فتيات غزة تحيين فن الفسيفساء وتبرزن دور المرأة في الحفاظ على التراث

تعمل الفتيات في قطاع غزة على إحياء فن الفسيفساء القديم بأسلوب عصري يحاكي الواقع الفلسطيني ويبرز دور المرأة في الحفاظ على الموروث الثقافي.

نغم كراجة

غزة ـ داخل قاعة مليئة باللوحات ووسط كومة من الحجارة متعددة الأحجام والألوان، تعمل مجموعة من الفتيات على تجميع قطع الخزف الملونة المتناغمة حسب الصورة المماثلة عبر مسودة التصميم بدقة واحترافية؛ لتصنعن لوحات الفسيفساء التي تحمل مدلول معين.

تعد الفسيفساء من الفنون العريقة التي وُجدت منذ القدم، وتقوم على آلية الزخرفة بواسطة قطع صغيرة جداً ومرصوصة مع بعضها لتشكل لوحة متناسقة ومتناغمة، ويمكن أن تستخدم الفنانات في الفسيفساء عدة مواد منها الحجر والمعادن والزجاج وغيرها.

وتقف أمل المغربي أمام القطع الخزفية الملونة وتختار لون القطعة المناسبة لاستكمال باقي أجزاء اللوحة وتحرص على تركيبها وتنسيقها بدقة وعناية، وعن ذلك تقول "فن الفسيفساء فريد جداً في بلادنا ويحمل في مضمونه مدلولات عديدة تبرز مصطلحات وقضايا مجتمعية، إذ يعتبر إحدى الفنون الأثرية والتراثية النادرة".

وتستغرق صناعة لوحة الفسيفساء وقتاً طويلاً أي حوالي شهر ونصف، وحول ذلك لفتت إلى أن "المدة المتفق عليها لإنجاز اللوحات ستنتهي في آخر تموز، وفي حقيقة الأمر نحتاج لمزيد من الوقت حيث يبلغ طول اللوحة الواحدة ثلاث أمتار على الأقل، لذلك نعمل ستة ساعات في اليوم لإنجاز الأعمال الفنية استعداداً للمعرض الكبير الذي سيعقد في كانون الثاني القادم".

 

 

وحول طبيعة العمل، أوضحت لمى العقاد أنه "نقوم بإحضار بقايا الكراميكا المحطمة ونعمل على إعادة تدويرها إلى حجارة صغيرة وتقطيعها باستخدام قطاعة حديدية إلى مكعبات صغيرة، ومن ثم نستخدم الغراء اللاصق لرصها وإنتاج لوحة تجسد موضوع معين كالحرية وقضية المرأة والطفل"، مشيرةً إلى أنه لأول مرة في قطاع غزة يتم تنفيذ الفسيفساء على لوحات كبيرة.

وعن الصعوبات التي تواجهها خلال إعداد اللوحة، تقول إنه هناك أنواع من الحجارة لا يمكن تقطيعها لصلابتها وتحتاج قوة ووقت طويل لتكسيرها مما تضطر لاستعمال وسائل أخرى لحل المشكلة كاستخدام الإسمنت وقد تؤدي هذه البدائل إلى تضرر العين، كذلك يتطلب العمل الدقة العالية بحيث تخرج القطعة متناسبة في الطول والعرض وتتناسق مع باقي القطع.

 

 

وتجد سميحة النفار أن هذه التجربة ثرية وشيقة خاصة أنها التجربة الأولى لها، وعن ذلك تقول "أهوى الفنون التشكيلية ورسمت الكثير من اللوحات الفنية وأردت أن أخوض غمار فن الفسيفساء لكني لا أمتلك معلومات كثيرة عنه ورأيت أن الأمر يلزمه تركيز ورؤية بصرية دقيقة، كما نقوم قبل أن نرص الحجارة اختيار مجسم له مدلول ومن ثم نقوم بالعمل على بناءه".

ولفتت إلى أنهن صنعن لوحة كبيرة تجسد امرأة ترتدي الزي الفلسطيني المطرز لإبراز دور المرأة في الحفاظ على التراث والثقافة، وأخرى لامرأة تضع إكليل الورود على رأسها حالمة بالحرية ومجتمع آمن، مضيفةً "لا زلنا مستمرات في صناعة لوحات جديدة تحمل دلالات ورموز تعبر عن قضايا المجتمع".

وبلغ عدد حبات الفسيفساء المستخدمة في لوحة المرأة الفلسطينية بالزي الشعبي التقليدي حوالي 16900 حبة من خامة الخزف والسيراميك.

 

 

من جانبها تقول ندى الهباش إن القضايا المجتمعية والإنسانية خاصة قضايا المرأة أصبحت تبرز من خلال الفنون التشكيلية وفن الفسيفساء على وجه الخصوص حيث أصبح الأشخاص يبحثون عن وسائل غير تقليدية لتتضح لهم الصورة الحقيقية "الفسيفساء ليست مجرد حجارة وألوان بل هي أدوات ناطقة في اللوحة وتستطيع إيصال الرسالة المطلوبة بشكل مباشر وبطريقة سلسة وتعطي الرائي مشاعر الصورة كما هي على أرض الواقع".

بدورها أوضحت مديرة مركز بناة الغد آمال خضير أنه "نحاول في المركز إكساب الفتيات مهارات وخبرات جديدة بحيث تستثمرن أوقاتهن وتصبحن قادرات على فتح مشاريع صغيرة لها علاقة بالفنون في المستقبل القريب، ونفذنا دورة تدريبية عن فن صناعة الفسيفساء كونه إحدى الفنون القديمة والمطلوبة في يومنا الراهن.

وأضافت "وجدت الفسيفساء في بلادنا منذ مئات السنين ونحاول بقدر الإمكان الحفاظ على موروثنا الثقافي من خلال تدريب الفئات المستهدفة على الفن التشكيلي والتركيبي؛ لنثبت للعالم أن قضيتنا متجذرة في أرضنا وثقافتنا".

وأشارت إلى أنها "ركزت في التدريب على عدة قضايا مجتمعية وأبرزت دور المرأة في دعم النضال منذ بداية الاحتلال واغتصابه الأرض، فالنساء لهن دور أساسي في الحفاظ على الثقافة وإبراز القضايا المختلفة، ومن خلال تجسيدنا لصورة المرأة بمشاركة 17 فتاة أثبتنا أنها لها دور في كافة مجالات الحياة وترسيخ هذا المبدأ في عقول الأجيال القادمة".