بين إجحاف القوانين وظلم المجتمع... "أمل" تترجم معاناة النساء في "مفروكة"

بين الدمعة والابتسامة، خاضت أمل صراعها ومعاناتها والاجحاف الحاصل بحقها من قبل قوانين الأحوال الشخصية والمحاكم الشرعية والمجتمع الذي لا يرحم، في ظل اتخاذها قرار الطلاق.

كارولين بزي

بيروت ـ "أمل" التي جسدت شخصيتها كل من مروة خليل ووفاء حلاوي وسيرينا الشامي في مسرحية "مفروكة"، ترصد حياة "أمل" ما بعد الطلاق، التي تحولت إلى امرأة بلا هوية، إلى أم حُرمت من أطفالها، إلى امرأة مقلقة للأخريات اللواتي تعتبرن أن كل امرأة مطلقة أصبحت تشكّل خطراً عليهن أو على أزواجهن، أو ربما أصبحت كالفيروس، كما تقول مروة خليل في المسرحية.

 

"مفروكة تشبه فوضى حياة أمل"

شاركت مروة خليل في كتابة "مفروكة" مع وفاء حلاوي وهي واحدة من ثلاث ممثلات جسدن شخصية "أمل" على المسرح معاً. تقول لوكالتنا "اخترنا أن نطلق على المسرحية اسم "مفروكة" لأننا نتحدث عن المرأة المطلقة... المفروكة هي حلوى فوضوية تشبه فوضى الحياة التي تعيشها "أمل" بعد الطلاق".

وعن سبب اختيار موضوع الطلاق، تقول "أردت أن أسلط الضوء على هذه القضية لأني مررت بتجربة كنت شاهدة فيها على طلاق صديقتي، ألهمتني قصتها لأتحدث عن هذه الفكرة، فمن خلالها يمكننا أن ندخل إلى المشاكل النفسية والاجتماعية والسياسية".

وأوضحت "عندما نقول طلاق أي أننا سنتحدث عن المحاكم الروحية وكذلك قوانين الأحوال الشخصية، تشعر المرأة بالصدمة عندما تقرر أن تنفصل عن زوجها، ومع كل الإجراءات التي يتبعها الطلاق يتبين كأن المرأة المطلقة تجردت من هويتها، لأنها لم تعد مرتبطة بوالدها ولا بزوجها".

وعن تقديم قضية حساسة وموجعة بقالب كوميدي، تقول "أحب الكوميديا وأريد أن يبقى النفس الكوميدي بالمسرحيات التي أقدمها ولكن عندما تكون المسرحية كوميدية حصراً تظهر وكأنها سطحية. لكن فيما يتعلق بـ "مفروكة"، فالقضية جدية ولكن كلما قمنا بالاستعانة بالأسلوب المبكي المضحك كلما استطعنا أن نؤثر بالجمهور أكثر. الكوميديا هي طريقة لإيصال الرسالة للجمهور بطريقة سلسة".

 

 

 

"مفروكة تترجم تجارب النساء"

وعن صعوبة التنقل بين الكوميديا والدراما عبر الكتابة، تقول مروة خليل "أنا أكتب كممثلة لا ككاتبة، أفكر بأنني أرغب بأن أرى نفسي في مشهد معين وأعتقد أن الممثل الذي بداخلي هو الذي يظهر لا الكاتب".

وأضافت "أجرينا العديد من اللقاءات مع نساء واجهن مشاكل الطلاق، أخذنا في المسرحية من تجارب النساء اللواتي التقينا بهن. عندما كنا نسجل هذه اللقاءات كنا نأخذ مصطلحات وعبارات أعجبتنا أو علقت في أذهاننا، مثلاً امرأة ذكرت لنا عبارة "كالحلقة بالأذن" استخدمنا الكلمة كما هي، استخدمنا عبارات شعبية تشبه أمل".

وأوضحت مسار المسرحية منذ الولادة، وتقول "تطلبت الفكرة وقتاً، ففي البداية انطلقت بإجراء أبحاث بمفردي ثم اجتمعت مع وفاء حلاوي، عملت على النص ثلاثة أشهر ثم عملت أنا ووفاء لنحو سنة تقريباً، أي أن المسرحية احتاجت منا سنة كاملة أو أكثر بقليل".

