هبة قطيش: الجرأة ومزج الواقع بالخيال فن أوظفه في الأدب الروائي
العديد من الروائيين يوظفون رواياتهم للتعريف بقضايا مجتمعاتهم وثقافاتها وعاداتها وإرثها المعرفي واللغوي كما استخدمت لتعزيز الجانب الإنساني والخيال الإبداعي لدى القارئ.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ تسعى الكاتبة اللبنانية هبة قطيش من خلال الأدب الروائي أن تصل إلى منابع الألم في مجتمعها فاستخدمت أسلوبها وجرأتها لنقل معاناته ومواجهة التقاليد والأعراف المجتمعية البالية التي وضعت على رقبة المرأة لتهدد حياتها إذا لم تخنع لقرارات وأحكام العائلة والمجتمع.
استدرجت الكاتبة هبة قطيش القُراء من خلال مواضيعها المجتمعية والإنسانية التي سطرتها في روايتان، لمواجهة الأعراف والتقاليد والمسلمات التي أثقلت كاهل المجتمعات عموماً والمرأة خصوصاً، وحول ذلك قالت "الكتابة حلم راودني منذ الصغر فالأدب المكتوب لا يموت عندما يفنى الجسد والاسم والذات تؤرخهما الرواية، على عكس اختصاصي في المحاسبة الذي اعتبره مجرد مجال لتوفير دخل يومي احصل بموجبه على الطعام والشراب واللباس، فمن خلال الرواية أبرزت الإبداع بمزج الموهبة مع الاحترافية"، مضيفةً "لمس والدي لدي حب الكتابة وشغفها على الرغم من رفضه لفكرة الكتابة، إلا أنه وجهني لكتابة أدب المدارس والأدب المحافظ للحكمة والعبرة، والأديبة اللبنانية والناشطة النسوية إميلي نصر الله إحدى أبرز النسويات اللواتي اقتديت بهن واكتسبت منها الجرأة فثُرت على العادات والتقاليد البالية ومزجتها مع الواقع والخيال فنتجت رواية (الداشرة)".
وترى أن الأدب يعني الإبداع والتألق والتميز وخلق التساؤل لدى القارئ "الأدب الشرقي يكرر نفسه بذات الأفكار والوصف والمخزون الثقافي، والدليل على ذلك أن الشرقيين أصبحوا متخصصين ومتعمقين في أدب السجون والمعتقلات والمقاومة والأحزاب والسياسة والفوضى أي السوداوية والسير الذاتية والتأريخ، وفقدنا في هذا الطريق عنصر الخيال والدهشة والوصف الذي ينقل القارئ إلى عالم أخر حيث أن معظم أبطالنا ميدانهم الحرب والعنف حتى أن موضوع الحب بات يفتقر للجرأة والدهشة التي تشد القارئ لمتابعة قراءة الكتاب".
وعن دور الأدب في نصرة قضايا المرأة قالت "تُوجه إليّ الكثير من الأسئلة منها هل تحملين على كاهلك البحث عن حل لقضايا النسوية؟ أو هل لديكّ الرغبة في تحرير المرأة من قيود المجتمع التي ما زالت تكبلها؟ بالتأكيد أفعل ذلك فكوني امرأة أجاهد من أجل إثبات ذاتي، فالمرأة عنصر مهم في رواياتي فهي دائماً البطلة فيها والأثر الجميل الذي أراه بين سطورها، ففي رواية (الداشرة) وصفت كيف تعرضت عدد من الفتيات للظلم ووصمن بالعار هن وعوائلهن، اخترقت من خلالها تابوهات مجتمعية كثيرة، كما تعرضت للوم بسبب اختيار هذا الاسم، إلا أنني أجد أن اتجاهي للأدب الإنساني هو الهدف الأسمى لكتاباتي، فنحن نعيش في القرن الواحد والعشرين ولا زالت المرأة تتعرض للظلم والتهميش، وكان لابد من التطرق إلى معاناة المرأة والطفل بسبب الصراعات الناجمة عن العلاقات الإنسانية كما ذكرت في رواية (ت مفتوحة)، فهناك النمطية الشرقية التي تعيد الرجل بغض النظر عن مستوى ثقافته إلى البدائية خاصة عندما يستشرس من خلال تعنيف شريكته واستخدام الأطفال كسلاح ضدها لإجبارها على الخنوع، ضارباً بعرض الحائط الحقوق والقوانين والأخلاق".
