آني كوركدجيان... تتحدى المجتمع وقيود الهوية من خلال الرسم
من قساوة الملاجئ التي فرضتها الحرب الأهلية اللبنانية عليها إلى مقتل والدها بطريقة وحشية وصولاً إلى جائحة كورونا، تواصل الرسامة الأرمنية، اللبنانية آني كوركدجيان البحث عن هويتها من خلال الرسم
كريستيان واكد
بيروت- ، وتحدثت لنا عن مسيرتها من خلال حوار.
حدثينا عن خلفيتكِ التي من خلالها أصبحتِ رسامة تشكيلية؟
والداي أرمنيان سوريان هاجرا إلى لبنان في عام 1966، بسبب ظروف عمل والدي الذي أراد تأسيس شركة مجوهرات. في عام 1994حصلا على الجنسية اللبنانية، لم يتنبأوا للأسف بانفجار الحرب الأهلية في لبنان (1975 ـ 1990) التي اجبرتنا على العيش منذ أن كان عمري سنتين وإلى أن أصبحت في الثامنة عشر من عمري، مختبئين في الملاجئ. برودة الملاجئ والملل جعلاني أتخيل كيف ستكون طفولتي لو كنت أعيش في ظروف طبيعية، وهنا بدأت أرسم ما كنت محرومة منه فكنت أمسك ببعض الأوراق وأقلام الرصاص، فارسم فتاة على دراجة أو في حمام سباحة أو أي نشاط لم أتمكن من القيام به في ذلك الوقت.
تخرجت من مجال إدارة الأعمال في عام 1995، وبعد تخرجي مباشرة بدأت العمل في أحد البنوك ولكنني ببساطة لم أشعر أن بإمكاني أن أواصل هذا العمل. شعرت وكأنني أموت روحياً وأصبحت مثل الرجل الآلي، وعندما قررت ترك وظيفتي، عارضتني أمي بشدة؛ لأنني برأيها كنت سأترك خلفي حياة لائقة ومريحة تماماً لكنني لم أتردد لثانية واحدة. أعني، لم أستطع أن أتخيل نفسي مرتديةً زي سيدة أعمال وأن أخرج عن طبيعتي.
لقد بدأت الرسم بطريقة أكثر احترافاً وأكاديمية عندما بلغت 22 عاماً، كنت أبحث عن نشاط يملأ وقتي بدلاً من الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية ذهبت نحو الرسم. بدأت بتلقي دروس من مدرسة الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية ووقعت على الفور في حب الإحساس بلمس اللوحة القماشية والشعور بذبذباتها ورسم كل ما يوجد في مخيلتي.
هل تعتقدين أن الفن لا يزال بإمكانه المساعدة في إصلاح المجتمعات الممزقة، مثل المجتمع اللبناني؟
إذا كان الفنان حقيقي وغير مزيف، نعم، يمكن أن يكون الفن مفيداً. المجتمع اللبناني بأغلبيته أصبح قائم على النفاق، نحتاج لأناس حقيقيين يقولون الحقيقة مثل الملحن زياد الرحباني. نحتاج إلى أشخاص يكسرون المحظورات ولكن في الغالب نحتاج إلى أشخاص قادرين على أن يكونوا على طبيعتهم. أوافق على أن بعض المحرمات ضرورية ولكن هذا هو التوافق الذي أواجه مشاكل معه. أنظر إلى النساء اللبنانيات هذه الأيام، فكلهن متشابهات بسبب عمليات التجميل. هوياتهن ضائعة وهذا أمر محزن لأنهن لا يدركن أن الاختلاف شيء مقدس. يقودنا الذات إلى السمو ولا شيء أكثر فائدة من الأصيل.
أخبرتنا أنكِ تعانين من اضطراب ما بعد الصدمة خاصة بعد مقتل والدكِ، هل تعتبرين الرسم كأداة لشفاء نفسكِ؟
والدي قتل بأبشع الطرق مع موظفيه من قبل لصوص أرادو سرقته، بعد مقتله كنت أبحث عن أي نوع من الحلول قد يمنحني نوعاً من السلام. لا أخجل من القول، لقد كنت في مرحلة تدمير ذاتي حيث كان لدي الكثير من الغضب خاصة بعد أن قُتل والدي بوحشية. كان علي أن أجد طريقة لتحويل هذا الغضب ضد شيء خارجي. عندما بدأت الرسم، شعرت أنني أقوم بطرد الأرواح الشريرة الخاصة بي وكنت أخرجهم على القماش. بصراحة، ما زلت لم أجد السلام. أنا بالفعل في حرب وأسلحتي هي فرشاتي. ما يريحني هو هذا الوعد بأنني سأمتلك دائماً هذا السلاح لحمايتي. أعلم أن خيالي لن يخذلني أبداً وهذا يجلب لي نوعاً من الترضية. ربما مخيلتي هدية يرسلها لي والدي من السماء. نعم، هذا كل شيء، والدي هو مصدر إلهامي.