 

"مفروكة" تستكمل قصة "زنود الست"

جسدت كل من مروة خليل ووفاء حلاوي وسيرينا الشامي ثلاث حالات ولكن لشخصية واحدة وهي "أمل"، تعلق وفاء حلاوي على سبب تقديم ثلاث شخصيات لامرأة واحدة وهي "أمل" وتوضح "منذ أن قدمنا مسرحية "زنود الست" جسدنا نحن الثلاثة شخصية "أمل"، استمررنا بهذه الفكرة لأن "مفروكة" هي تكملة لـ "زنود الست".

وعن قصة "زنود الست" توضح "هي قصة أمل، ربة منزل تخبر جارتها أن حياتها شبه مثالية، ونكتشف أن ما تذكره أمل هو مجرد مظاهر فقط، ثم نكتشف الوحدة التي تعيشها "أمل" ومشاكل الزواج، مشاكل المرأة التي توضع بقالب معين، وكيف تجد نفسها أحياناً مسجونة بهذه العلبة أو القالب، إذ لا تعرف كيف تعيش هذا الزواج بحريتها بعيداً عن توقعات المجتمع".

وأضافت "في مفروكة حافظنا على تقديم شخصية "أمل" بثلاث ممثلات، هذا الأمر يسمح لنا أن نظهر أكثر من وجه للمرأة نفسها، ويسمح لنا بأن نسلط الضوء على لحظات تتحدث فيها المرأة مع نفسها، كلنا نعيش تناقضات ونضحك على أنفسنا أحياناً. وفي مشاهد أخرى تصبح أمل نموذجاً عن المرأة اللبنانية ويسمح لنا هذا الأمر بأن نذهب إلى أكثر من حالة، مثل حالة المحكمة".

وأوضحت "نرى أمل أمام قاضي الشرع في المحكمة الجعفرية ثم أمام الخوري في الكنيسة، ثم نجدها تتناقش مع المحامية لأنها متزوجة زواجاً مدنياً في الحالة الثالثة، لتتعرف على الواقع والشروط التي تترتب على المتزوجة مدنياً في لبنان في حال قررت الطلاق".

وعما اكتشفته من خلال "مفروكة"، تقول "تعرفنا على الكثير من المعلومات من خلال الأبحاث التي قمنا بها واللقاءات التي أجريناها من أجل المسرحية، نحن نعلم أننا نعيش في مجتمع ذكوري وندرك تماماً أن هناك عدم مساواة بين الجنسين، ولكننا استغربنا بأن هناك من يعتبر أن المرأة حصلت على كامل حقوقها، إن استطاعت المرأة في بعض المواقف أو الأماكن أن تكون جزءاً من نفسها، هذا لا يعني أنها حصلت على حقوقها كاملةً، القانون لا ينصف المرأة وهناك أكثر من دراسة وبحث اطلعنا عليهم شكلوا لنا صدمةً".

 

 

"عندما تخرج المرأة عن الدور المرسوم لها تصبح مصدر قلق"

تسلط "مفروكة" الضوء على نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة، إلى محاسبتها وجلدها لأنها اتخذت قرار الطلاق، فتُحرم من المناسبات الاجتماعية واللقاءات مع الصديقات وتصبح كأنها فيروس أو وباء يتم تجنبه.

وأضافت وفاء حلاوي "عندما تخرج المرأة عن الأدوار التي رسمها لها المجتمع، تصبح مصدر قلق له، أعتقد أن ما يقلقنا أو يخيفنا هو الذي لا نفهمه أو اعتدنا أن نراه في مجتمعنا بطريقة معينة، لذلك عندما نسلط الضوء على هذه المواضيع ونظهر للناس وجهة نظر مختلفة وبأن المرأة المطلقة هي إنسان يعاني من صعوبات، عندما نضع أنفسنا مكانها ونشعر بها وبما تعيشه، ربما يجعلنا ذلك نغير أفكارنا وكيف ننظر إلى "أمل" كامرأة مطلقة، أو إلى أي فرد خرج من الدور الذي رسمه له المجتمع".

في المشهد الأخير من المسرحية تحاول "أمل" أن تتماشى مع الواقع وتتقبل الوقوف إلى جانب طليقها مع خطيبته ووالديها ووالدة زوجها السابق، من أجل الاحتفال بعيد ميلاد ابنها والوقوف لالتقاط صورة العائلة، في هذا المشهد يطلب المصور من أمل أن تتجه شمالاً إفساحاً للمجال لكي يظهر كل أفراد العائلة في الصورة، ولكن المصور يستمر بالطلب من أمل التوجه شمالاً حتى تصبح أمل بممثلاتها الثلاث خارج المسرح أي خارج الصورة.

