بين العودة إلى الجذور والهروب من الواقع... فنانات تترجمن مشاعرهن في لوحات

تحت عنوان "بواسطة الفنانين وللفنانين" تم تنظيم معرض فني جماعي يضم رسومات ولوحات فنية متنوعة، التقطت ورُسمت بأيدي فنانين/ات زينّت جدران قاعة Art Corner في بيروت.

كارولين بزي

بيروت ـ في المعرض الذي انطلق الجمعة 20 أيار/مايو ويستمر لأسبوع ترجم فيه الفنانون والفنانات مشاعرهم وكتبوا قصصهم بريشة أو عدسة لوّنت حتى الأماكن المظلمة في واقعنا اللبناني.

 

"النور في الظلمة والجمال في الفوضى"

جمع المعرض الذي يقام على مقربةٍ من المرفأ الذي شهد أحدث أكبر الانفجارات الغير نووية في العالم في آب/أغسطس 2020، عدداً كبيراً من الفنانين/ات.

تقول المخرجة والمصورة فادية أحمد عن مشاركتها في المعرض بصور قامت بالتقاطها بعدستها وركزت فيها على بيروت وأظهرت الجمال حتى في العيوب، لوكالتنا "كان لدي مشروع عن بيروت أسعى من خلاله لأن أجد جذوري بما أنني ولدت في إسبانيا ونشأت هناك وعدت إلى لبنان في العام 1991، سعيت من خلال ذلك المشروع أن أجد نفسي كإنسانة وامرأة".

وأوضحت "هاجرت عائلتي إلى إسبانيا بهدف حمايتنا، وكانت والدتي عندما كنا أطفالاً تقول بأننا سنعود إلى لبنان عندما تنتهي الحرب، لذلك راودني حلم العودة إلى لبنان لأجد جذوري وأجد نفسي وبلدي وأرضي ولكننا عدنا إلى لبنان في العام 1991، وكان لبنان موجوعاً في تلك الفترة ويلملم ذيول الحرب الأهلية. وبالتالي تطلب مني الأمر وقتاً طويلاً حتى أستطيع أن أتصالح مع نفسي".

عن المعرض الذي يضم مجموعة من الفنانين في Art Corner، تقول عن مشاركتها "أعرض فيه مجموعة صور عن بيروت وجمال بيروت، أظهرت النور من قلب الظلمة والجمال في الفوضى، كما سلطت الضوء على الجانب الإيجابي من المدينة التي نعيش فيها، هذه المدينة التي هي جزء منا ونحن جزء منها".

ولفتت إلى أنه "لكل صورة قصتها الخاصة"، موضحةً "هذه الصورة التي تضم شباكاً مقفلاً وبيتاً قديماً، لا أسلط من خلالها الضوء فقط على تراثنا وتاريخنا وهندستنا المعمارية، بل نلاحظ فيها رقم 75، وهذا الرقم له معنى في تاريخنا اللبناني، إذ هو ذكرى اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وبالتالي الصورة بالنسبة إليّ ترمز إلى اندلاع الحرب عندما أقفل اللبنانيون أبواب بيوتهم وشبابيكهم بوجه بعضهم البعض".

وفيما يتعلق بالصورة التي تم التقاط فيها صيادين يصطادون السمك حيث تتضمن الصورة مظاهر من التلوث، تقول "بالنسبة لمظاهر التلوث في الصورة والتي يمكن أن نزيلها بنقرة فوتوشوب لتبدو الصورة مثالية، لم أفعل ذلك لأننا كبشر لسنا مثاليين، لذلك من الجميل أن نسلط الضوء على الجمال حتى لو كان هناك عيوب، أي من الجميل أن نظهر أنه حتى بعيوبنا نتحلى بالجمال".

جمعت فادية أحمد بين الأصالة والحضارة والتطور وبين الجيل القديم والجديد في صور عرضتها ونالت استحسان رواد المعرض.

 

 

"الفن يزيل الموجات السلبية"

تتحدث الفنانة التشكيلية زينة نادر عن مشاركتها في المعرض الجماعي، وتقول "شعرت بالسعادة لهذه المشاركة لأنني أحب المعارض التي من خلالها نستطيع أن نقيّم أعمالنا أكثر مقارنةً بأعمال فنانين/ات آخرين. أشارك بأربع لوحات وأرسم الفن التجريدي، كما أنني من هواة الألوان، وهذا يبدو واضحاً في لوحاتي".

