فنانة تشكيلية تطلق مبادرة "حصة رسم" للتعبير عن الذات بواسطة الصور

أكدت الفنانة التشكيلية مروة عبد المنعم أن التعبير عن الذات من خلال الصورة، واحدة من أهم الأفكار العلاجية المعتمدة نفسياً لدى الكثير من الأطباء، مشيرةً إلى أن الفن التشكيلي انعكاس لما يجول بداخل الإنسان من أفكار وصراعات ورغبات.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أطلقت مروة عبد المنعم مبادرة تحت اسم "حصة رسم"، فانطلقت حاملة أدواتها في عدد من القرى والمحافظات النائية لتدريب الراغبين على الإمساك بما يدور بداخلهم من خلال رسم تلك الأشياء على صفحات من الورق.

لم تتوقف الفنانة التشكيلية مروة عبد المنعم عند تعليم الكبار فقط بل راحت تجمع الأطفال في قرى ومحافظات بعيدة عن قلب العاصمة واضعة كامل تركيزها في تنقية أفكارهم، والوصول إلى ما يجول بخاطرهم لرسمه على ورق ثم متحرك في شكل أفلام نافست ودخلت بها عدد من المهرجانات، بل وعرضت في عدد من الدول خارج مصر ومنها إيطاليا.

ولفتت مروة عبد المنعم إلى حالة المناخ محاولة إطلاق حملات توعوية بأفلام قصيرة تسرد أسباب الاستهلاك البشري للكوكب، ونتائج الاستغلال المسيء للطبيعة، فضلاً عن مشروعها التاريخي التي تسعى لوضعه في كتاب يحتوي على تاريخ أسرتها في مائة عام من منظور نسائها.

 

مبادرة "حصة رسم" دعوة للبحث عن الذات ومساحة تعبير أوسع للجميع

قالت الفنانة مروة عبد المنعم أن فكرة مبادرة "حصة رسم" جاءت نتاج رغبتها في فتح مجال تعبير أوسع من خلال الصورة عن كل شخص يرغب في ذلك، ومحاولة تغيير الثقافة السائدة بشأن هذا اللون من الفن وحصره بمن يحترفونه فقط.

واعتبرت أنه من حق الجميع التعبير عن ذواتهم بالطرق المناسبة لهم، مشيرةً إلى أنها من خلال المبادرة قررت منح فرصة للأطفال من ذوي الهمم الذين لا يستطيعون فهم الحوارات التي يسمعونها معتمدة في ذلك على ترجمة جميع الأنشطة التي تقدمها بلغة الإشارة، وكذلك جانب ليس بالقليل من الأفلام التي تنتجها.

 

أزمة الفن التشكيلي والجفاء المجتمعي معه

ترى مروة عبد المنعم أن الفن التشكيلي في مصر لا يسير وفق خط واضح، وهناك اختلافات جوهرية بين محترفيه، معتبرةً أن كل من يمسك بفرشاة ويضع ما يجول بذهنه في رسمة تعبر عنه مقدماً للون فني يستحق التقدير بغض النظر عن الأبعاد والتقنيات المعتمدة فنياً.

وأشارت إلى وجود فجوة بين المتلقي والفنان في الوقت الراهن إلى حد كبير لدرجة أن جمهوره لم يعد كبير رغم أن الحضارة المصرية قائمة بالأساس على التعبير من خلال الصورة، وبات هذا اللون الفني قاصر على المثقفين، معتبرةً أن السبب في هذا الجفاء يعود بدرجة كبيرة للفنان التشكيلي ذاته الذي لا يهتم بالتقارب مع الجمهور والمتلقي بشكل عام.

 

أفلام ومهرجانات تعكس واقع الشارع المصري

تمكنت مروة عبد المنعم من إنجاز مجموعة من الأفلام مع الأطفال في أماكن لا يخطر في الذهن أن يخرج منها هذا الكم من الإبداع الذي حاز على احتفاء الكثيرين نظراً لضعف الإمكانيات المتاحة بها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل نافس بعضها على الصعيد الدولي مما رسم في الأذهان صورة عن أفكار المبدعين الصغار في القرى المصرية.

