بهيّة مرتضى: أبو الفنون عشقي... وعند إغلاق المسارح كنت مثل الميتة

عاش المسرح في المغرب أكثر من عام ونصف ركوداً ملحوظاً، وذلك بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، الأمر الذي فرض على السلطات في منتصف آذار/مارس 2020، إلى توقيف كافّة الأنشطة والبرامج الفنية التي كانت تمتّع الجمهور على امتداد عام كامل، لكن بعد تخفيف القيود المفروضة لمواجهة الوباء، وفي ظل تسجيل انخفاض في معدلات الإصابة والوفيات، وتقدم عملية التطعيم في أفق تحقيق المناعة الجماعية، أعلن في بداية حزيران/يونيو الجاري، عن إعادة افتتاح المسارح والقاعات السينمائية من جديد

حنان حارت 
المغرب ـ .
الفنّانة المغربية بهية مرتضى، من الوجوه النسائية البارزة في المسرح، تمارس مهنة المسرح منذ 22 عاماً، وفي عام 2008 أسست فرقة مسرحية أطلقت عليها اسم "بهيّة فنون"، ومن بين أهم أعمالها المسرحية "المنجج"، "خلي الجمل راقد"، "صلاح بلادي"، "أميرة العرائس"، "المهرج والزنبق"، كما تعكف حالياً للعمل على مسرحيتين هما "السادات"، و"الكنز الثمين". 
في حوار معها تحدثت بهية مرتضى عن الحركة المسرحية في المغرب، وكيف استقبلت خبر إعادة افتتاح المسارح؟ وماهي الدروس المستفادة من الجائحة على المستوى الفنّي في البلد؟ وماهي الحلول المقترحة لاستعادة أبو الفنون لِسالفَ إشعاعه؟ وماهو تقييمها لمشاركة المرأة في المجال الفني؟ وكيف تجسّد المرأة في أعمالها المسرحية؟
 
بعد عام من إغلاق المسارح في المغرب بسبب جائحة كورونا، أعلنت السلطات المغربية أخيراً عن إعادة فتحها، كخطوة لإعادة الروح من جديد لهذا القطاع، كيف استقبلت بهية مرتضى هذا الإعلان؟
أبو الفنون عشقي الكبير، وخلال مدّة إغلاق المسارح في المغرب بسبب وباء كورونا، كنت أشعر أنّي ميتة، أتلهّف للعودة إلى الركح (الساحة) من أجل استنشاق هوائه، ومن أجل لقاء الجمهور والإبداع فوق خشبة المسرح، وفي الحقيقة حين سمعت الخبر ذهبت إلى المسرح وصعدت إلى الخشبة وبدأت أتنفس بعمق وأستنشق الهواء، لقد انتابتني فرحة كبيرة، وشعرت بأنّ الروح تعود إليّ من جديد، فالشعور الذي أحسست به لا يمكن وصفه بالكلام، ولكن يمكن التعبير عنه فوق خشبة المسرح.
 
ما هي الدروس المستفادة من هذه الجائحة على المستوى الشخصي وفي الشأن المسرحي؟
هناك دروس كثيرة استفدت منها خلال هذه المرحلة؛ فعند الإعلان عن أول حالة إصابة بكورونا، وبعدما بدأت الأعداد ترتفع وأعلنت السلطات في المغرب عن الحجر الصحي وإغلاق مجموعة من القطاعات الحيوية ومنها المسارح، تأزّمتُ نفسياً وذلك لمكوثي في البيت باستمرار، لكن سرعان ما تداركت الأمر، قمت بتقييم بعض التفاصيل في حياتي ووقفت على بعض الأخطاء وبدأت بمعالجتها، وقمت بالتسجيل في دورات تدريبية عن بعد حول التنمية الذاتية والتواصل، كما أصبحت أكثر وعياً وإلماماً بالتكنولوجيا الرقمية وكيفية توظيفها في المسرح.
 
