باحثات تسعين لإحياء التراث بترميم المخطوطات

يعمل فريق نسوي على ترميم المخطوطات الأثرية، وتأملن أن تحظى باهتمام وعناية دولية، لإنقاذ المزيد من الكتب والوثائق في غزة.

رفيف اسليم

غزة ـ في غرفة ضيقة تجتمع عدة عصور وحضارات مختلفة عاشتها فلسطين، بين يدي فريق مكون من 9 باحثات، اتخذن على عاتقهن إعادة إحياء التراث من خلال ترميم عدد من المخطوطات والكتب الهامة التي جمعت ثقافات وعلوم مختلفة كاد أن يصبح مصيرها التلف دون أن ترى النور.

تقول المديرة التنفيذية لمؤسسة عيون على التراث والمشرفة على المشروع حنين العمصي أنها سعت على مدار سنوات عديدة إلى جمع عدد من المخطوطات التي حصلت على بعضها بتبرع من شخصيات وعائلات مرموقة وأخرى تركت في البيوت القديمة والمكتبات وعلى أسطح بعض الأفران الطينية حيث كانت تجهز للحرق.

وأوضحت أنه "هناك عشرات الوثائق التي خطها علماء في نهاية الفترة العثمانية لم يطلع عليها أحد خاصةً المخطوطات، على الرغم من المعلومات القيمة العلمية التي كانت تحتويها في مجالات مختلفة في الفلسفة والتربية والتعليم والنقد والتاريخ والجغرافيا والأدب والفلك والصوفية والعقيدة والفقه والترجمة وعلوم أخرى".

ولفتت إلى أنه قد سبق لها الإشراف على مشروع مماثل عام 2019 نفذته دائرة المخطوطات والآثار في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالتعاون مع الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة، فكان من السهل عليها تدريب الطاقم الحالي الذي يجمع شابات من اختصاصات جامعية مختلفة، للعمل بشكل جاد كي تصبح تلك الشهادات والوثائق مرقمنة عبر فضاء الإنترنت يستطيع الباحثين/ات الوصول إليها بسهولة.

ويعد عدم إدخال الأدوات اللازمة كي تتم عملية الترميم الدقيقة بالشكل الصحيح من أبرز الصعوبات التي تواجهها حنين العمصي، آمله أن تحظى تلك المخطوطات القديمة التي تثبت حق الفلسطيني بأرضه وملكيته لها باهتمام وعناية دولية، ليتم العمل بشكل أوسع وإنقاذ المزيد من الكتب والوثائق.

 

 

ومن مرحلة الجمع إلى الترميم والتنظيف الجاف التي تتولى رنيم شعبان مهامها، حيث ترتدي قفازها قبل البدء بأي خطوة كون أي خطأ في التعامل مع تلك الأوراق قد ينهي وجودها، لافتةً إلى أنها تتعامل مع مخطوطات ترجع لآلاف السنين تحملت تقلبات الجو والرطوبة وخلافه من عوامل ضغط كادت تؤدي بها، وبما أنها صمدت ووصلت إليها، فحرياً بها أن تكون بمنتهى الحرص خلال تعاملها معها.

وحول مراحل الصيانة التي تقوم بها تقول "الصيانة الوقائية تمر بأربع مراحل حيث يصل الكتاب ألينا ليقوم الطاقم الموجود بالاطلاع عليه ليعطوا أرقاماً للصفحات وتتأكدن من عدم وجود صفحة مفقودة أو خلل في الموضوعات من خلال مطابقة المعلومات الواردة مع النص والتحري كونها غير دخيلة على الكتاب، ليتم التنظيف الجاف بالكحول في خطوة لاحقة كي يتم اختبار الحبر كربوني أو حديدي كان، لمعرفة إمكانية التفشي من عدمه، ومن ثم ينظف من العوالق والحشرات".

وأشارت إلى أنه يتم استخدام اسفنجة مصنوعة من ألياف الفينيل في التنظيف، ومن ثم تنتقل الوثيقة لمرحلة أخرى وهي إعداد التقارير والمعلومات الخاصة بالكتاب أو المخطوطة المراد صيانتها ككتابة اسم المؤلف، والموضوع، وسنة النشر أو الفترة الزمنية التي يرجع لها، ومن ثم يتنقل لمرحلة الأرشفة تمهيداً لوضعه داخل صناديق خالية من الأسيد كي تنتقل إلى المرحلة الأخيرة للحفظ في خزائن مصنوعة من حديد.

 

 

وفي القسم الرابع من الأرشيف تستلم دعاء دويمة المخطوطات وتراجعها من الفقد أو الأوراق التالفة مرة أخرى ومن ثم تواصل تصوير الكتاب بمعدات دولية مصدق عليها من الخارج ليتم أرشفته رقمياً بنظام أرشفة عالمي مختص بأرشفة الوثائق التاريخية المعتمدة دولياً من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، داخل استوديو متخصص بالأرشفة الرقمية هو الأول من نوعه في غزة، والتابع لمؤسسة عيون على التراث.

وأوضحت أنه في حال وجود أوراق متآكلة داخل الكتاب أو المخطوطات يوضع ورق نشاف تحت الورقة ليسهل تصويرها بشكل أوضح، لافتةً إلى أنه بعد تلك الخطوة يصبح الكتاب مؤرشف بالكامل ويرفع على موقعين معتمدين على شبكة الإنترنت، لتصبح المخطوطات جاهزة كي يطلع عليها جميع الباحثين/ات والدارسين حول العالم.

 

 

ويقضي الطاقم النسائي ساعات من العمل الطويل والجاد كخلية النحل بإشراف حنين العمصي، التي تتولى بدقة كل خطوة يقوم بها أحد أفراد فريقها مع العناية الكاملة بتسلل الخطوات التي تسلم المخطوطة من مرحلة لمرحلة مع كثير من التعليمات المرافقة لهن طوال اليوم والجهد الذي تبذلنه ليحظوا في النهاية بفرحة وليدهم الجديد.