برقصاتها على المسرح تروي قصة النزوح
الرقص المسرحي يمثل ثقافة، وتاريخ شعب، طوره الناس ليعبر عن مجموعة متنوعة من العواطف فمن خلال الحركات تعرض قصة، أو حال الإنسان وتجاربه وتعبيره عن ذاته معاناته وسعادته
نورشان عبدي
كوباني ـ الرقص المسرحي يمثل ثقافة، وتاريخ شعب، طوره الناس ليعبر عن مجموعة متنوعة من العواطف فمن خلال الحركات تعرض قصة، أو حال الإنسان وتجاربه وتعبيره عن ذاته معاناته وسعادته.
الرقص المسرحي شكل فني يمكن اعتباره مصدراً للترفيه، ولكنه وسيلة للتعبير، تطور على مر التاريخ إلى عدة أنواع لكنه حافظ على بعض العناصر التقليدية الخاصة به، أمل عبد الحنان ابنة مدينة عفرين بشمال وشرق سوريا عشقت المسرح وتعمقت في هذا الفن وأبدعت فيه، منذ التعسينيات وحتى اليوم.
تقدم 56 دبكة تراثية خاصة بثقافة أهالي عفرين
تروي أمل عبد الحنان (36) عاماً قصة نزوحها من خلال رقصاتها على المسرح، وتقول أن زواجها لم يؤثر على شغفها بالرقص، ولم يمنعها مجتمعها الذي وصفته بالمتحرر، أو إنجاب طفل من الاستمرار بهذا الشغف كما تسميه، "تعلمت الرقص وعمري 9 أعوام، وأذكر أني صعدت مسرح دمشق لأول مرة منذ 24 عاماً".
تقدم 56 دبكات تراثية خاصة بثقافة أهالي عفرين وتعلمت ذلك من والدتها عندما كانت النساء ترقصن على ألحان الأغاني الفلكلورية في الأعراس ومختلف الاحتفالات.
تقول عن مشاركتها في دمشق "بالنسبة لي شكل مسرح دمشق أول تجربة للرقص المسرحي، وكان عمري حينها 12 عاماً، حينها انتابتني مشاعر غريبة، السعادة والخوف أيضاً، فأنا أقدم عرض على مسرح في مدينة كبيرة كدمشق للمئات من المشاهدين"، مضيفةً "بعد ذلك انطلقت لتقديم الرقصات على عدة مسارح وكانت المرة الثانية في عفرين عندها شاركنا كفرقة عفرين الكردية في المهرجانات كمهرجان أهلاً بكم في رمضان، ومهرجان أهلاً بكم في سوق الإنتاج، شاركت بخمسة مهرجانات في عدة مدن بسوريا".
وتابعت "المسرح ليس مجرد خشبة، فعندما يكون المرء فنان ويعرف المعنى الحقيقي للمسرح وأهميته سيقدم شيء لصالح المجتمع"، مضيفةً "عندما أصعد المسرح أشعر بأنني ملكته ولن يستطيع أي أحد في العالم إيقافي. أمتلك موهبة الرقص المسرحي وأيضاً موهبة التمثيل. أستطيع أداء شخصيات مختلفة، وأؤدي الرقصات التي تعبر بمعظمها عن المرأة وحقيقتها. من خلال تلك الرقصات أظهر حقيقة المرأة التي تستطيع النضال والمقاومة".
"مسرح عفرين له مكانة خاصة"
وبينت أمل عبد الحنان أنها عملت على تدريب فرق الرقص الفلكلوري، وكذلك رقصت في العديد من المسارح "اكتشفت موهبتي عندما كان عمري 9 سنوات، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم أشارك في كافة الفعاليات والمناسبات العامة والخاصة بالمرأة أيضاً، ولكن مشاركاتي في عفرين ومسرح عفرين لها مكانة خاصة لدي"، مبينةً أن مجتمع عفرين متحرر يتقبل فن الرقص.
وأضافت "عندما أصعد مسرح عفرين أشعر بأنه يملكني وأنني عاشقة له، في المرة الأولى التي صعدت فيها على المسرح شعرت بأنني ولدت من جديد، وأنني طفلة المسرح المدللة، ذاك الشعور لا يوصف عندما يكون المرء محب لموهبة ويحققها بكل إصرار وثقة ويلقى الدعم من مجتمعه".
النزوح
النزوح من أصعب اللحظات التي عاشتها أمل عبد الحنان "كنت في عفرين عند هجوم تركيا ومرتزقتها عليها، واعتبر أن من أصعب اللحظات التي مررت بها هي مشاهدتي للآلاف من الناس وهم ينزحون مكرهين"، مضيفةً "الأيام الأولى من النزوح صعبة جداً كانت مأساة، تركنا خلفنا منازلنا وعفرين، وعشنا في المخيمات".
واستذكرت الأيام الأخيرة التي عاشتها في عفرين "قبل أيام قليلة من احتلال عفرين كنا كمركز ثقافي نتحضر لاستقبال يوم المرأة العالمي، ولكن بسبب تكثيف الهجمات ألغيت الاحتفالية وتحولت لمظاهرة مستنكرة للاحتلال، كانت لحظات موجعة وكأنني تائهة، دون روح"، مضيفةً "خرجت مع عائلتي، وتوجهنا صوب الشهباء ولكنني لم أستطع ممارسة موهبتي وكنت أعيش على أمل العودة إلى مسرح عفرين".
وأضافت "أعيش على أمل عودتي مرة أخرى لمنزلي في عفرين وأن أقدم موهبتي على مسرح جميل هورو، علينا أن نبقى صامدين بوجه العدو مهما كان قوياً فقوة وإرادة أهالي عفرين ستكون أقوى من الاحتلال".
طبيعة المجتمع في صرين تختلف بشكل جذري عن مجتمع عفرين وهو ما عايشته أمل عبد الحنان عند قدومها إلى بلدة صرين "منذ 3 أعوام أتيت إلى بلدة صرين، وكانت من أولى خطواتي هي تقديم طلب للانضمام إلى المركز الثقافي للفن، وطلبت الدخول لمجال الرقص. لقد كان مجرد طرح هذا الموضوع مضحك بالنسبة لهم بكون مجتمع صرين عشائري متحفظ"، مبينةً أن الكثير من النساء لا تتجرأن على إظهار مواهبهن نتيجة للعادات والتقاليد التي تسيطر على حياتهن "حاولت من خلال انضمامي للمركز الثقافي في صرين تطوير النساء من ناحية الفنون، ولذلك زاد إصراري على تقديم موهبتي في هذه المنطقة".
تعمل أمل عبد الحنان كمعلمة لفرق الرقص الفلكلوري في صرين، وتقوم أيضاً بتدريب فرقة لأطفال الروضة "بالنسبة لي فإن الفعاليات والتدريبات الخاصة بالأطفال من أهم ما أقوم به، لأني أساهم في تربية الأجيال على حب الفن، ولأن براءة الأطفال تعطي المسرح جمالاً وسعادة".
وفي ختام حديثها أكدت أمل عبد الحنان على أهمية الفن "عندما أنظر لوجهي في المرآة أستطيع خلق تعابير مختلفة أعبر عما بداخلي بالرقص والمسرح، ولذلك أتمنى من كل النساء في كافة المجتمعات ألا يكبتن مواهبهن مهما كانت الأسباب".