وتطرقت إلى الألوان التي استخدمتها في لوحاتها "استخدمت في إحدى اللوحات لون الأسود في الخلفية ولكنني كسرت اللون الأسود بألوان قوية جداً، وتترجم هذه اللوحة المشاعر والأحاسيس القوية، لأن الفن التجريدي هو عبارة عن المشاعر والأحاسيس الداخلية التي يعبّر عنها الفنان بشكل تجريدي وغامض، وكل واحد يرى اللوحة يستطيع أن يرى شيئاً أو يشعر بشعور ما عندما ينظر إلى اللوحة.

وعن اللون الأسود تقول "اللون الأسود هو مزيج كل الألوان وهو أساس اللوحة وفوق اللون الأسود وضعت ألوان قوية وكأن من بعد الحزن يظهر التفاؤل والفرح والأمل وكل القيم الجميلة، واخترت الألوان القوية ليتغلب الفرح على الحزن". معتبرةً أن "الفن يزيل الموجات السلبية".

وتابعت "توجد لوحة أخرى استخدمت فيها لون واحد وهو الأزرق، ولوحة ثالثة استخدمت اللون الزهري فقط وتمد هذه اللوحة الناظر إليها بالحياة والأمل والفرح والتفاؤل إذ نحتاج إليه في هذه الظروف... فنحن ننظم هذا المعرض في وقت حساس جداً في لبنان.

كما استخدمت في لوحة أخرى الألوان الترابية ويظهر فيها أشخاص يتحدثون مع بعضهم البعض وأطلقت عليها اسم "ثرثرة"، أي أنها الأحاديث الكثيرة والمؤذية بين الناس "كنت أريد أن أسلط الضوء على هذه النقطة تحديداً".

وحول كيفية التعبير عن مشاعرها تقول "عندما أرسم أعبّر عن مشاعري من خلال لوحاتي، وأعتقد أنه لا يوجد لوحة يمكن أن تلمس الآخر أو الناظر إليها إذا لم يرسمها الفنان بمشاعره. وعن الإقبال على المعرض، تقول بأن هناك إقبالاً كبيراً وذلك لأن الناس ترغب برؤية الأعمال الجميلة وهذا دليل نجاح. وأعتقد أن الفن هو الوسيلة الوحيدة التي تساهم في تغيير مزاج الناس الذين يعيشون في ظل الدراما التي نعيشها في لبنان منذ ثلاث سنوات".

وتتحضر زينة نادر لتنظيم ثلاثة معارض بين إسبانيا وإيطاليا خلال الصيف وفي الخريف المقبل، وتضيف "كما أحضر لكتابي الثاني... إذ أصدرت كتابي الأول Mots Sur Couleurs في العام 2016 وتضمن لوحاتي وكتاباتي، وكذلك سأستكمل هذه المسيرة بتضمين الكتاب الثاني لوحاتي وكتاباتي من العام 2016 وهو الجزء الثاني وسأصدره بالإنكليزية والفرنسية".

 

 

"الهروب إلى الوراء"

تشارك الفنانة التشكيلية فدوى زبيب في المعرض بعدد من اللوحات، وتقول عن مشاركتها "اللوحات التي أعرضها في المعرض عدت فيها إلى الزمن الجميل، علماً أنني لم أكن أرسم هذا النوع من الفن، ولكنني رسمت هذه اللوحات في فترة الحجر الصحي عند انتشار وباء كورونا. عندما يجلس الإنسان لفترة طويلة يعود فيها إلى ذاته وأصوله، وأكثر ما استفزني في تلك الفترة كان انفجار مرفأ بيروت، إذ شعرت بالحنين لكل ما هو قديم".

وتتابع "رحت أرسم كل ما هو قديم، مثل الأبواب والشبابيك القديمة، كما رسمت مقتطفات لمظاهر كنا نراها في السابق مثل الأشخاص الذي يجلسون في المقهى ويضعون الطرابيش ويرتدون الفولكلور اللبناني. أعتقد كفنانة بأن لبيروت حق عليّ بأن أسلط الضوء على كل ما كان جميل فيها".

