"أتيله غزة" محطة لانطلاق الفنانات للتعبير عن قضايا النساء المختلفة
يعد أتيله مساحة للفنانات للتعبير عن ذواتهن والتحرر من قيود المجتمع التي تحد من إبداعهن وتجعلهن تقبل بالتقليل منها أو ممارسة العنف بأشكاله عليهن أو حرمانهن من تحقيق أهدافهن.
رفيف اسليم
غزة ـ تأسس أتيليه غزة بمشاركة عدد من الفنانات التشكيليات، بهدف إيجاد موطن لهن بعيد عن هيمنة الرجل الذي عادةً ما ينسب الإنجازات لنفسه، ولإيجاد مكاناً يحتضن الشابات ويساعدهن على تطوير قدراتهن، وللتعبير بالدرجة الأولى عن قضايا النساء المسكوت عنها كون الفن أداة من أدوات التغير في المجتمع.
أوضحت منسقة وصاحبة فكرة أتيليه غزة داليا عبد الرحمن، أن الأمر بدأ عندما اكتشفت عدم وجود مكان خاص بالفنانات التشكيليات في قطاع غزة، فقررت هي إيجاد ذلك المكان من خلال عرض الفكرة على عدد من المؤسسات التي لم تلقى دعم لها سوى من جمعية الشابات المسيحيات بغزة، ليتم منحها مرسم بحاجة إلى إعادة ترميم كي تتخذه مقر لمساعدتها على إيصال رسالتها.
كانت داليا عبد الرحمن، ترغب أن يكون هناك مكان خاص بالنساء لتستطعن الخروج للمجتمع بأفكار تعبر عن واقع المرأة ومعاناتها دون أن يجمل أحد تلك المعاناة أو يلقي عليها الطابع الذكوري، فبدأت برفقة 7 فنانات تجديد المرسم على نفقتهن الخاصة والعمل على دعوة الشابات الصغيرات كي تلتحقن بهن وتستفدن من خلال الاحتكاك لنقل التجارب المختلفة.
وقالت "التحق بالمرسم عدد من الشابات اللواتي تخرجن من كلية الفنون حديثاً، وأمضوا عام كامل في نقل الخبرات وتطوير الأفكار للتعبير عنها بشكل جيد من خلال نقلها على الورق أولاً ومن ثم للوحة بعد سلسلة من التعديلات المتفق عليها، وقد فازت الكثيرات منهن فيما بعد بجوائز لمسابقات دولية"، مبدية سعادتها كون هؤلاء طالباتها وصديقاتها اللواتي لم تدخر جهداً في دمجهن للانفتاح على عالم الفن عبر المشاركة في الأنشطة والمعارض.
وبحسب داليا عبد الرحمن، فقد تمت زيارة الأتيليه من قبل عدد من النساء اللواتي يهوين الفن فقررت بدورها دمج الفن بالعلاج النفسي من خلال دورات النحت بالصلصال والخزف والرسم لتلقى تلك التدريبات رواجاً، لافتة أنها كانت تسعى لأن تكون تلك الفعاليات بالتزامن مع المناسبات الخاصة بالمرأة كيومها العالمي في 8 من آذار، كما أنها سعت لرسم الجداريات بمشاركة تلك النساء وأطفالهن كي يقاسمنها الإنجاز والفرح.
وأضافت أنه مع مرور الوقت ازداد إقبال النساء على تلك اللقاءات لكنها لم تسطع أن تمضي قدماً بسبب غياب التمويل وعدم قدرتها على تغطية تكلفة المواد الخام باهظة الثمن، مشيرة إلى أنه كان من الصعب عليها أن تطلب من تلك النساء والفتيات اللواتي تعانين من العنف وضغوطات المجتمع مقابل مادي، ففضلت الاستمرار بتمويل تلك الأنشطة إلى حين إيجاد ممول يؤمن بفكرتها.
