المواويل الأقرب لمشاعر الإنسان وسيلة للحفاظ على الثقافة والتاريخ
على مدى عقود يتناقل الكرد أحداث أيامهم وأساطيرهم عبر المواويل التي تختزل الواقع المعاش، فمن خلالها يعبر الناس عن مشاعر الحزن والأسى والفرح، لإثارة عواطف المحيطين بهم
دلال رمضان
كوباني ـ .
رغم جميع المحاولات التي تفرضها الدول المستعمرة لأجزاء كردستان وما تتعرض له الثقافة والتراث الكرديين من طمس وإنكار منذ آلاف السنين إلا أنه وبفضل وجود النساء تم الحفاظ عليهما عبر الأغاني الفلكلورية والمواويل.
المواويل والأغاني الفلكلورية الكردية لها تاريخ طويل تم الحفاظ عليها بين جميع فئات الشعب الكردي عبر تناقلها من جيل إلى آخر، فيوجد في كل منزل كردي أم تجعل من آلامها ومعاناتها لوحة غنائية وموال تصدح به، لتواسي نفسها. واستطاع أصحاب المواويل الذين يعدون فناني المعرفة، المحافظة على الأحداث الاجتماعية التي تركتها الأجيال السابقة حية في الأذهان. وهكذا ومع كل تطور جديد، ونتيجة تعاقب الأجيال عرفت تقاليد عريقة مرتبطة بالأدب الكلامي.
المواويل هي نوع خاص من الفن؛ لأنه لا يمكن تقييمها على أنها فن موسيقي فقط، حيث أنها لا تخلق الإبداعات في ميدان الموسيقى فحسب، وإنما تشكل المنبع الأساسي في المسرح والأدب الكردي والثقافي.
تختلف المواويل من شخص لآخر فالوسط المحيط به يلعب دوراً في ذلك، فالموال يتعرض للتغيير بشكل بسيط، لأنه غير مكتوب ومع مرور الزمن قد يتعرض للتغيير كلياً.
النساء اللواتي أبدعن في سرد الحكايات يرددن المواويل في منازلهن وخلال قيامهن بالأعمال، ويعود الفضل الكبير لهن في الحفاظ على هذه الثقافة من الاندثار، رغم أن الكثير منها نُسيت بموت الجدات القرويات.
في مقاطعة كوباني بشمال وشرق سوريا معظم النساء اللواتي تجاوزن سن الأربعين يرددن المواويل الكردية خلال الجلسات والمناسبات والأمسيات، ومن بينهن خديجة علو المرأة الشغوفة بالمواويل والتي يصدح صوتها في مختلف المناسبات وبمختلف المواويل حتى عندما تكون جالسة لوحدها.
تقول إنها واحدة من هؤلاء النساء اللواتي يعشقن المواويل ويحافظن على تراثهن وثقافتهن من خلالها. وترددها منذ أيام الطفولة، وتعبر من خلالها عن الحزن والأسى الذي مرت به.
خديجة علو (64) عاماً من قرية منازة التابعة لمقاطعة كوباني، تعلمت غناء المواويل منذ صغرها عندما كان يجتمع أفراد الأسرة مع النساء الطاعنات في السن وخلال الأمسيات الطويلة بعد يوم شاق من العمل في القرية.
تقول "استمعت للمواويل التي تردد في المجالس، وكان خالي وعمي في القرية يشتهران بغناء المواويل، كذلك تجتمع نساء القرية ويبدأن بسرد القصص والحكايات عن الظلم والشجاعة وقصص الحب التي اشتهرت حينها بالإضافة إلى غناء المواويل التي كانت عبارة عن قصص واقعية وملاحم بطولية حصلت في المنطقة".
وعن الحياة الاجتماعية التي كانت سائدة في القرية بين النساء في تلك الفترة تقول خديجة علو بأنهن كن يستيقظن في الصباح الباكر ويذهبن إلى العمل في الحقول والأراضي، ورعي الأغنام "نجتمع من أجل الذهاب إلى الحصاد أو لصنع خبز التنور وحينها كنا نبدأ بغناء المواويل الطويلة والمشوقة".
لم تفقد خديجة علو رغم ابتعاد الجميع عن التراث وتعلقهم بالتكنلوجيا الحديثة من تلفاز وهواتف ذكية شغفها بترديد المواويل، "في صغري كنت أردد تلك المواويل على مسامع نساء القرية وصديقاتي بشكل مستمر"، وتضيف "عندما كنا نجتمع يطلبن مني الغناء ونبقى لساعات على تلك الحال، حتى شقيقاتي وأخوتي الذين هاجروا منذ بدء الحرب يطلبون مني تريد المواويل عبر الهاتف".
وبصوتٍ عذب وحنون تظهر فيه مدى معاناتها في الحياة، تردد الكثير من المواويل عن بطولة المقاتلين/ت في حرب كوباني وعن الغربة أثناء تهجيرها من قريتها "من خلال المواويل أعبر عن مشاعري ومعاناتي التي مررت بها، وأرى أنها الوسيلة الأقرب لمشاعر الإنسان والتي يمكن من خلالها تحريك الحس الاجتماعي، والأخلاقي والوطني في أي إنسان".
وتقول أيضاً بأن شهرة غناء المواويل بين الشعب الكردي تعبر عما عاناه من ظلم وقهر على مر السنين من قبل الأنظمة الحاكمة والمحتلة لأجزاء كردستان الأربعة "إلى اليوم ما زلنا نعاني، ولذلك نحافظ على ثقافتنا وهويتنا بعدة طرق ومنها المواويل". مؤكدةً بأن الحفاظ على هذا التراث مسؤولية الجميع "علينا الحفاظ على ثقافتنا وتاريخنا الكردي وعدم التخلي عن الأرض والتمسك بها وكذلك نشر ثقافتنا، وأن نساند بعضنا البعض ونشعر بألم الجميع".