وأكدت أنه "يجب علينا احتواء بناتنا وتوعية أبنائنا مهما كانت توجهاتهم ومحاولة حل المشاكل التي تعترضنا ضمن إطار الأسرة، وذكرت ذلك في أحد مقاطع رواية "ت مفتوحة" في مواجهة فرض الحجاب من قبل رجال الدين، وفي مثال أخر أكدت على أنه لا يجب أن يكون هناك سلطة دينية مثل داعش على حياة الناس ومشاعرهم وملبسهم وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، فضلاً عن ازدواجية المعايير لدى المجتمع بمقاربة القضايا بين الجنسين، ومن جهة ثانية يتم استخدام الدين لاضطهاد الشعوب وتفرقة مكونات المجتمع وتشتيت العوائل من خلال اضطهاد النساء".
وعن كونها كاتبة لبنانية أكدت أن رواياتها لم تقتصر على المجتمعات في بلادها فقط "بل انتقلت إلى بلدان وأديان ومجتمعات وبيئات أخرى، والأبطال متعددي الجنسيات لكل منهم قصة وقضية وصوت وسيكولوجية فمثلاً المرأة القبطية في مصر تتعرض للختان وتداعياته على شخصيتها ونفسيتها ومشاعرها إنه أمر يمس المرأة وحدها، فلم أقم بمقاربة الختان من مفهوم العنف ضد المرأة بل من مفهوم التسلط والتقييد وتكبيلها بالأصفاد وكبح جماح الأنوثة لديها واعتبارها أداة للإنجاب فقط، وكذلك البطلة اليهودية وفكرة التفوق على البشر والفوقية التي ترسخها ثقافتها وما لقنه مجتمعها لها إلا أنها استسلمت للحب الذي ألغى هذه الفوارق بين البشر، وهو حال البطلة السورية التي تخضع للمذهب الصوفي المتمثل بالفكر الداعشي الذي يحاول أخيها فرضه عليها، فضلاً عن التطرق إلى قضايا عديدة منها الحجاب والاستغلال الجنسي للأطفال والسادوـ ماشوسية وغيرها".
وأكدت أن النساء وخصوصاً القاصرات لا زلن تتعرضن للختان والرجم "قد لا يكون بالمعنى الحرفي للكلمة فالرجم يمكن أن يكون لفظياً".
وعن رواية (ت مفتوحة) قالت إنها تغريد خارج السرب والنمطية المتعارف عليها في المجتمعات التقليدية "كتبت على غلافها فأنا حتى يومي هذا أستبدل الكلمات التي تنتهي بتاء مربوطة بأخرى مفتوحة، لأن الأخيرة نقيضة الأولى التي ترمز للنسوية الأدبية المغلقة، ففي هذه الرواية نرى الاضطهاد الذي يعانيه الطفل ووالدته على يد زوجها، فالاضطهاد يمثل فظيعة أزلية عبر العصور، فدائماً هناك الحروب والتجويع والإبادات الجماعية بهدف فرض السيطرة، ولذلك تطرقت في الرواية لبعض هذه الأمور وكذلك الاضطهاد الجنسي والاضطهاد النسوي، بهدف نبش هذه القضايا والتنقيب عن آثارها النفسية على المجتمعات، عندما نقول إن مجتمعنا برمته يتعرض للإبادة، فكيف ستؤثر هذه الإبادة عليه وعلى الأجيال القادمة؟ وكم ستكون هناك نقمة على العالم أجمع؟ وكيف ستفتح الباب لحدوث إبادات أخرى".