ولكن هل لأمل مكان في الصورة، تسأل وفاء حلاوي "ما هو موقعها في العائلة فعلياً ولاسيما أن طليقها ارتبط مجدداً. هذه الصورة هي صورة المجتمع أيضاً، وما هو دورها في هذا المجتمع؟ عندما تنظر إلى نفسها في المرآة، تسأل ما هو دورها بالنسبة لنفسها، كيف ستعيد بناء نفسها من الناحية العاطفية والنفسية والاجتماعية، كيف ستجد هويتها بهذا الدور الجديد؟".

وتتابع "هناك من تأثر بمشهد الصورة ونحن أيضاً نتأثر، ولكن لا أعتقد أن خروجها من الصورة أمر سلبي، على الرغم من أنها خرجت من مكان كانت تنتمي له، ولكن في مكان آخر أصبح بإمكانها أن تبني هوية جديدة وأن تخرج من العلبة".

 

"كل امرأة مطلقة تشاهد المسرحية تقول بأننا تناولنا قصتها"

عن أصعب مشهد قدمته، تقول "أعتقد أن مشهد المحكمة كان الأكثر صعوبةً، لأننا كنا على اتصال دائم بمحامية لكي نقدم معلومات صحيحة، هذا المونولوج تغير قبل ثلاثة أيام من العرض، وكان عليّ أن أحفظه وأتبنى كل المعلومات والمشاعر التي تعيشها "أمل"، وفي هذا المشهد كل واحدة منا كانت تقدم مشهداً هو بمثابة مسؤولية، فما نذكره مهم جداً".

أما مروة خليل التي تقدم مشهداً أمام الخوري والذي تدّعي فيه في البداية أنها امرأة غير صالحة للزواج، وعندما تكتشف أن الخوري سيحرمها من حضانة ولديها تتراجع وتخبره بأنها كانت تكذب فقط من أجل أن تحصل على الطلاق، تكشف مروة خليل أنه أصعب مشهد قدمته في المسرحية، وتقول "كنت أرغب بأن أجسد صورة أم بلا قلب وقاسية، وخلال اللقاءات التي أجريتها، تبين لي أن هناك امرأة مثّلت أمام الخوري أنها مستهترة، وقررنا أن نجمع فكرة الأم القاسية مع تجربة المرأة التي التقينا بها، هذا المشهد أحبه ويعني لي".

وتلفت إلى أن كل ما تناولته المسرحية هي قصص نساء في المجتمع "كل امرأة مطلقة تشاهد المسرحية تقول بأننا تحدثنا عنها أو تناولنا قصتها"، مشيرةً إلى أن أكثر المشاهد متعةً بالنسبة لها في المسرحية كان مشهد اليوغا.

 

"ضياع أمل يشبه كل البشر"

تعتبر سيرينا الشامي أن استعادة الممثل لمشاعره وشغفه في العمل المسرحي في كل مرة يصعد فيها المسرح ليجسد الدور نفسه هو الأساس الذي يتعلمه الممثل ويكتسبه بالخبرة "الأمر نفسه أمام الكاميرا، وهذه حرفية يكتسبها الممثل، بالتأكيد هناك صعوبة وهذه من صعوبات المهنة".

وتعبّر عن متعتها بالمسرح أكثر بالصعوبات التي يتضمنها، لأن ذلك يشعرها بمتعة المسرح، خاصة عندما تكرر النص نفسه مع المشاعر ذاتها كل يوم.

وعن سبب قبولها الدور تقول "اطلّعت على النص وأحببته كثيراً، أحببت أن نقدم هذه القضية، وخلال التدريبات كنا نقوم ببعض الإضافات".

وتعتبر سيرينا الشامي أن قضية "أمل" تشبه كل النساء، وتوضح "هذا الضياع الذي تعيشه "أمل" هو ضياع يعيشه كل البشر لا النساء حصراً، ولكن المرأة أكثر ولاسيما في مجتمعنا لأن المرأة تتعرض لضغوطات كثيرة، وأن تكون مطلقة فذلك يرفع من منسوب الضغط عليها، فحقوقها مسلوبة منها في المحاكم الروحية وهي غير متساوية مع الرجل".

