فرق الرقص الفلكلوري... تحكي حياة مدينة جمعت بين مختلف الثقافات السورية

تشكيلة إبداعية وفنية جميلة تصورها فرق في الرقص الفلكلوري في شمال وشرق سوريا، لمختلف ثقافات مكونات المنطقة، لتتحول تلك الحركات المُتناسقة المدروسة أحياناً والعفوية التّلقائية في أحيان أخرى إلى جزء لا يتجزأ من أدوات نقل الثّقافة

سيلفا الإبراهيم 
منبج ـ .      
منبج في شمال وشرق سوريا حالة متفردة تجمع مختلف مكونات مناطق شمال وشرق سوريا، من عرب وكرد وشركس وتركمان، اصبحت اليوم حالة متفردة خاصة بعد تحريرها من داعش في 15 آب/أغسطس عام 2016 من قبل مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية. 
بعد تحرير المدينة تأسس مركز الثقافة والفن في العام نفسه، وخلال خمس سنوات استطاعت فرق الرقص الفلكلوري إحياء ثقافات كانت على وشك الاندثار فمثلت جميع المكونات، ونقلت لأجيال اليوم ثقافة كل مكون. 
 
فرقة الشهيدة آرين ميركان...تميز يحمل بين طياته العراقة 
 
 
تأسست فرقة "الشهيدة آرين ميركان" للرقص الفلكلوري الكردي في عام 2017، لتنقل ثقافة هذا الشعب لأجيال اليوم خاصة أن الكُرد لطالما حرموا من ثقافتهم في ظل النظام السوري، وهذا ما أكدت عليه مدربة الفرقة في مركز الثقافة والفن اليسار بركل "قبل تحرير مدينة منبج لم يكن لأي مكون حريته أو حقه في ممارسة ثقافته، نتيجة القمع والاضطهاد من قبل النظام السوري، وجاء داعش ليخنق أهالي المدينة أكثر، إلا أنه بعد تحريرها تأسست الفرق وبدأت المكونات بإبراز ثقافاتها وفنها". 
وأضافت "منبج تتميز بتنوع ثقافات سكانها، فكل مكون يُعرف بثقافته الغنية والعريقة"، وأضافت "الهدف من الفرق الفنية منح كل ثقافة مساحة للتعبير عن نفسها وإيصال تراثها إلى العالم".   
وأشارت اليسار بركل إلى التآخي بين شعوب مدينة منبج "في الفعاليات تقدم كل فرقة عرضها وتشكل مع الفرق الأخرى فسيفساء فنية، تعكس التنوع الذي يميز المدينة". 
وحول العروض التي قدمتها فرقة آرين ميركان قالت "شاركت في العديد من الفعاليات أهمها مهرجان كوباني في عام 2018، ومهرجان المرأة الشابة في حزيران الماضي، والآن تستعد للمشاركة في احتفالية ذكرى تحرير منبج بتقديم عروض جديدة".   
تتكون الفرقة من تسع متدربات، تتراوح أعمارهنَّ بين (15 ـ 17) عاماً. وعن أهمية مشاركة النساء في الفنون الشعبية قالت "الذهنية الذكورية السلطوية تؤثر على انضمام الشابات للفرق الفنية، لطالما كان ينظر إلى مشاركتهنَّ في الرقص على أنه شيء معيب، لكن مع تطور وازدياد المشاركات في الفعاليات، وزياراتنا المستمرة للعوائل، بدأت تلك النظرة في التغير، إذ بات الجميع ينبهر بالعروض والتميز، وهذا ما جعلهم يتحمسون لإرسال بناتهم للتدرب على الرقص الفلكلوري". 
وأكدت اليسار بركل على ضرورة الحفاظ على التراث والثقافة لحماية وجود المجتمعات والحضارات "حماية الثقافة مهمة ومسؤولية تقع على عاتقنا. لم نكتفي بما وصلنا إليه، نحن نسعى دوماً لتطوير الفرقة ونطمح بتشكيل فرق أخرى تتضمن جميع الفئات العمرية".  
 
الرقصة الشركسية وقصتها
تأسست الجمعية الشركسية في 14 آب/أغسطس 2017 تزامناً مع الذكرى الأولى لتحرير مدينة منبج، وتأسست أول فرقة عقب افتتاح الجمعية بمدة قصيرة، اليوم يبلغ عدد أعضاءها 14 راقص/ة، تتراوح أعمارهم بين (10 -16) عاماً.
 
