آني فارتيفاريان تحقق حلم ابنتها بعد وفاتها

لم تكن تعلم غايا فودوليان بأن حياتها ستنتهي في الرابع من آب/أغسطس الماضي، مع انفجار مرفأ بيروت

كارولين بزي
بيروت ـ . ابنة التاسعة والعشرين عاماً كانت شابة مفعمة بالحياة، لديها أحلام وتطلعات لمستقبل زاهر، وبالرغم من أن الانفجار أودى بحياتها إلا أن حلمها لم ينته.
قررت والدة غايا فودوليان، وتدعى آني فارتيفاريان أن تكمل مشروع ابنتها، بل وتذهب أبعد من ذلك بترجمة هوايتها في رعاية الحيوانات إلى إطلاق جمعية غير ربحية تحمل اسم غايا.
آني فارتيفاريان تتحدث لوكالتنا عن المعرض الذي نظمته والذي يحمل عنوانه آخر تعليق شاركته ابنتها غايا فودوليان على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتحديداً قبل ساعتين من وفاتها وهو "Everyone is the creator of one's own faith" "كلّ شخص يصنع إيمانه بيده".
وتقول "كان المعرض مشروع ابنتي غايا التي توفيت في انفجار الرابع من آب/أغسطس الماضي، لم تكن قد قررت تنظيم المعرض بعد بل كانت قد بدأت بمشروع الغاليري وأنا قررت أن أكمل هذا المشروع، وكذلك أردت أن أكمل هوايتها إذ كانت تحب الحيوانات، وقمت بتأسيس جمعية للحيوانات تحمل اسمها، وقمت بربط المعرض بالجمعية، فكل الربح الذي يحققه المعرض يذهب إلى المؤسسة التي تعنى بالحيوانات".
وتلفت إلى أن فكرة المعرض وُلدت مباشرةً بعد وفاة ابنتها غايا فودوليان وتحديداً بعد ثلاثة أيام، ولكنها انطلقت بالتحضير له بعد مرور شهر تقريباً أي في أيلول/سبتمبر. "نفذت مع عدد من الفنانين الذين تواصلت معهم المشروع الذي لطالما كان حلم غايا ألا وهو جمع التصميم بالفن، إذ أن أغلب المعارض إما تركز على التصميم أو الفن ولا تجمعهما".
وتعود رغبة غايا فودوليان في جمع الفن والتصميم بمشروع واحد إلى جمعها بين تخصصها في تصميم المنتجات الإيطالية الفاخرة واكتسابها خبرة في المعارض الفنية المعاصرة.
وتؤكد آني فارتيفاريان بأن الموضوع أو فكرة المشروع جاءت بمثابة وحي ولم تكن تفكر فيه، وتقول "كان من الصعب اختيار فكرة أو موضوع للمعرض في البداية، ولست من الأشخاص الذين يحاولون فرض فكرة أو موضوع محدد على الفنانين لأنني لا أرغب بأن أحدّ من مخيلتهم، بل أدع الفنانين يختارون الاسم".
 
"اخترت موضوع المعرض من آخر منشور شاركته غايا"
وتتابع "اخترت الموضوع أو استوحيته من خلال منشور شاركته غايا مع آخر صورة لها على فيسبوك وكانت تلك الصورة قبل ساعتين من وقوع الانفجار، ولكن عندما اخترت الفكرة لم أكن أفكر حينها بآخر ما كتبته غايا بل كان وكأنه وحي، علماً أنني كنت مع عدد من الأشخاص ولم أكن أبحث حينها عن عنوان للمعرض، ثم سألت الفنانين المشاركين في المعرض فرحبوا بالفكرة وأعربوا عن اهتمامهم بذلك".
وعن المشاركين في المعرض توضح آني فارتيفاريان "يشارك في المعرض ثمانية فنانين وغايا هي التاسعة، ويضم المعرض تصميمين لغايا فهي لم تكن بعد قد حضرت لغاليري، ولكن ما كانت تطمح إليه هو بأن تكون جزءاً من معرض يضم فنانين ومصممين، وهي موجودة في المعرض كأي فنان آخر ولا أولوية لها على غيرها".
ورداً على سؤال إن كانت تشعر بوجود ابنتها إلى جانبها في هذه الفترة ولاسيما أنها تحقق لها حلمها، تقول "منذ أن توفيت غايا لم يكن لدي متسعاً من الوقت لأكون بمفردي وأفكر أو أشعر إن كانت ترافقني أم لا، أنا متعبة نفسياً وكل ما يهمني بأنها تركت اسمها يُخلّد وبالتأكيد روحها موجودة معنا لأننا نذكر اسمها على الدوام أو نتحدث عنها".
 
