المسجد العمري نافذة على عدة حضارات في قطاع غزة
مر المسجد العمري بعدة مراحل فمن معبد إلى كنيسة إلى مسجد، ويحوي المسجد على العديد من العبارات والزخارف التي تدل على كل حقبة عايشها على حدا.
رفيف اسليم
غزة ـ وسط البلدة القديمة في قطاع غزة يقع أحد أبرز المعالم المعمارية التي تجمع بين ثلاثة عصور الروماني، والبيزنطي، والإسلامي في مكان واحد يدعى المسجد العمري، والذي يعتبر ثاني مسجد في العالم بعد المسجد الأقصى من حيث المساحة والتأسيس.
سنتعرف على المسجد العمري من خلال لقائنا مع الباحثة التاريخية ناريمان خلة، التي أوضحت أن مساحة المسجد العمري تصل إلى 1800 متر مربع، فأول ما يظهر فور الدخول هي الساحة الكبيرة، وعدد من القباب تم تشيدها في عهد الدولة المملوكية التي جددت في البناء؛ ليصبح على هيئته الحالية اليوم، كما أضافوا له قسم خاص للنساء.
وبينت أن المسجد يحيط بأقواس على شكل دائري، ويظهر الشكل الجمالي والتزيين جلياً للزائر/ة خلال التجول في أروقة المسجد الأربعة الواسعة التي فصلت بينها أعمدة كورنثية الطراز تعلوها التيجان وتربطها العقود، لافتةً إلى أنه تم فتح الباب الشمالي الذي كان عبارة عن حائط والمعروف بباب التينة، والنافذتان الشماليتان، وكذلك الباب القبلي لتوسعة البناء.
عند زيارتك للمسجد العمري سينتابك شعور للحظة أنه داخل باحات المسجد الأقصى، إثر التشابه بالطراز المعماري إلى حد كبير، فأوضحت ناريمان خلة، أن للمسجد خمسة أبواب وكل باب يربطه بمنطقة معينة في البلدة القديمة، فهناك على سبيل المثال باب يصله بسوق الذهب، وآخر بسوق الزاوية، مضيفةً أنه يضم أكبر مأذنة في المدينة يصل طولها 36 متر في نصفها السفلي شكل مربع، وفي العلوي المكون من أربعة مستويات، شكل مثمن، وقد شُيدت من الحجر فيما بنيت قمة المأذنة من الخشب والبلاط.
بالعودة لبداية التأسيس تقول أن المسجد كان معبداً وثنياً في العصر الروماني، وبعد أن تلاشت الوثنية وتم الاعتراف بالدين المسيحي كدين رسمي للبلاد تم حرق المعبد وتحول إلى كنيسة في العصر البيزنطي بأمر من الإمبراطورة أليا يودوسيا زوجة الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، إلى أن جاء الدين الإسلامي فتحول إلى مسجد.
ولفتت إلى أن تحويل الكنيسة إلى مسجد كان بطلب من أهل غزة، فتم الأمر وسُمي بالجامع العمري الكبير، مشيرةً إلى أن المكان احتفظ بـ 39 عموداً قد تم بنائهم في عهد البيزنطيين، وفق بنود العهدة العمرية التي نصت على إبقاء معالم الكنيسة على حالها مع تحويلها لمسجد دون هدم أو تخريب أياً من المقتنيات.
ولم ينته التاريخ هنا، حيث أكدت ناريمان خلة أن المسجد قد مر بعدة مراحل أخرى، فعندما سيطر الصليبيون على البلاد عام 1149؛ حولوا المسجد العمري الكبير إلى كنيسة ضخمة بعد تدميره، إلى أن عاد بناء المسجد من جديد في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي في العهد المملوكي.
وأوضحت أن المسجد يحوي على أكبر مكتبة في فلسطين والتي تضم أكثر من عشرين ألف مجلد ومخطوطة في شتى العلوم ومختلف أنواعها، وتقع تحديداً في الطابق السفلي الذي يضم أيضاً قاعة استقبالات، وقاعة أثرية جُهزت لتكون متحفاً إسلامياً حيث يتعدى عمرها الألفي عام.
وأشارت ناريمان خلة إلى أن المسجد العمري قد حصل على التوسعة من قبل المماليك من جهة الجنوب وجنوب شرق البلاد، مع إضافة مبنى رخامي والمحراب وكذلك الأروق في الجهة الغربية، ونُقش العديد من العبارات والزخارف التي تدل على كل حقبة عايشها على حدا.
وتبعاً لتلك الأهمية، أكدت ناريمان خلة أن المسجد تعرض لأضرار كبيرة عندما أصيب بقذائف أطلقتها طائرات بريطانية خلال الحرب العالمية الأولى بين عامي (1914 ـ 1918)، لمسح أهم معلم في غزة، مشيرةً إلى أن ذريعتهم كانت وجود ذخائر مخزنة في المسجد تعود للقوات العثمانية، لتفقد المكتبة وتهدم أجزاء كبيرة من المسجد خلال ذلك الوقت، حتى تم ترميمه ما بين عامي (1926 ـ 1927).