وتؤكد بأنها قررت أن تعرض للناس الصورة الجميلة عن بيروت بعد الدمار الذي حلّ بالمدينة بعد انفجار الرابع من آب/أغسطس في العام 2020. وتوضح "لم أرغب برؤية الدمار، لأنني أرى لبنان في مكان أفضل في المستقبل، لا أستطيع أن أرى الدمار، ربما هي حالة إنكار للواقع أو هروب منه، لذلك فضّلت أن أعود إلى أصول بيروت الجميلة، وهذا ما ساعدني في تخطي الأزمة النفسية التي ألّمت بي بعد الانفجار لأنني أعتبر بيروت والدتي".

وأضافت "كنت سعيدة جداً وأنا أرسم إذ اعتبرت ما أعيشه هروب إلى الوراء لأنني رافضة للواقع الذي نعيشه، لا أريد هذ الدمار في ذاكرتي لأنه يفوق قدرة تحملنا"، مشيرةً إلى أنها "لم أستيقظ من صدمة الانفجار إلا بعد مرور شهر تقريباً عندما أخذت اللوحة وبدأت بالرسم".

وعن المرأة في مجال الفن، تقول "المرأة هي جزء كبير من الحركة الثقافية، للمرأة دور فعال، وحضورها قوي في عالم الفن... في السياسة نحن مهمشات ولكننا كنساء نملك طاقات لا يستهان بها. وتواجه المرأة الناجحة الكثير من التحديات ومن أشخاص يحاولون إحباطها".

 

 

"بين الرواية وسلفادور دالي"

انضمت زها عبد الساتر إلى زميلاتها في المعرض الجماعي الذي تم تنظيمه في بيروت. إلى جانب الفن تدّرس زها الأدب الإنكليزي في الجامعة اللبنانية الأميركية LAU.

وتقول لوكالتنا "أعتمد فن الوسائط المختلطة وهو نوع غير متداول كثيراً في الفن في لبنان، واستخدم فيه الباستيل والأكريليك والحبر وأقلام الزيت. كما أنني أحب إدخال اللغة إلى لوحاتي ربما لأنني تخصصت باللغة ولأنني أستمتع باستخدام اللغة في عملي، كما أنني أحاول إدخال قصص غامضة من خلال الكلمات التي أكتبها في لوحاتي".

وعن استخدامها اللغة العربية في لوحاتها، تقول "درست الأدب الإنكليزي ولكنني أيضاً تابعت دراساتي العليا في الأدب المقارن أي أننا نركز على لغتين، وأنا ركزت على اللغة العربية وعلى اللوحات، وطبقت نظريات التحليل النفسي مقارنةً بين الرواية ورسومات سلفادور دالي، أي الصورة والرواية بالإضافة إلى أن اللغة العربية هي لغتنا"، موضحةً "استخدم الألوان لأنني أحب التغيير وأشعر من فترة إلى أخرى بالملل لذلك استخدم الكثير من الألوان".

وحول أهمية تنظيم المعرض في هذا الوقت، تقول "أعتقد أنه الوقت المناسب لأن هذه اللوحات عبارة عن تعابير صادقة، وهناك من يحب أن يرى أو يلقي نظرة على هذه الأعمال".

وعن أهمية تعبير المرأة عن مشاعرها من خلال الفن، تقول "أصبحت المرأة في لبنان تشعر بحرية أكبر في التعبير عن مشاعرها من خلال الأعمال الفنية، حتى أن هناك مواضيع لم نكن نراها في التعبير الفني، أصبحنا نشاهدها بكثرة إذ أصبحنا أكثر جرأة... كما يُظهر الفن المرأة اللبنانية المتحررة في لوحاتها".

عن دور وزارة الثقافة في دعم المعارض الفنية، تقول "هناك غياب لوزارة الثقافة عن الفن، وهناك مجموعات فنية في لبنان ولكنها لا تتلقى أي دعم من مؤسسات الدولة وهذا الأمر يضايقنا كفنانين... نحن لا ننتمي لمجتمع واحد لذلك نحتاج لأن نقول بأننا نمثل دولة ووطن"، وتسأل "لماذا يغيب هذا التعاون بين الدولة والفنان؟ ربما بسبب طبيعة البلد!".