أمثال شعبية جزائرية تكرّس التمييز ضد المرأة وتثير جدلاً حول دورها في المجتمع

العديد من الأمثال الشعبية المتداولة في الجزائر تمدح المرأة إذا كانت ربة منزل مطيعة، وتذمها إذ مثلت إرادتها وسعت نحو طموحاتها المتجاوزة للسقف الذي رسمه المجتمع لها.

رابعة خريص

الجزائر ـ تعتبر الأمثال الشعبية الجزائرية التي تقلل من شأن المرأة سبباً مباشراً في معاناة النساء والتمييز العنصري تجاههن، وهو ما تحاربه النساء للقضاء على هذه الثقافة الراسخة في ذهنية المجتمع.

رُغم الدور الكبير الذي تلعبهُ الأمثال الشَعبية التُراثية في غرس الثقافات وتأصيل وترسيخ المُعتقدات في كل المُجتمعات، إلا أن نسبة كبيرة منها لها تأثير بارز على توجه المجتمع، وسبباً مُباشراً في ترسيخ مجموعة من السُلوكيات والأفكار والقوانين التي من شأنها تعزيز العقلية الذكورية وأن المرأة أقلُ شأناً من الرجل.

فهناك الكثير من الأمثلة المتداولة بين أفراد المجتمع والتي تُجسدُ معاناة المرأة التي تأخرت في الزواج عن السن الشائع "أعط للعمية تكحلك وأعط للبايرة (المرأة الكبيرة في السن أو الشيء الذي لا فائدة منهُ) تسحرلك" وهذه أحدى المقولات الشائعة في المجتمع الجزائري والذي يشبه المرأة فيها بـ "الأرض غير صالحة للزارعة" أي البور فيما يقصد بكلمة "تسرحلك" أن المرأة غير صالحة سوى للشعوذة والسحر، وهُناك الكثير من الأمثال المشابهة التي تصبُ في نفس الغرض مثل "اللي بارت على سعدها دارت" و"خصك غير السواك يا معوجة لحناك" وأيضاً "ستوت وأتموت وعينها على البيوت".

وهناك العديد من الأمثلة لازالت ضاربة في عُمق الأسرة الجزائرية وهي سبب مُباشر في تفاقم مُعاناة النساء اللاتي حُرمن من الإنجاب وحتى اللواتي لم يُسعفهُن الحظ في إنجاب ذكر، والتعمق في مُدونة الأمثال الشعبية في الجزائر يتبين ترسيخاً للفكرة القائلة إن "إنجاب البنات هُو شُؤم"، ومن هذه الأمثال "المرا بلا ولاد كالخيمة بلا وتد" حيث لا يُمكنُ للمرأة أن تتطلع إلى مكانة خاصة واستثنائية داخل الأسرة إلا بفضل الطفل الذكر، ومنها أمثال تعزز التمييز العنصري بين طفل الذكر والأنثى كالمثل الذي يقول "الطفل يزيد بفرحة (يُولد وسط فرحة عارمة) ويتزوج بفرحة ويموت قرحة، والطفلة تزيد قرحة وتتزوج قرحة وتموت قرحة".

 

تناقضات وتقاطعات مختلفة

وحول ذلك تقول الأستاذة في علم الأنثروبولوجيا (علم الانسان) مليكة حيون مهدي إن "المُتمعنُ في هذه الأمثال يلمسُ تناقُضات وتقاطُعات مُختلفة، فهُناك شطرين الشطر الأول يُمجدُ المرأة ويرفعُ من شأنها ومكانتها في الأسرة خاصة عندما يتعلقُ الأمر بدورها كأم ومُربية، أما إذا حاولت أن تتجاوزهُ وتتحررُ منه وتخرج عن نطاق الحيز الاجتماعي الذي مُنح لها فهُنا تحطُ من قيمتها وتصلُ إلى حد ممُارسة العُنف"، مستخلصة ذلك بأن  "الأمثال ضُبطت حسب وضعية المرأة والدور الذي تقوم به".

ويُمكنُ في هذا السياق استحضار الأمثال التي تنظرُ إلى المرأة المُطلقة بنظرة دونية منها يصفُها بـ"الفاشلة" مثل "لحم الهجالة مسوس" والمقصود به أن جسد المُطلقة لا قيمة له وأيضاً المرأة التي لم يُسعفها الحظ في الزواج.

وعن أسباب صيغ الخطاب الشعبي بهذه الحدة والقساوة بينت أنه من وحي الأبحاث والدراسات التي أجرتها عن السُلوك البشري والثقافات "المُجتمع الجزائري هُو مُجتمع ذُكوري وبامتياز فمن يتحكم فيه ويقوده هو الجانب الأبوي الذكوري والمرأة تأتي في المرحلة الثانية لذلك تُواجهُ تحديات مُتعددة لكي تُبرهن أنها ليست كما يُظن بها ونجحت في ذلك حيث تميزت في القيادة ورأيها الصائب في إدارة الأزمات والمشاكل المُستعصية عكس المثل الشعبي الذي يقول: الرأي مليح يوكان مجاش من عند امرأة 'الرأي صائب لو لم يكن قائلتها امرأة' وهذا المثل يتطابق مع الرواية القائلة: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".

فلم تبق المرأة بحسب مليكة حيون مهدي مكتوفة الذراعين بل سعت جاهدة إلى تغيير تلك الأفكار السلبية والأمثال الشعبية المُسيئة لها، وتقول إنها "كانت سبباً مُباشراً في تغيير وضعية المرأة والأمثال الشعبية حتى لا تبقى مرآة عاكسة لها"، وتستدل في هذا السياق بالمثل الشعبي القائل "شاورهم وخالفهم" أي أنه ليس لها أي رأي صالح ولهذا عملت على إثبات العكس.

 

تغيير الثقافة

وعن مدى التحول في المعاني والدلالات في الأمثال الشعبية مع مرور الزمن أوضحت أن "المثل الشعبي كان نوعا ما تقليدياً لأنه كان يُجسد الصور النمطية التقليدية في مُجتمع ما وبطبيعة الحال مع تغير وتحرر المرأة وخُروجها من النمط الاجتماعي السائد نحو أدوار جديدة في الحياة العامة تغير المثل الشعبي لا سيما في المُدن الكُبرى مُقارنة بالمدن الداخلية والهضاب العُليا وحتى مناطق مُتفرقة من القبائل والجنوب".

ففي المُدن الكبرى أكدت أن "المثل الشعبي اكتسى طابعاً مادياً فقطاع كبير من الأمثال أصبحت تطغى عليها الماديات وتغيب عليها القيم وهنا يمكننا الإشارة إلى هذا المثل 'لي ما عندو الفلوس كلامو مسوس'، وأيضاً أصبحت الأمثال تُصور المرأة على أنها صارت مادية وآلة حسابية".

وتختتم الأستاذة في علم الأنثروبولوجيا مليكة حيون مهدي حديثها بالقول إن "الأمثال الشعبية تُعتبر جزء من الثقافة الشعبية التي يجب أن نُحافظ عليها لكن يجبُ أن نحذر مما يُمكن أن يُؤثر على مجتمعنا".