فاطمة مصلح تحول سعف النخيل لمشغولات تنبض بالجمال

تحصل فاطمة مصلح على الأوراق والجذوع من الأراضي الزراعية بشكل مباشر، وتجمع ما يسمى بـ قلب النخلة، ويكون لونه أخضر، لتفرقه بشكل دقيق تمهيداً لوضعه في الشمس حتى تجف، ويصبح جاهزاً للبدء في التشكيل.

رفيف اسليم

غزة ـ تعمل الستينية فاطمة مصلح على إنتاج المشغولات اليدوية التراثية من سعف النخيل، وهي إحدى أهم المهن التي عرفتها الفلاحة الفلسطينية منذ مئات السنين لإنتاج أدوات مختلفة تساعدها خلال يومها سواء في المنزل أو الحقل، متخذة من تلك المهنة مصدر رزق لها ولعائلتها.

قالت فاطمة مصلح إنها جدة لعدد من الأحفاد الذين يحيطونها فور بدئها بأحد القطع، طالبات منها أن تعلمهن كيفية صناعة تلك التحف التي تبهر كل من يلمسها، لافتة إلى أنها تحاول تعليمهن كي لا تندثر مهنة الأجداد.

ولمعرفة كيف تعلمت فاطمة مصلح تلك المهنة قالت "كانت إحدى بناتي تغيب عن المنزل لفترات طويلة عند جارتي الثمانينية التي تسكن مقابلنا وفي ذات يوم قررت الذهاب إليها للاطمئنان على ابنتي فوجدتها تجلس وحولها عدد من الأواني المنجزة من سعف النخيل، فراقت لي تلك الفكرة وقررت تعلمها".

وأضافت أنها في البداية كانت تنظر لتلك الأكوام من سعف النخيل متسائلة كيف يتم الأمر، لتتعلم بالممارسة أن كل ما يلزمها هي إبرة وتركيز عميق لتحرك السعف بآلية معينة تمكنها من إحكام تلك الدائرة المنتجة للطبق الكبير، الذي كانت تضع عليه القرويات قديماً الخبز الخارج من فرن الطابون.

وأشارت لتلك الندوب التي اجتاحت يدها قائلة "لقد كلفني الأمر الكثير من المحاولات والجروح التي ملئت يداي فلطالما سالت الدماء منها، لكني أكملت لأنني لا أريد لتلك المهنة أن تندثر بموت بعض النساء اللواتي حملنها معتبرة نفسي حامية التراث ومحتضنته".

وأوضحت فاطمة مصلح أنها تحصل على تلك الأوراق والجذوع من الأراضي الزراعية بشكل مباشر، حيث تجمع ما يسمى بـ قلب النخلة، ويكون لونه أخضر، لتفرقه بشكل دقيق تمهيداً لوضعه في الشمس حتى تجف، ويصبح جاهزاً للبدء في التشكيل.

وذكرت أن تلك الصناعة تمر بمراحل مختلفة مروراً بإصدار المقتنيات المختلفة، فبعد تجفيف قلب النخلة يتم تجهيز مياه دافئة لنقع السعف لمدة 45 دقيقة، وتليها تجفيفه باستخدام قماشة قطنية، ليصبح ليناً وبالتالي يسهل تشكيله، منوهة أن أهم ما يميز تلك المشغولات هي أنها تحافظ على رونقها كونها متينة ولا يتأثر شكلها مع مرور السنين.

ومن أهم أدوات عمل هذه المهنة إبرة خياطة وتسمى "المسلّة"، وهي أداة رئيسة في هذا العمل، بها مجموعة من نبات الحلفاء ذات اللون الأخضر، حيث تقوم بطيها في يدها مع سيقان سعف النخيل؛ ليصنع منها طبق دائري بشكل محكم ومتقن، على حد قولها.

وقد سوقت فاطمة مصلح لمنتجاتها من خلال صفحتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي إضافة لمشاركتها في عدد من المعارض المحلية التي تقام، لافتة إلى أن المؤسسات أصبحت هي من تتواصل معها لعرض منتجها بسبب قلة عدد العاملات في تلك المهنة، ولإتقانها الشديد في إخراج كل قطعة على حدى.

ولفتت إلى أن بيع تلك المنتجات يكاد يقتصر حالياً على السياح، أو المعارض التراثية، بغرض الزينة؛ حيث لم يعد السكان يستخدمونها بسبب ارتفاع ثمنها كونها صناعة يدوية تحتاج لجهد كبير، فغالباً ما تُصدم بجملة أن الثمن مرتفع بالرغم من أنه قد لا يغطي نفقات المواد الخام والأيدي العاملة.

 

 

وعددت فاطمة مصلح سلال الحلوى، وأطباق للعجين، والمعلقات التي تستخدم للزينة في المنازل هي بعض المنتجات التي تصنعها من سعف النخيل، مشيرةُ إلى أنها سعيدة بصناعة منتجات صديقة للبيئة بدلاً من إتلاف ذلك السعف بطريقة غير آمنة.

وقد أدخلت هذه الصناعة لمستها الخاصة فأضافت للخوص النايلون والستان وصنعت منه أشكال مختلفة للزينة محولة الخوص إلى ورود بمهارة عالية، لكنها بالرغم من ذلك لم تستطع التغلب على معيقات التمويل، فقد لا تعمل فترات طويلة بسبب غياب رأس المال، كما أنها قد ترفض طلب نساء القرية بتعليمهن تلك المهنة بحسرة لغياب المواد الخام في بعض الأحيان.

والخوص هو عبارة عن أوراق سعف النخيل تجمع وتصنع باليد بطريقة تجديلية عريضة تضيق أو تتسع باختلاف الإنتاج، وتتشابك أوراق الخوص مع بعضها بعد أن تتحول إلى اللون الأبيض نتيجة تعرضها للشمس.

ويذكر أنه نوعان الأول هـو لبة الخوص، وتتميز اللبة بنصاعة بياضها وصغر حجمها، وسهولة تشكيلها، وتستخدم لنوعية معينة من الإنتاج، والثاني هو من بقية أوراق النخيل العادية، وهي أوراق أكثر خشونة وطولاً ويتم غمرها بالماء لتطريتها حتى يسهل تشكيلها.