"جمعية غايا فودوليان تكمل الطريق بمساعدة الحيوانات" 
أما فيما يتعلق بـ"جمعية غايا فودوليان" فتقول والدتها "من الأهمية بمكان أننا نستكمل الطريق الذي بدأته غايا في مساعدة الحيوانات، كانت تسعى لأن تؤمن لهم الطعام، كما سعت إلى ايجاد عائلات الحيوانات الضائعة، حتى أنها كانت تعالج الحيوانات المصابة في حوادث سير أو الموجودة على الطرقات وذلك من خلال الحصول على دعم من بعض الأشخاص، وكانت تحاول أن تجد مأوى أو عائلات أو متبنين للحيوانات. المؤسسة ستكون تحت رعاية ماريانا شقيقة غايا وهي طبيبة بيطرية، هي التي ستشرف على المؤسسة بالرغم من انشغالها بعملها".
وتلفت صديقة غايا فودوليان، ستيفاني غوكاسيان التي تساعد والدة غايا في المعرض، إلى أنه "لطالما كان أحد أهداف غايا هو تشجيع الفنانين على العمل مجدداً وتقديم الدعم لهم، لأنه مع انتشار وباء كوفيد ـ 19 تراجع حماس الفنانين للعمل، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الصعبة التي دفعت بالفنانين إلى ترك البلاد".
وتعتبر آني فارتيفاريان أن أهمية هذا المعرض في ظل هذه الظروف التي تعيشها البلاد، أنه جاء بعد مرور نحو سنة ونصف السنة من الاقفال وغياب المعارض الفنية وبالتالي هو يروي عطش عشاق الفنون لمشاهدة أعمال فنية أو معارض.
 
"تم تنظيم المعرض في مبنى أثري ليكون جزءاً من المعرض"
وتلفت إلى أن "الفنانين والمصممين كانوا متحمسين جداً واعتبروا بأن هذا المعرض هو فرصة بالنسبة لهم، فرصة لكي يعرضوا أعمالهم الفنية. ولكن في ظل الوضع الراهن لا يمكننا أن ندّعي بأن نسبة المبيعات عالية، ونحاول في المرحلة الحالية أن نروّج للمعرض افتراضياً في لبنان والخارج". 
لم يتخذ المعرض قاعة عادية للمعارض بل اختارت آني فارتيفاريان بأن تنظم المعرض في مبنى أثري ذات قيمة فنية وتاريخية ليتناسب مع معروضات المشروع، فوقع الخيار على مبنى طبّال في منطقة الأشرفية في بيروت. 
وتقول "جمعنا في هذا المعرض التصاميم الفنية وفن العمارة أو الهندسة المعمارية بالإضافة إلى التاريخ لأن للمبنى تاريخ طويل، كما أننا نظمنا جولتين في الأسبوع لزيارة المبنى مع عالمة الآثار مايا حميدان التي قامت بدراسة تاريخ المبنى، وبالتالي هو جزء من المعرض، وحتى قبل اختتام المعرض سندخل إليها الموسيقى ليضم كل أنواع الفنون".
المعرض الذي تم تحديد موعد افتتاحه أكثر من مرة، انطلق في نيسان/أبريل الماضي ويستمر لغاية 29 أيار/مايو الجاري، "سيستمر المعرض لاحقاً أونلاين كما سننظم عدداً من المؤتمرات الصحافية افتراضياً للحديث عن التصاميم الفنية والهندسة المعمارية والتراث". 
تحاول آني فارتيفاريان وهي أم خسرت ابنتها، أن تعيد إحياء ذكرى ابنتها من خلال المعرض، وتعكس صورة عن الحياة لأولئك الذين فقدوا أحد أفراد عائلتهم أو أحبائهم، ولا تعتبر آني دخيلة على عالم الفن فهي ورثت شغف الفن والعمارة من والدها الذي كان مهندساً معمارياً، وبالتالي نقلت هذا الشغف إلى ابنتها غايا. كانت تعمل غايا إلى جانب والدتها في غاليري ليتيسيا الذي أسسته والدتها عام 2018، وبالتالي اكتسبت تلك الخبرة من العمل مع والدتها، لذلك نجد ذلك الترابط الفني إلى جانب العلاقة العائلية.
ورداً على سؤال حول تغييب عدد من ضحايا الانفجار إعلامياً ومن بينهم ابنتها غايا فودوليان تقول "لا يهمني ذلك وهذا المعرض سيخلّد اسمها، كما لا يعنيني من هو المعني أو المسؤول عن انفجار المرفأ، ولكن كل ما يهمني أن هناك حقيقة كانت أمامي وبأنني أمام فاجعة كبيرة وحزن كبير".