تظهر لوحاتكِ أنكِ تتعاملين مع الشهوانية والشهوة بقدر كبير من العناية والحساسية؟
صحيح، كما ذكرت من قبل، الأصالة مهمة جداً بالنسبة لي، يسعدني أن أكون متصالحة مع نفسي وأن أكون حقيقية. أعتقد أن الشهوة الجنسية تتشوه هذه الأيام من قبل المجتمعات، ويتم استخدام الأعضاء التناسلية كإهانات، خاصةً في لبنان. أحب ما كتبه الكاتب الفرنسي جورج باتاي عن الإثارة الجنسية. يتحدث عنها كشيء إلهي ونقي وروحي وجمالي. وقد كتب باتاي "الشعر يؤدي إلى نفس المكان مثل كل أشكال الإثارة الجنسية - إلى مزج ودمج أشياء منفصلة. إنه يقودنا إلى الأبدية، ويقودنا إلى الموت، ومن خلال الموت إلى الاستمرارية. الشعر والخلود. وتطابق الشمس مع البحر". أعني بدلاً من استخدام أعضائنا الجنسية كإهانات، فلنستبدلها بكلمات مثل الحروب والفساد والتلوث والسياسيين وما إلى ذلك. الإثارة الجنسية ثقافة، إنها تراث إنساني، إنها مصدر إلهام وليست إباحية.
ما الذي تجسدينه من خلال لوحاتكِ؟
أريد أن أظهر من خلال لوحاتي علاقة الإنسان بذاته وذلك بعزله ووضعه في إطارات غير اعتيادية، وفي أوضاع غير مريحة حيث تتساءل شخصيات اللوحة عن مصيرها وسبب وجودها، إنها لوحات وجودية تبحث عن ذاتها وهويتها كما نبحث نحن خاصة أولاد هذه المنطقة حيث أغلبية الأقليات مهمشة.
كيف هي علاقتكِ مع مدراء المعارض الفنية والقيمين؟
إنها ليست علاقة حب أو كراهية، إنها علاقة احترافية للغاية. أعمل منذ 5 سنوات مع معرض "البارح"، على مر السنين طورنا علاقة مبنية على الثقة والصداقة. لم تكن هناك حالة إساءة. لسوء الحظ ، سمعت أن بعض صالات العرض تأخذ بعض فنانيها كأمر مسلم به.
بالإضافة إلى معرض البارح، تعرض أعمالي في صالة وادي الفنان في الأردن وفي عدة صالات في فرنسا، وأقمت مؤخراً معرضاً في مركز ""Ndeslntermo في منطقة لاروشيل الفرنسية بدعوة من المركز ومن السفارة الفرنسية في لبنان.
لكن مجموعة أعمالي موجودة في متحف تيسي "Tesse" الفرنسي وفي المتحف الوطني الأردني.
كيف أثر فيروس كوفيد ـ 19 على حياتكِ كفنانة؟
كوفيد ـ 19 لم يكن له تأثير كبير. نحن سجناء بطبيعة الحال، خاصة الرسامين. نحن في سجوننا إلى الأبد، داخل جدراننا الأربعة وحدنا مع القماش. على عكس الفنون الأخرى مثل المسرح على سبيل المثال. الرسم فن فردي، يجب أن تكون مقفلاً. لذلك لم يتغير الكثير. فقط قل عدد المعارض، وضغط المواعيد النهائية. كما أن السفر أصبح أكثر صعوبة الآن، والسفر مهم لإظهار الفن في مكان آخر والحصول على القليل من الأوكسجين.
هل لديكِ أي رسالة للنساء القراء لموقعنا في جميع أنحاء الشرق الأوسط؟
ما يمكنني قوله هو موجز صغير لتجربتي الخاصة. أهم شيء للمرأة قبل كل شيء هو أن تكون مستقلة مادياً. هذه أول خطوة. ليس الرجل هو الذي سيمنحنا حقوقنا ولكننا يجب أن نأخذها نحن ولهذا يجب أن نكون مستقلين قبل كل شيء. بمجرد الاستقلال يمكن عمل الكثير. وهناك موضوع حساس ألا وهو التعامل مع مسألة الأمومة بنفسها، فقد يظن الناس أن المرأة ناقصة إذا لم تكن أماً، وتصنف على أنها عاهرة إذا كانت تحب الجنس، إلخ ... كل هذه القوانين الفظيعة، تعطي الرجل فرصة للسيطرة على المرأة، والتي غالباً ما تعني أننا في وضع يسمح لنا بقبول التنازلات، ولجعل حياتنا كامرأة محتملة، كل هذا صعب. لكن يمكننا النجاة منها. يجب ألا نخاف من أن نكون خارج الأعراف. إذا كان لدينا ما يكفي للبقاء على قيد الحياة، فقد ينخفض هذا الخوف. بمجرد أن تتحرر المرأة في الشرق الأوسط في تفكيرها، ستتوقف عن أن تكون دمية وستصبح فرداً، تفي بدعوتها، وتصبح مفيدة للإنسانية.