بالفن يمكن كسر النمطية والعادات والتقاليد

تحدت هبة حميد ذهنية المجتمع الذكوري والسلطوي، وأظهرت أبداعها بالفلكلور العربي خاصة الغناء، وتصف صمودها على أنه مصدر قوة للكثير من الشابات أمثالها.

فيدان عبد الله

الشهباء ـ دفنت الذهنية السلطوية والعشائرية مواهب وإبداعات النساء والفتيات تحت مسمى العيب والحرام، فكانت السبب في تغييبهن عن كثير من المجالات والساحات.

هبة حميد من أهالي قرية رسم العلم الواقعة جنوب غرب مدينة الباب في حلب، تبلغ من العمر 18 عاماً، كغيرها من الشابات لم تتمكن من إكمال تعليمها نظراً لما تتعرض له البلاد من أزمات، واضطرت عائلتها للنزوح من مكان لآخر بحثاً عن الأمان والسلام، في نهاية المطاف استقرت في قرية حليصة بمقاطعة الشهباء في شمال وشرق سوريا، بعد أن تم تحريرها على يد وحدات حماية الشعب والمرأة عام 2018.

بدأت رحلة الشابة هبة حميد بعد عام من استقرارها في مزارع حليصة، عندما دخلت مجال الثقافة والفن عن طريق المؤسسات المدنية في تلك المنطقة، وفي هذا الإطار تقول "في البداية لم أكن أعرف شيئاً عن هذا المجال، سوى أنني كنت أسمع الأغاني الفلكلورية وأرددها في نفسي، وشعرت أن هذا لا يكفي لذلك قررت أن أطور من موهبتي في مجال الغناء، ولم يكن اتخاذ هذا القرار حينها سهلاً، حيث أنني عندما فكرت أن أسلك هذا الطريق أيضاً كنت أعلم حق المعرفة أن المجتمع الذي أعيشه فيه لا يتقبل فكرة أن المرأة تغني وتقف أمام الكثير من الجماهير وأنها ستقصد أماكن بعيدة عن منزلها بحسب ما تقتضيه هذه المهنة، لكنني اعتبرت أن قرار الانضمام لحركة الثقافة والفن خطوة مهمة لبناء مستقبلي دون النظر إلى المجتمع الذي يعطي وزناً لعاداته على حساب المرأة ورغباتها".

لم تنكر أنها عانت كثيراً في البداية، فقد كانت تتردد العديد من الجمل على مسامعها منها "إن هذا العمل مشين لا يمكن لامرأة أن تقوم به، كيف تخرج أمام الناس لتغني، صورها وهي تغني منتشرة على القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي"، والكثير من العبارات التي ترمي للنيل من عزيمتها.

وشددت على أن إصرارها كان أقوى من تلك العبارات التي أطلقت بحقها، لأن ذلك كان نابعاً من حبها وشغفها بالغناء، وتمكنت شيئاً فشيئاً من فرض شخصيتها وكسر حاجز الخوف وتجاوز العراقيل التي تعترض طريقها.

ونوهت أن مركز الثقافة والفن ساعدها كثيراً حيث أخضعها لكثير من التدريبات بهدف تطوير طبقات صوتها، حيث تتلقى هناك تجارب الصوت بشكلٍ شبه يومي مع 3 شابات هن أيضاً من المكون العربي.

وعن أول مشاركة لها في الفعاليات الثقافية والفنية في المنطقة على خشبة المسرح، وصفت المشهد بالقول "كانت الفرقة حينها جماعية تضم 25 شخصاً تقريباً، كانت بداية مشجعة بالنسبة لي، على الرغم من الخوف والتردد الذي انتابني إلا أن المشاركة الجماعية كانت كفيلة بإخراجي من هذا الشعور".

وأضافت أن هذه المشاركة أكسبتها الشجاعة للوقوف أمام الجماهير مرة أخرى والإبداع في مجالها وتقديم الأفضل، كما دفعتها لمتابعة المزيد من التدريبات والمشاركة في جميع الفعاليات والنشاطات التي تقام بالمقاطعة سواءً لوحدها أو مع الفرق الغنائية التابعة لمركز الثقافة والفن.

وأكدت أنه من خلال التدريبات المتواصلة والمهمة التي حملتها على عاتقها في الحفاظ على الثقافة والفن الأصيل، استطاعت مع اثنتين من رفيقاتها تشكيل فرقة غنائية خاصة لهن تضم العديد من النساء، تهدف الفرقة إلى إبراز دور المرأة من خلال هذا المجال في الحفاظ على التراث، منوهةً إلى أن الفرقة شاركت في الكثير من المهرجانات والمناسبات الوطنية منها مهرجان آمارا بموسمه الثاني والثالث الذي شارك فيه العديد من الفرق من عفرين والشهباء.

وقالت إنها بعد أن طورت ذاتها من الجانب العملي والفكري في الغناء وأخذ دورها في لجنة الثقافة والفن بمجلس ناحية فافين في الشهباء، قررت أن تدرب الأطفال واستطاعت أن تجمع 25 عضواً تتراوح أعمارهم بين الـ 9 و14 عاماً وتدريبهم ومساعدتهم على حفظ الأغاني التراثية.

وأكدت أن التدريبات المكثفة التي يقومون بها تهدف بالدرجة الأولى للحفاظ على نوع الأغاني التي اعتاد أهالي مقاطعة الشهباء على سماعها، وبذلك يحافظون على التراث والأغاني الفلكلورية الخاصة بالمكون العربي والشهباوي على وجه الخصوص.

وفي ختام حديثها وجهت هبة حميد رسالة لكل امرأة تتعرض للضغوطات والعوائق في مجتمعها بأن تكون قوية حتى تستطيع الوصول إلى حقوقها وفعل ما تراه مناسباً لذاتها وغيرها، ودحض جميع عوائق المجتمع التي تعترض طريقها لإظهار مواهبها وإبداعاتها المختلفة والمميزة.