وقالت إنها أعدت فيلم مع أطفال قرية ناهيا، وآخر مع مجموعة من الأطفال بعدد من المحافظات عبر البث المباشر حمل عنوان "كورنتينا" نظراً لما فرضه الوباء من تباعد على الجميع، وغيرها من الأفلام في محافظات الصعيد ومنها المنيا.

وأكدت مروة عبد المنعم أن هناك عدد من الأفلام التي تم إعدادها مع الأطفال وشاركت بها في مهرجانات عديدة ولاقت قبول ونجاح كبير، بل تم عرض جانب منها في عدد من الدول كان من بينها على سبيل المثال إيطاليا، مشيرةً إلى أنها تعتبر ترجمة ما يدور في العقل في قالب فني نجاح مبهر يذهل كل من يرى نتائجه بغض النظر عن عمره.

وأضافت أنها عملت على إعداد أفكار ذاتية عبرت من خلالها عن كل ما مرت به في حياتها من إخفاقات ونجاحات، وواحدة من الأفكار التي ترجمتها في عدد من الأفلام كانت أزمة الاحتباس الحراري وأسبابه في قوالب قصصية منها "السحابة البلاستيكية"، الذي وصفت من خلاله حياة مجموعة تعيش داخل غابة سحابتها بلاستيكية، ونتيجة محاولة سكانها تقليد ما يرونه على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة تأثر عالمهم وحياتهم سلباً، وغيرها من الأفلام المعبرة عن الاستهلاك البشري للكوكب، ودائرة الحياة الطبيعية منها "الكل من خلية واحدة، ومملكة الخلية الواحدة".

وواحد من المشاريع الهامة التي تعمل عليها مروة عبد المنعم في الفترة الحالية رصد تاريخ عائلتها في مائة عام تحت عنوان "أولاد زينب"، معتبرةً أن فكرتها في هذا المشروع هو كتابة التاريخ من خلال الأفراد، واستعراض الأحداث من وجهة نظر نساء العائلة.

 

الرسم مفيد لوضع خرائط ذهنية معبرة عن الأفكار

ترى مروة عبد المنعم أن ما يثار حول تأثير الرسم على الإنسان لا علاقة له بالعلم على الإطلاق، معتبرةً أنه لغة تواصل أقرب إلى الوجدان استخدمها المصري القديم للتعبير عن نفسه وعن الآخر في لوحات قبل اكتساب مهارة اللغة والخطاب بفترة ليست بالقليلة، مما ميز العديد من الحضارات القديمة عن غيرها وخاصةً المصرية.

وعن فوائد الرسم أكدت أنه من أفضل الوسائل التي يمكن التعبير فيها عن النفس والأفكار، بل أنه يستطيع أن يرسم الخريطة الذهنية للعقل لأن لغة الصورة أكثر قرباً للوعي، والعلماء على حد تقديرها الأكثر وعياً بأهميته، لافتةُ إلى أن رسم ما يدور في العقل على ورق يسهل إلى حد كبير من ترتيبه وتنفيذه والتعديل عليه بدرجة من الوضوح غير تقليدية.

 

دور الحكومة في دعم الفنون وأبرز معوقاتها

أكدت مروة عبد المنعم، أن الكثير من الأنشطة تحتاج دعم الحكومة سواء على مستوى التمويل أو التسهيلات، واستشهدت بتجربتها مع الأطفال في "عزبة أولاد علام" التي رغبت في الاستمرار معهم، إلا أن المدربين لا يمكنهم المتابعة لفترات طويلة، بينما الحكومة بأجهزتها المعنية تستطيع استكمال الأمر، واحتواء مثل تلك الأنشطة التي تنمي مهارات الأطفال.

والروتين وتعقيداته واحد من أهم المعوقات التي ترى الفنانة مروة عبد المنعم أنها تحول دون قدرتها على مواصلة عملها التنموي في القرى والمحافظات المتباعدة، فالحصول على تصريح على سبيل المثال يحتاج للكثير من الإجراءات والموافقات.