساس وأداء الأطفال أنهم بعيدون عن عفرين جغرافياً لكن مشاعرهم تعبر عن مدى تمسكهم بأرضهم، ولتبقى هذه المشاعر السامية في قلوب الأطفال نسعى من خلال هذه التدريبات الحفاظ عليها واستمرارها حتى مع بلوغهم بعيداً عنها".
وذكرت مزكين جولاق أن مركز الهلال الذهبي في المقاطعة شكل خمسة فرق خاصة للأطفال ثلاثة منها للغناء، وواحدة للرقص الفلكلوري وواحدة للمسرح، إلى جانب ذلك يشارك الأطفال مع الفرق الأخرى للهلال الذهبي منهم في العزف على الكمان وأخرى على آلة البزق ودورات للإيقاع.
وعن هذه الفرق قالت "لكل من هذه الفرق تدريبات خاصة، مرة في الأسبوع، وأحياناً مرتين حسب الحاجة، كما أن هؤلاء الأطفال وسط النزوح القسري بحاجة ماسة للدعم المعنوي بكونهم ومع الأسف يعيشون حياةً بعيدة عن واقع الطفولة ومحرمون من أبسط حقوقهم كاستنشاق الهواء في الحدائق والألعاب". 
وتعمل حركة الهلال الذهبي على ملء فراغ الأطفال بالنشاطات المفيدة "نعمل جاهدين لكسب أوقات الأطفال وتعويضهم عن هذا الحرمان بدعمهم ثقافياً وفنياً وتنمية مواهبهم، كما أن الأطفال يتحلون بالنشاط والطاقة ونلاحظ مدى رغبتهم في الاستمرار بهذه التدريبات والإبداع في الفن من خلالها، كما أن التغيرات الإيجابية التي طرأت على شخصياتهم تتضح يوماً بعد آخر".
وعن خططهم المستقبلية قالت "نعمل مع مركز الثقافة والفن لتنظيم مهرجان خاص بالأطفال خلال الشهران القادمان من هذا العام، وسيكون ذلك على مستوى المقاطعة ونعرض من خلاله مواهبهم كالذكاء في العمليات الحسابية السريعة، والإبداع في الأشغال اليدوية". مبينةً أن الهدف من المهرجان أن يكون دافعاً لتشجيع الأطفال من أجل تنمية مواهبهم.
وحول تأثير الحرب على الأطفال شددت على أنها "أثرت بشكلٍ مباشر على نفسية ومعنويات الأطفال والقصف التركي المستمر حتى هذه اللحظة على مقاطعة الشهباء وقرى ناحية شيراوا يؤثر أيضاً لذا من الضروري أن نكون اليد والقوة لجيل المستقبل وهذا النوع من النشاطات يساهم في ذلك".
وتأمل الإدارية في حركة الهلال الذهبي في عفرين مزكين جولاق في ختام حديثها دعم الأطفال وحمايتهم من تأثير الحروب "نأمل من جميع الأمهات ومنظمات حقوق الإنسان والطفل أن تدعم الأطفال وتحميهم من تأثيرات الحرب والسعي للحفاظ على مستقبلهم".  
وقالت الطفلة بيريتان جيجاكلي في فرقة المسرح بحركة الهلال الذهبي "سعيدة جداً بهذه التدريبات، ولقد شاركت في عرض مسرحيتان الأولى كانت حول الحفاظ على نظافة حينا ومدينتنا وأخرى عن الأشجار والآن نتدرب على مسرحية وقت الفراغ".
وأضافت "أشعر بالقوة والفخر أثناء عرضي للمسرحيات، كون لي دور فاعل في المجتمع وأقدم ما يفيد ويمتع الحاضرين وهذا أيضاً يشعرني بالسعادة، فالتدريبات تساعدني لتنمية مهارتي".
وقال الطفل يوسف سيف حسو المشارك أيضاً في الفرقة المسرحية "اعتبر مركز الهلال الذهبي منزلي الثاني وأشعر بالراحة والسعادة فيه، شاركت في عرضٍ مسرحي من قبل والآن اتدرب على الثاني"، وأضاف "المجال المسرحي واسع وفيه الكثير من التغيرات".
في حين قالت الطفلتان فاطمة حمو وآلداف سيدو وهما عضوتان في فرقة الغناء للشهيدة روهيندا أن فرقة الهلال الذهبي ساهمت في تدريب صوتيهما، وتقدمان الأغاني الفلكلورية والوطنية.
تجدر الإشارة إلى أن حركة الهلال الذهبي افتتحت مركزها في مقاطعة الشهباء بعد التهجير القسري مباشرةً، وسعت من خلال العروض الفنية والأسابيع الثقافية الترويح عن الأهالي والأطفال بعدما عاشوه في قصف همجي.