وأوضحت أن الأتيليه شارك في معارض مختلفة منها خارج الدائرة1،2 الخاص بالمرأة والتراث، ومعرض "ذات" الذي عبر عن قضايا النساء وحقوقهن المسلوبة في ظل غياب قوانين ناظمة تخفف من عبئ تحديات إثباتهن لذاتهن، وقد منعت خلاله بعض اللوحات من العرض بحجة أنها تبرز الجسد ضاربين بالفكرة المفترض إيصالها عرض الحائط، لافتة أن "أصوات من المحيط" رصد تأثر النساء بالمجتمع وتأثيرهن عليه، وهي بصدد التحضير لمعرض جديد.
وبدورها بينت الفنانة فداء الحسنات، أنها التحقت بأتيليه غزة لأنها وجدت من خلاله مساحة للتعبير عن ذاتها في اللوحات المختلفة، كونها امرأة فلسطينية تشكلت شخصيتها إثر حروبها المستمرة مع المجتمع ورغبتها في انتزاع حقها بالعيش حياة طبيعية، مضيفة أنها واجهت صعوبات بنشر لوحاتها كونها غير لائقة حسبما وصفها بعض النقاد لتنشر تلك القصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتلقى دعم كبير، لتباع اللوحة خارج فلسطين.
وبينت أن المساحة التي وفرها الأتيليه هي التي ساعدتها على الوصول للنضج خلال تطبيق الأفكار على اللوحة، كون جميع الفنانات تدعمن بعضهن البعض وتقدمن النصيحة ليظهر العمل بأبهى حلة ممكنة، لافتة إلى أن إحدى الفوائد لتجمعهن في مكان واحد خلال 8 لقاءات في كل شهر هي العصف ذهني حول الأفكار ورسم اسكتشات والكثير من المناقشات حول المواد الخام المناسبة والتقنيات المناسبة للتطبيق.
ونوهت إلى أن الشابات ترغبن من خلال أعمالهن التعبير عن أنفسهن وعدم حجر أفكارهن في نقطة معينة والتحرر من قيود المجتمع التي تحد من إبداع المرأة وتجعلها تقبل بالتقليل منها أو ممارسة العنف بأشكاله عليها أو حرمانها من هدف تحلم بتحقيقه لمجرد كونها فتاة ولا يحق لها الخروج عن الدائرة التي رسمت لها، لتسجن هي داخل لوحة المجتمع.
لميس الشريف أحبت الفكرة كون صديقات الجامعة ستجدن بعد سنوات عدة مكان يجمعهن من جديد بعيد عن الذكورية ورغبة الرجل في نسبة الإنجازات لنفسه، دون الأخذ بعين الاعتبار أن النساء مبدعات وبإمكانهن الحديث عن مختلف القضايا من خلال لوحات تخاطب الأعين وتوجه رسالة للمجتمع بالحد من تدخلاته وإعطاء الفرصة لأعمالهن كي ترى النور.
وأكدت أنه من المهم أن يكون هناك مكان يجمع الفنانات لتطوير أفكارهن ومحاولة إيجاد أساليب مختلفة لتعلم مهارات مختلفة، مشيرة أنه من أبرز الصعوبات التي يواجهنها هو المجتمع الذي يرغمهن على الخضوع لمحدداته على الرغم من الحالة التي يعيشها الفنان وسيطرتها بالتالي على الرغبة بالتعبير عنها بعيداً عن أي قيود، لافتة إلى أن المرأة والمدينة عامل مشترك في مواجهة الضغط لذلك عبرت عنهما خلال لوحاتها بالصبارة والمباني حولها.
وأشارت إلى أنها دوماً ما تدخل بلوحاتها عناصر الموسيقى أيضاً لإضفاء الحيوية على فنها، مؤكدة أنه من المهم دمج الفنانات الشابات بالجيل اللاحق من خلال آليات تعليمهن والتعلم منهن أيضاً لردم الهوة كون تلك الأجيال هم من سيحملون فيما بعد التعبير عن قضايا المرأة عبر الفن ودعمها لأن تكون موجودة في مراكز القوى المختلفة.