وعن أكثر المشاهد الكوميدية التي أضحكتها في المسرحية، تقول "مشهد اليوغا كنا نضحك كثيراً خلال التمرينات"، وهو المشهد الذي أضحك كل أفراد المسرحية. وتوضح "خصوصاً أن الأفكار كانت تتبادر إلى أذهاننا ونحن نتدرب على المشهد، وكل فكرة تعجبنا كنا نقوم بتثبيتها".

 

 

"أبكي وأشفق على أمل"

وتكشف سيرينا الشامي أنها بكت مراراً على المسرح، وتقول "بكيت كثيراً، في كل عرض أبكي في أكثر من مشهد ولكن لست أنا سيرينا من تبكي بل "أمل"، أنا أعيش حالة أمل على المسرح، وفي ذروة المشاعر تشعر أمل بغصة فيكون التعبير عنها بذرف الدموع".

وأضافت "يؤثر بي مشهد المرآة كثيراً، إذ أكون مندمجة بشخصية أمل، وهو مشهد صامت، عندما تدخل أمامي وفاء وكأنها أنا أظهر في المرآة، ولكن في هذه اللحظة أفكر بأمل التي تفكر بحياتها السابقة السعيدة برفقة زوجها، أحلامها التي كان يغمرها الحب، ثم تشعر أمل بالشفقة على نفسها، بين الشعور بالشفقة على نفسها، والحزن على نفسها والاشتياق إلى نفسها كامرأة سعيدة كانت تضحك، هنا أتصور أمل كيف كانت تبكي على نفسها وأذرف الدموع لشعوري بالوجع عليها".

وعن تقديم قضية جدية بقالب كوميدي، تقول "لم يتم تقديم المسرحية بقالب كوميدي لأن الجمهور يحب ذلك، أعتقد تم تقديم العمل بهذه الطريقة لأن هذا أسلوب حياة الانسان. عندما نقدم القضية بقالب كوميدي نكون أقرب إلى الناس وندخل قلوبهم، ولكن إذا قمنا بتقديم النصائح للجمهور الذي يشاهدنا لن يتقبل فكرة الوعظ، لكن عندما ندخل بطريقة أذكى عبر الكوميديا نخترق قلوب الجمهور من دون إذن".

وتعتبر أن قضية المرأة هي من أهم القضايا التي يجب تسليط الضوء عليها لأنها "الأساس نحن نتحدث عن إنسان، عن نصف البشرية، والذين يعيشون في مجتمعنا في ظل غياب العدالة. أتمنى أن نصل إلى زمن ننتهي فيه من هذه القضايا ولا نحتاج للحديث عنها"، وتعبّر عن أسفها لأنه ما زالوا يتناولون مثل هذه القضايا في المجتمع حتى اليوم.

وتشير إلى أن هناك انسجاماً كبيراً بينها وبين زميلاتها في العمل، هذا الانسجام حصل من دون أي مجهود. مضيفة "ما يجمعنا هذه المسرحية التي نحبها وهذه القضية التي تتناولها، نحن نقدم هذه العمل من قلوبنا".

 

"الناس متعطشة للمسرح"

بعد 18 عرض مسرحي تم تقديمه في آذار/مارس الماضي، عادت المسرحية في 23 حزيران/يونيو على مسرح مونو في الأشرفية، عن أصداء العودة تقول سيرينا الشامي "من بعد 18 عرض كانت فيه الصالة ممتلئة، كنا ندرك أن هناك عدد كبير من الأشخاص الذين يرغبون بمشاهدة المسرحية ولم تتح لهم الفرصة بمشاهدتها سابقاً فقررنا العودة، ولكن بالتأكيد شعرنا بالخوف في البداية وكان الأمر مقلقاً لنا، إلا أن العرض الأول كان رائعاً والجمهور تفاعل معنا وأحب العرض".

وعن العودة إلى المسرح في ظل تأثير الأزمة الاقتصادية، تقول "شعرنا بالخوف في المرة السابقة أكثر من الآن، لأن المسارح لم تكن قد فتحت أبوابها بعد، كنا نشعر بالخوف بسبب غلاء المعيشة وأزمة المحروقات، ولكن عندما نرى هذا الاقبال على المسرح، نعود ونتذكر أن المسرح الذي يظهر وكأنه للنخبة هو من أساسيات الحياة وهو الذي يغذي الروح ونفاد البطاقات لا يعني أن الناس تملك المال بل لأن الناس بحاجة ومتعطشة للمسرح".