'الموهبة وأن تأخرت في الظهور فهي لا تموت'

يعتبر الفن التشكيلي وسيلة للتعبير عن لحظات الفرح أو الألم، كما هو وسيلة لتخليد أحداث أو أشخاص أثرت في حياتنا.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ أكدت الفنانة التشكيلية أمينة بالطيب، الموهبة وأن تأخرت في الظهور فهي لن تموت، وتهيئة الظروف الملائمة كافية لتتحول إلى حقيقة ملموسة.

فن الرسم والتشكيل عادة ما يظهر لدى الفنان منذ الطفولة ويتم تنمية الموهبة بضم الطفل إلى مدرسة خاصة أو نادي يعنى بهذا النوع من الفن أو بتشجيع من العائلة، فيكبر معه شغف الرسم على محامل مختلفة يختارها الفنان التشكيلي لتطويعها وفقاً لرغبته الخاصة لتعبير من خلالها أما عن لحظات الفرح أو الألم.

وقد يكون فن الرسم وسيلة لتخليد ذكرى أحداث أو أشخاص أحبهم وكان لهم في نفسه مكانة كبيرة وتركوا بصمتهم في حقبة تاريخية معينة وعرفوا بقوة الشخصية، ولكن الفنانة أمينة بالطيب اضطرت لقتل هذه الموهبة في طفولتها إرضاءً لوالدها الذي أراد أن تكون متميزة في دراستها.

 

علاقة التقاعد والثورة بانطلاقة الفنانة

قالت أمينة بالطيب "أعشق الفن التشكيلي منذ صغري وأحب حصة الفن التشكيلي في المدرسة لكن والدي رجل تعليم كان يريد أن أركز كل اهتمامي على المواد العلمية كالرياضيات والعلوم واللغات أما الفن التشكيلي فيعتبره مادة ثانوية وغير مهمة، كما كنت أحب الخياطة أيضاً".

وأوضحت أنها انشغلت بالدراسة ثم التدريس وتزوجت وانجبت ثلاثة فتيات وقسمت وقتها بين تربيتهم والعمل كمدرسة للغة الفرنسية، وعندما اقترب موعد التقاعد من العمل بدأت الفنانة التشكيلية التي تعيش بداخلها في الظهور "عندما اقترب موعد التقاعد من العمل، تساءلت ما هو النشاط الذي يمكنني القيام به لأملئ  يومي، فكانت الفكرة أن اتلقى دروساً في الرسم وأقوم برسم لوحات لتزيين المنزل على شكل زهور أو عناصر طبيعية".

وأكدت "كل من حولي يقول لي بأنه توجد بداخلي فنانة وذلك بسبب ما أقوم به في منزلي من تغييرات في الديكور وبسبب حسن اختيار الألوان وإعداد الستائر بمفردي وخياطة ملابسي ولكن لم يكن في مخيلتي أن  اتحول إلى رسامة تشد انتباه الناس بلوحات لشخصيات هامة".

وحول الانطلاقة الفعلية لرسوماتها قالت "بدأت موهبتي مع الفن التشكيلي تحديداً بعد ثورة 2011، حين رسمت شخصية محمد البراهيمي ووضعت لوحته على صفحتي الخاصة "الفيسبوك" فنالت إعجاب الكثيرين وتداولوها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ليهنئها الجميع على لوحتها الرائعة".

واعتبرت أمينة بالطيب أن الثورة أيضاً كان لها تأثير كبير على خروج الرسامة التي بداخلها لأن التهديدات التي واجهتها تونس والخوف على المكتسبات وعلى المستقبل، له دور في ظهور العديد من الشعراء والأدباء والفنانين التشكيليين، فبدأت اللوحات تتالى وعددها يكبر فمنها ما أهدته ومنها ما هو موجود حالياً.

 

المرأة تسيطر على لوحاتها

وعن الاهتمام برسم الشخصيات النسائية قالت "رسمت زعرة سلطاني والدة الضحيتين اللتين فقدتهما بمحافظة سيدي بوزيد؛ لأني تألمت كثيراً لألمها ولمست فيها رغم حجم الألم المرأة القوية الصامدة، فأردت تخليد صورتها وفعلاً تحولت اللوحة إلى طابع بريدي خلال الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة التونسية وهو ما أسعدني كثيراً".

وبينت أنه "من الشخصيات النسائية التي رسمتها مراراً المناضلة والحقوقية مية الجريبي وكذلك المناضلة لينا بن مهني تخليداً لذكراهما واعترافاً بمكانتهما ودورهما المؤثر في المجتمع". مشيرة إلى أنه "من بين الشخصيات النسائية التي رسمتها مرتين وأريد أن أرسمها أكثر هي الصحفية نزيهة رجيبة التي أرى في شخصيتها المرأة القوية".

وأكدت أن المرأة التونسية تقدمت بأشواط ولكنها مازالت تواجه الصعوبات التي لها علاقة بهيمنة الرجل وسيطرة العقلية الأبوية التي لازالت تحتاج منها جهداً وهو ما أظهرته بعد الثورة عند محاولة ضرب حقوقها والتراجع عن مكتسباتها.

 

الفن رسالة

وقالت "أن الفن التشكيلي هو وسيلة لتحقيق ذاتي وممارسة الهواية التي حرمت منها في صغري، فأنا الآن ابدأ الرسم يومياً منذ الساعة السادسة صباحاً إلى حدود منتصف النهار ولو كان العمر يسمح لقضيت أكثر وقتي في الرسم".

وعن تكلفة لوحاتها ومدى ترويجها أوضحت "الرسم يأخذ مني وقتاً وجهداً وأدواته باهظة وأحياناً غير موجودة أضطر لجلبها من الخارج عن طريق بعض الاشخاص وهناك اعتراف بالجانب الفني والنوعي في لوحاتي من خلال تفاعل الناس عبر فيسبوك أو من خلال اختيارهم في الحديث عن الشخصية أو تخليد ذكراها".

وأكدت الفنانة أمينة بالطيب في ختام حديثها على ضرورة إيصال الفن التشكيلي للناس لأنه ضروري للحياة مثله مثل جميع الفنون الأخرى وضروري لحفظ الذاكرة الوطنية لأي بلد.