وأوضحت أن الجرأة من فنون الأدب "الأهم بالنسبة للمجتمع ألا يتم التطرق لموضوع الجنس وخاصة من قبل المرأة، إلا أنني كتبت في نص (ت مفتوحة) على لسان المتصوفة سلاف أن "الرب هو رعشة الجنس الأبدية" فهذه الروحانية المتمثلة بهذه الشخصية تجعلها تنطق بهذا الأمر، والقُراء نسوا كل ما ورد في الرواية وتذكروا هذه الجملة، وفي أحد المنتديات كان هناك اجماع وهجوم عليّ بسببها، فالأدب إما نقل الواقع كما هو وإما التحلي بالجرأة وخلق التساؤل والدهشة والصدمة لدى القارئ، وفي مجتمعاتنا نلاحظ أنه إذا كان الكاتب رجل فإن أي موضوع يتطرق له أو بحثَ فيه لا يُرجم بل تقدم له عبارات الاستحسان على ما قدمه وطرحه، أما في حال تطرقت المرأة للجنس هنا تبدأ التساؤلات، كيف كان بمقدورها التحدث عن الجنس؟ وعن فلسفة الدين وما إذا كان الدين يمثل القمع أم لا، وإذا تطرقت للطلاق فإنها تُسأل هل تناصرين أو ترغبين بالطلاق؟ فدائماً نرى زيادة شديدة في التمعن بكلام المرأة أو الكاتبة عندما تحمل القلم وتريد كتابة موضوع معين، دائماً نجد أصابع الاتهام موجهة لها، أنت هكذا في حياتك؟ أنت تعانين من هذه الأمور؟ وعندما تتطرق المرأة للجرأة فكأن هذا يعني كسرها لكل قيود الحياء، لذلك أؤكد لهؤلاء القراء أن الجرأة هي من فنون كتابة الرواية".
وتتساءل "ما هو السبب الذي يمنع أن يتحلى الأدب الشرقي بالجرأة أسوة بالأدب والفن العالمي، فقد هوجمت عندما تعمقت بتفاصيل التحرش بطفل، بحجة أنني خلقت النفور، إنما الهدف هو التوعية حول هذه القضية المتفشية في مجتمعاتنا وعرضها بأبشع صورة لمكافحتها وليس الدفاع عن المتحرش كما يحصل في كثير من الأحيان، ونرى ذلك جلياً عند تعرض النساء المطلقات للتحرش كما يتم مهاجمتهن أيضاً، يجب التمييز بين التحرش والاغتصاب وممارسة الحب التوافقي، لدرجة أن بعض المثقفين يتجهون للقول بأن المرأة تُغتصب بإرادتها، لذلك أسعى بكل كلمة أكتبها إلى نقل واقع المضطهدين والمنسيين".
وعن تأثرها بكاتبات نسويات أوضحت "تأثرت بالأديبة إميلي نصرالله من خلال رواياتها "طيور أيلول" و"شجرة الدفلة" وكذلك الكاتبة اللبنانية ليلى بعلبكي التي تمت مقاضاتها عن كتابها "أنا أحيا"، في محاولة لكبح جرأتها في مقاربتها للمواضيع الجنسية، واتهمت بأنها تحاول الوصول للنجومية عبر هذا المنحى، فالجنس عندما يتطرق له الرجل فإنه مباح لكن المرأة تحارب بسببه، كما تأثرت كثيراً بالكاتبة والناقدة اللبنانية علوية صبح وجرأتها في التطرق لمواضيع تتصف بالجدلية والتابوهات، وعلى الرغم من الانتقادات التي تلقيتها على رواياتي سواء السلبية أو الإيجابية فهي إضافة رسخت لديّ معنى وجدانياً عميقاً وبعداً فلسفياً أكبر".
وفي ختام حديثها أكدت هبة قطيش أنها في صدد كتابة رواية ثالثة "أعتقد أنها ستخلق الصدمة لدى القُراء فهي تتناول معاناة النفس البشرية عامة إثر مفارقة شخص عزيز للحياة، وأحاول مقاربة السوداوية التي يعيشها بعض الأشخاص بسبب العديد من الأمراض التي تدمرهم وتدفع بهم للعيش في عالم مظلم كالكآبة، ومن المتوقع خلال العام القادم إصدار كتاب حواري ونقدي في الأدب الروائي، بمعنى أن كتاباتي ستتخطى المسار النسوي مع كامل الفخر بدخولي عالم النسوية وحمل قضاياه على عاتقي والتطرق إلى الناحية السيكولوجية للمرأة ظاهرياً وباطنياً".