 
قالت النائبة في الجمعية الشركسية بمدينة منبج تالين ضياء الدين "عند افتتاح الجمعية الشركسية كان الرقص من أولوياتنا طبعاً بعد تعليم اللغة الشركسية"، وأضافت "المكون الشركسي ليس له إلمام بثقافته وهويته، فمعرفته بعاداته وتقاليده وفولكلوره كانت محصورةً بالحفلات".
وعلى الرغم من اندماج الشركس مع مختلف الثقافات في سوريا إلا أنهم حافظوا على هوية متميزة واحتفظوا كذلك بلغتهم الأديغية وتراثهم وعاداتهم. 
ويدل الرّقص بالنسبة للشركس على فروسية وشجاعة الرجل، ومكانة المرأة العالية، ولكل رقصة قصة "الثقافة رقصة تدل على بداية التعارف بين الشاب والفتاة، والشّيشان هي التي يبرز فيها الفرسان أنفسهم، والوج هي انتهاء مرحلة التّعارف".
لم يحرم الشركس من ممارسة طقوسهم في زمن سيطرة النظام على منبج إلا أنهم لم يتلقوا أي دعم أيضاً أو اهتمام، "كان لدينا فرقة خاصة للرقص ولكنها لم تكن نشطة، فلم يكن هنالك احتفاليات ومهرجانات تفتح لنا باب المشاركة، فمشاركاتنا اقتصرت على مهرجانات حلب"، وأضافت "توفر الإدارة المدنية الدّيمقراطية في منبج وريفها الدّعم للجمعية لتنشيط الفرقة والمشاركة في كافة النشاطات". 
قدر عدد الشركس في سوريا قبل اندلاع الحرب عام 2011 بنحو 150 ألف نسمة، لكن عددهم اليوم أصبح أقل، تقول تالين ضياء الدين أن العديد من الصعوبات تواجههم بسبب قلة عدد الشركس ""الفئة الشابة قليلة، فعدد الأسر الشركسية لا يتجاوز الـ 150 عائلة، وأكثر الفئات المشاركة في الفرقة من الأطفال، لذا لم نستطع تشكيل فرقة خاصة بالشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 16 و20 عاماً". 
أما عن مشاريعهم للفترة المقبلة قالت إنهم يستعدون للمشاركة بفعالية 15 آب/أغسطس الذي يصادف الذكرى الخامسة لتحرير مدينة منبج من مرتزقة داعش. إلى جانب فرق الرقص الفلكلوري للمكونات الأخرى.
 
فرقة الشهيد بوطان التّركمانية
تأسست فرقة "الشهيد بوطان" للمكون التّركماني في عام 2018، تضم اليوم نحو 10 شابات مع العلم أن العدد في تزايد مستمر.  
هذا العام شاركت الفرقة في مهرجان فن وأدب المرأة الثَّالث الذي أقيم في 20 شباط/فبراير، وفي احتفالية اليوم العالمي للمرأة 8 آذار/مارس، وكذلك في احتفالية عيد النوروز، والعديد من الفعاليات التي أقيمت في منبج.
 
 
قالت سيدرا دامرجي المدربة للفرقة التركمانية، أن عدد المنضمين كان قليلاً عند بداية تأسيس الفرقة "أثر الخوف من داعش على انضمام الشباب والشابات للفرقة وكذلك عادات وتقاليد المجتمع والتشديد خاصة على الفتيات"، وأضافت "مع مرور الوقت تغير هذا الواقع، بفضل نشاطات مركز الثّقافة والفن وزيارته للعوائل والمدارس، فهدفنا كان حثهم على الحفاظ على هويتهم، وهو ما حققناه اليوم فالفرقة تشهد إقبالاً كبيراً".  
وبدأت سيدرا دامرجي بتدريب الفرقة هذا العام، "تعلمتُ الرقصات الشعبية في المنزل عندما كان مرتزقة داعش يسيطرون على منبج. عانينا من ضغط وتشديد، سواء خلال سيطرة داعش أو في عهد النّظام".   
كما الكرد عانى التركمان من التهميش في ظل النظام السوري فمنعوا من ولوج القطاعات العسكرية والأمنية، وحتى الجمعيات الثقافية والاجتماعية والرياضية، لم يكن مسموحاً لهم إنشاؤها. 
وتابعت "الإدارة المدنية الديمقراطية اليوم غيرت هذا الواقع في ظل مشروع الأمة الديمقراطية، فأصبحنا قادرين على تشكيل فرقنا وإحياء ثقافتنا وفولكلورنا، ولدينا مشروع بتوسيع فرقتنا وزيادة عدد المنضمين". 
 
فرقة تل حوذان... تجسيد للتراث العربي
فرقة تل حوذان حديثة العهد فقد تشكلت العام الماضي، ويتراوح عدد أعضائها بين (6 ـ 8) عضو/ة، أعمارهم ما بين (30 ـ 50) عاماً.  
أول مشاركة للفرقة كانت في مهرجان فن وأدب المرأة الثَّالث الذي أقيم في 20 شباط/فبراير الماضي، وقدمت عرض لطقوس الحنة العربية مع آلتي المزمار والطبل، وشاركت أيضاً في حفلة الذكرى التأسيسية لحزب سوريا المستقبل في 28 آذار/مارس من العام الجاري في منبج، وحفلة عيد نوروز في 20 آذار/مارس الماضي، وتجري الفرقة استعداداتها للمشاركة باحتفالية ذكرى تحرير منبج. 
 
 
وقالت الرئيسة المشتركة لخط تل حوذان امتثال الطعان وهي أيضاً عضو في الفرقة أن "هدفنا هو إحياء التّراث الشّعبي". أما عن سبب تسميتها بتل حوذان فيعود لكون مؤسسيها أعضاء المجلس "خلال زياراتهم للعائلات يتعرفون على المواهب المتواجدة في القرى التّابعة للخط ويطلبون منهم الانضمام".
ترى امتثال الطعان أن ما يميز الفرقة هو طابعها التراثي ليس في الرقصات فقط وإنما في الآلات الموسيقية التراثية المستخدمة "نستخدم المزمار، الدربكة، الربابة، وجميعها ترتبط بتراثنا".
على عكس الفرق الأخرى لا تحتاج فرقة تل حوذان للتدريب "جمالية هذه الفرقة تنبع من عدم الحاجة للبروفات والتّدريبات لأنها تراث شعبي راسخ في شخصية الأفراد، فالعروض المقدمة تكون بشكل عفوي أو فطري، نجتمع تحت الأشجار وفي وسط الطبيعة لنحفز الإبداع، ولنزيد من ارتباطنا بثقافة الرَّيف".