برأيك هل يمكن استثمار موضوع جائحة كورونا في الأعمال المسرحية المغربية، خاصة وأنّها تشكل مادة خصبة؟
نعم، ستظهر بعض الأعمال التي تتحدث عن هذه الجائحة التي ألمّت بالعالم وعانى منها الإنسان وحصدت ملايين الأرواح، وسنرى بالتأكيد في المغرب أفكاراً مرتبطة بذلك سواء سينمائياً أو مسرحياً، وهذا شيء إيجابي لأنّ الفنان يمثّل نبض المجتمع.
ستظهر أعمال تجسّد هذه الفترة، فانطلاقاً من شخصيتي لم أكن أتصور نفسي أنّه سيأتي يوم وسيتم تكميم أفواهنا، ولا يمكننا السفر، وعدم الجلوس في المقاهي، وكذلك نعيش التباعد الإجتماعي، يعني حياة جديدة نعيشها خلال هذه الفترة لا تنسى ولا يمكن إلا أن يتم تخليدها فنياً.
 
بنظرك ما الذي يجب التركيز عليه خلال هذه المرحلة لتقوية هذا القطاع في وجه الأزمات؟
برأيي أنه من أجل تقوية القطاع الفني في المغرب، نحن في أمسّ الحاجة لسياسة فنية عمومية واضحة، ومن هذا المنطلق نناشد الحكومة والوزارة والبرلمان المغربي، كما نأمل من الحكومة المقبلة إعطاء دفعة قوية للتشريعات القانونية المرتبطة بالفنان.
 
عموماً كيف تقيمين المشهد الفني في المغرب والوضع التنظيمي والقانوني للمهنة؟ 
رغم الجمود الذي عرفه المجال في بدايات ظهور وباء كورونا، إلا أن المشهد الفني المغربي شهد قبل فترة وباء كورونا ولسنوات طفرة نوعية مهمة، جعلتنا نعيش مسارات مختلفة عما عاشه الرواد، فاليوم نحن نعيش عصر بطاقة الفنان المهنية، ولن أنسى التغطية الصحية التي تعد عنصراً هاماً في حياتنا كفنانين معرّضين للأمراض والمتاعب.
هذه المكاسب تحققت بفضل نضال الفنانين في إطاراتهم النقابية؛ وهي المكاسب التي طالما كانت مجرد حلم، لكنها تحوّلت إلى واقع، إلا أنّه رغم ذلك لا زلنا ننتظر تفعيل قانون الفنان حتى يصبح أمراً واقعاً ننعم بحمايته، أمّا الوضع الإبداعي فلا يمكن لأحد أن يقول إنّ الفن في المغرب لم يشهد تطوراً ملموساً وواضحاً، من خلال ما انتجه العاملين فيه.
وعموماً أرى أننا نعيش مرحلة انتقالية هامة فيها العطاء والإبداع والاجتهاد، لكن مع ذلك فهي لا تخلو من بعض النواقص التي يجب سد فراغاتها حتى نبدع.
 
تعشقين العمل على المسرح، وأسست فرقة مسرحية تتولين إدارتها فنياً، ما رأيك في تعدد مهمات المسرحي؟
هناك من يقوم بذلك بدافع توفير المال، ولكن أنا ضدّ هذه الفكرة لأني أؤمن بأن لكل مقام مقال؛ فكل شخص يبدع في مجاله، في رأيي عندما يبدأ العرض فوق الخشبة؛ الممثل لا يجب أن يفكر في أي شيء آخر، ولا بد له أن يتفرغ من أي مسؤوليات أخرى حتى يتمكن من الأداء بصدق ويقنع الجمهور، وبالنسبة لي بعد تأسيسي للفرقة نادراً ما مارست مهنة التمثيل، إذ أصبحت أتجه أكثر إلى الإدارة الفنية، وهناك مسألة أخرى سأشير إليها، وهي أن هناك بعض الفنانين يعملون في أكثر من عمل في وقت واحد، لكن بالنسبة لي لا أحبذ العمل في عملين أو أكثر في آن واحد، إذ أفضّل التركيز في عمل مسرحي واحد حتى أنهيه وبعدها انتقل إلى عمل آخر.
 
