فنانة تشكيلية ترسم بأصابع قدميها

دعاء البسطاطي التي ولدت بدون يدين، لم تسمح لإعاقتها بأن تصبح عقبة أمام العالم الذي تريد أن تعيش فيه

سوركل شيخو
الحسكة ـ .
 في عالم كل شخص توجد العشرات من الأحلام، وخاصة أولئك الذين يولدون معاقين. قد يكونون أشخاصاً بلا يدين أو أرجل أو عينين أو لديهم نقص ما في أجسادهم، لكن لا يخلون من المشاعر والأحلام والأهداف، تدفعهم نظرة المجتمع إلى التراجع للخلف. فنظرة المجتمع تأثر على شخصية المرء وخاصة على الجانب النفسي. ولكن هناك من يهتم ويريد تحقيق أحلامه، والوصول إلى مستوى يكون فيها رداً على المجتمع الذي يعتبرهم ضعفاء. قد يكون الإنسان معاق جسدياً ولكنه سليم في الفكر والعقل والمعتقد ويفكر أكثر من الأشخاص العقلاء ويمكنه فعل أي شيء لتلوين عالمه. هنا أردنا التعرف على قصة الفنانة التشكيلية ذات الإرادة والتصميم دعاء البسطاطي.
 
من هي دعاء البسطاطي؟
هي امرأة تبلغ من العمر 30 عاماً وهي الأصغر بين 11 أخوة. ولدت في حي الميدان بدمشق. التحقت في سن الثانية عشرة بمدرسة الأمل للمعاقين جسدياً. أرادت شقيقتها أن تنمي موهبتها في الرسم. لذلك كانت تحضر لها صور الأطفال وكانت دعاء البسطاطي ترسمها. دخلت المعهد لتنمية قدراتها ومن ثم التحقت بكلية الفنون الجميلة ونجحت بتفوق. الآن دعاء هي فنانة تشكيلية سورية ترسم بقدميها، تخلق وتبدع الزخارف على الزجاج والحرير واليقطين وهذا سيوصلها إلى العالمية.
 
"لا أقبل وصفي بالفتاة المعاقة"
في بداية حديثها قالت دعاء البسطاطي "منذ ولادتي ولدت بدون يدين لكني لا أقبل أن يقال لي؛ فتاة معاقة. لم أشعر باليأس يوماً، بل كنت أتمتع بروح معنوية عالية وتفاؤل كبير، كنت آمل وأتمنى دائماً أن أغير نظرة المجتمع تجاه شخصيتي وإظهار فني لهم".
تتحد وتتناغم دعاء البسطاطي بحب كبير مع فرشاتها وألوانها التي تُخرج العالم من الظلام. هكذا وصفت كيفية الرسم بالأقدام، "أجلس على أريكتي في المنزل، وأمد ساقي اليمنى لالتقاط الفرشاة وأبدأ في الإنشاء بأصابع قدمي".
 
"ابتسمت في وجه كل الضغوط والمصاعب"
بينت دعاء البسطاطي أنها ترد بابتسامتها على نظرة وآراء المجتمع وتابعت "منذ البداية لم أعطي أهمية لكلام المجتمع، لأن مجتمعنا مجتمع يريد تحطيم الناس. لا أبالي كثيراً، وعلى العكس أتجاوز ما يقولونه لي بابتسامة. ضحكتي قد تكون الرد على كل الانتقادات والكلمات المؤلمة التي يوجهونها لي. فإذا ما استمع المرء واهتم بكلامهم لن يتمكن من رسم وبناء مستقبله أيضاً".
 
"الرسم هو تعبير عن المشاعر والأحلام"
أوضحت دعاء البسطاطي أن الرسم هو تعبير عن أحلام الناس ومشاعرهم، وأضافت "اخترت الرسم لأنني بفضله أستطيع التعبير عن كل شيء بداخلي. ربما لم أرسم بشكل جيد ولم تكن رسوماتي جميلة مرة أو مرتين، لكنني كنت مصرة على إنشاء صورة جميلة مليئة بالمشاعر والعاطفة. لكل لوحة أرسمها قصة. أرسم بكل التقنيات والأساليب، على سبيل المثال أقوم بالرسم على الخشب وعلى الزجاج أيضاً". 
 
"كنت أجلس على الأرض وأرسم اللوحات"
ذكرت دعاء البسطاطي الصعوبات التي واجهها وقالت "كل شيء كان صعباً علي، لكنني منذ طفولتي لم آخذ المصاعب بعين الاعتبار ولم أسلم بها ولم أدعها تشكل عائقاً أمامي. بل حاولت تحويل تلك الصعوبات إلى سهولة. المثال الأصغر والأصعب على ذلك هو أنه لم يكن هناك مكان في الكلية لأجلس فيه، كنت أجلس على الأرض للدراسة والرسم".
 
"العلاقة بين المرأة والفن علاقة منسجمة"
وأشارت إلى أنه هناك علاقة متماسكة ومنسجمة بين المرأة والفن "هناك علاقة غير طبيعية بين المرأة والفن. لأن المرأة والفن يكملان بعضهما البعض. فمن خلال الفن تظهر مشاعر الناس ورغباتهم وأحلامهم. قد لا تتمكن الكثير من النساء من التحدث عن الأشياء التي بداخلهن. ولكن من خلال رسم الصور والقصائد، يمكنها إظهار ذلك دون التحدث. وبدون خوف وبقوة كبيرة يمكنها أن تنشر الأمل في كل شيء حولها".
 
"كل لوحة هي قصة صامتة"
وأوضحت أن لكل لوحة ترسمها قصة خاصة واستمرت قائلة "لكل صورة رسالة وقصة خاصة بها. من خلال كل صورة للمرأة، أريد أن أبعث برسالة مفادها أنه يمكن للمرأة على الرغم من كل الضغوط والصعوبات، إيجاد طريق خاص لنفسها والسير فيه. في رسوماتي أتحدث أحياناً عن الأيتام ونضالهم أيضاً".
 
"أريد أن أصل إلى المستوى العالمي"
وتحاول دعاء البسطاطي الوصول إلى العالمية وقالت "بالطبع، حلمي هو الوصول إلى المستوى العالمي. من خلال الصور واللوحات التي أرسمها، أريد أن أثبت للناس أنني فنانة تشكيلية ولست امرأة معاقة. في البداية شاركت في المشاريع الفنية في كل من أوكرانيا وبريطانيا والأردن. وفي نفس الوقت شاركت في معارض مشتركة وفردية في حلب وحصلت على جوائز عدة".
 
"اكشفوا عن فنهم المخبئ، ودعوهم يزينون العالم"
واختتمت دعاء البسطاطي حديثها برسالة "الأشخاص الذين ليس لديهم أيدي وأرجل ليسوا معاقين، لديهم آمال وأحلام. يجب على العائلات الاهتمام بأطفالهم والسماح لهم بالوقوف على أقدامهم ومنع إعاقتهم من تشكيل عائق أمام تحقيق أحلامهم وتطلعاتهم. يجب أن يخرج فنهم الخفي ليرى النور ويجمل العالم ويزينه. فمن حقه أن يرى العالم بالطريقة التي يريدها، فأنا لست معاقة ويمكنني أن أخطو خطوات كثيرة وأواصل مسيرتي دون خوف".