بهية مرتضى حاضرة بقوة في المسرح، هناك من يتساءل عن سر غيابك عن الساحة الفنية في المجال التلفزيوني والسينمائي؛ فهل يا ترى هو اختيار أم وضع فرض عليك؟
هو ليس اختيار، بالنسبة للسينما لم تتح لي أية فرصة، أما التلفزيون فكانت هناك بعض المشاركات البسيطة والتي تركت فيها بصمة، وربما سبب ابتعادي عن السينما والتلفزيون يعود لعدم رغبتي في تشخيص بعض الأدوار ولمحاولتي اختيار ما يناسبني في التلفزيون، وربما أيضاً لوجود فئة من المخرجين الذين يرغبون في التعامل مع فئة معينة من الفنانين مع تغييب وجوه أخرى، وربما لأن المقابل المادي يكون هزيلاً ولا يمكن القبول به، بالإضافة إلى أني لا أحب التملّق؛ يعني كل هذه العوامل يمكنها أن تكون سبباً في غيابي عن التلفزيون والسينما، ولكن رغم هذا الغياب، إلا أنني أعوضه بحضوري القوي على خشبة المسرح.
 
كونك فنانة مغربية، ماهو تقييمك لمشاركة المرأة في المجال الفني؟
المرأة المغربية حققت نجاحاً في مختلف مجالات الحياة ومن بينها مجال المسرح، حيث استطاعت العديد من الفنانات التعبير عن موهبتهن وقدرتهن الإبداعية وترك بصمتهن من خلال أعمال ستظل راسخة في ذاكرة الجمهور.
كما تعكس المسرحيات المتميزة التي قدمتها ممثلات مغربيات سواء تعلق الأمر بجيل الرواد أو جيل الشباب، الدور الكبير الذي كانت ولا تزال تلعبه المرأة المغربية في المشهد المسرحي بمختلف أدواره وعناصره، حيث راكمت مع مرور السنوات تجارب هامة في هذا المجال.
هناك بصمة كبيرة تركتها المرأة المغربية في مجال المسرح سواء كانت ممثلة، مؤلفة، مخرجة أو تقنية، وهي شريكة للرجل في صناعة المشاهد المسرحية، حيث تألقت وتميزت العديد من الأسماء في هذا المجال بالمغرب، وهناك ممثلات مغربيات استطعن منافسة الرجال في مجال المسرح في مهرجانات كبرى وتمكنّ من انتزاع جوائز مهمة.
وإذا عدنا إلى فترة الأربعينيات من القرن الماضي سنجد أن المرأة المغربية لعبت دوراً كبيراً في الحركة الثقافية والفنية خلال الفترة التي تأسست فيها جمعيات أدبية مغربية لمناهضة الاستعمار من خلال العمل الفني وأساساً عبر المسرح والموسيقى، لكن تظل الانطلاقة الحقيقية لمشاركة المرأة في الدراما المغربية عموماً والمسرح على وجه خاص في منتصف الخمسينات.
 
هل أنتِ مع الحرية المطلقة للنساء المغربيات بصفة عامة، وكيف تعملين على تجسيد المرأة في أعمالك المسرحية؟
أنا مع حرية المرأة في العمل والسياسة، ولكن في إطار الحرية الفردية هناك حدود يجب الوقوف عندها ولا يمكن تجاوزها، فأنا أؤمن بأن هناك مبادئ إضافة إلى التربية والأصالة، لابد أن تظل تحكم المرأة مهما تطورت عقلية المجتمع، وهذا ما أحاول نقله على خشبة المسرح، فالمرأة المغربية بات لها اليوم وزن داخل المجتمع بفعل القوانين التي تنصفها، ولهذا نحاول إبراز قيمة المرأة في المجتمع مع التطرق إلى مواضيع تبين الجانب المشرق وأيضاً نضال وكفاح المرأة المغربية رغم كل الظروف.