"المصغراتية" صورة مجسمة للواقع لا تتجاوز مساحتها كف اليد

تصنع الفنانة التشكيلية عبير سعد الدين فن "المصغراتية" على شكل مجسمات صغيرة تخلد فيها التراث القديم.

أسماء فتحي

القاهرة ـ منزل الجدة المليء بالمقتنيات ذات الألوان المبهجة، وجلسة "الطبلية"، والجرار الفخارية الموضوعة جانباً في صواني معدنية، والتنور وما يحيط به، وموقد الكاز النحاسي القديم، كلها ملامح بهتت في أفكارنا والآن تظهر وبقوة في معارض "المصغراتية".

سرعان ما تعلو الوجوه ابتسامة ممزوجة بالفقد حيناً والأمل في العودة بالزمن أحياناً بمجرد النظر إلى منتجات "المصغراتية"، والأمر هنا له عدد من الأبعاد أهمها أن الناظر إليها يسترجع جانب من ذكرياته القديمة؛ لأنها تجسيد للتراث في قطع تكاد لا تتجاوز حجم كف اليد الواحدة، كما أنها تجسد طفولته وأحلامه البريئة وكأنها تدق على باب السعادة في موطن الذاكرة.

والابتسامة التي تعتلي الوجوه هي العامل المشترك الذي يجمع كل من يقتني أو يشاهد إنتاج "المصغراتية" التي تأخذنا في رحلة ممتعة عبر الزمن مخلدة شكل منازلنا القديمة وجانب مما ترك الأجداد وتلك المتعة تصنعها فنانة تشكيلية تعمل على إنتاج مجسمات صغيرة من التراث وهي عبير سعد الدين التي كان لنا حوار معها حول جملة أعمالها وتجربتها التي خاضتها كأول امرأة تقتحم هذا المجال وتنافس الرجال وبقوة.

 

حالة من الزخم والحب امتزجت مع المصغرات التي تقدمينها عبر وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، حدثينا عن بداية الفكرة وسبب اختيارك لها؟

أنا حاصلة على بكالوريوس تربية نوعية شعبة تربية فنية وحاصلة على دبلوم الدراسات العليا بالمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون وفي إحدى المرات طلب مني أبني أن أنفذ معه تصميم وجده في مقطع فيديو ومن هنا بدأت رحلة بحثي ودراستي لطريقة عمل المصغرات التي اكتشفت حينها أنها بالفعل غير متوفرة فاستهوتني الفكرة وتعمقت فيها وبدأت تجربتي الخاصة في إنتاج المصغرات.

وبعدها قررت أن أنفذ مصغرات مصرية ليراها العالم كله واتجهت نحو التراث راغبة في توثيق جانب من الطقوس المصرية التي أوشكت أن تختفي ومنها على سبيل المثال "القلة، النملية"، وتوجهت إلى النوبة لتصميم منازلها وكذلك صعيد مصر، فكل منطقة لها طابع خاص رغبت في التعبير عنه من خلال المصغرات.

وركزت على إعادة التدوير لكل ما هو مهمل راغبة في استغلال كل ما يتم التخلص منه في البيئة المحيطة، وتطور الأمر إلى خروجي عن فكرة التراث المصري لأصمم وأدرب أفراد على تنفيذ جوانب من تراث الدول العربية مع متدربين من عدة دول.

الفكرة بالفعل مبهجة وفيها تحدي كبير في محاولة نقل مشهد أو مكان كامل في مساحة لا تتعدى الـ 10 سنتيمتر وبكامل تفاصيلها، وهو ما يبهر أي شخص يراه ويخرج الطفل الكامن بداخله مهما كبر سنه.

والعمل بالمصغرات يرتبط بروح المكان إلى جانب تفاصيله مع التركيز من أجل نقل صورة للتراث المصري، والمشاركات الدولية تلاقي اقبال كبير، وبدأت أتلقى دعوات من فنانين في مختلف الدول حول العالم للمشاركة وعرض ما أقدمه من مصغرات وهو الأمر الذي يترتب عليه أيضاً ترويج سياحي كبير لمصر.

 

ما هي المعوقات التي واجهتك أثناء عملك؟

المصغرات نوع من الفنون يعتمد على العضلات إلى حد كبير في التنفيذ، ويحتاج للتواجد في ورشة واستخدام "عدة وأجهزة" بعضها مخيف إلى حد ما، وأغلبها يحتاج لمجهود عضلي أكثر منه ذهني.

فالمصغراتية في حد ذاتها إنجاز لأني أول مصغراتية في مصر والوطن العربي فنتيجة صعوبته والجهد المبذول فيه لا يستهوي الكثير من النساء، ودخلت هذا المجال بشغف كبير وأصبحت منافسة للرجال بل ومتفوقة على بعضهم.

 

وأجد تعليقات من فنانين في عدد من الدول على عملي بجملة "أنك كست حلو جدا أنك عملتي ده"، وهو أمر في حد ذاته نجاح ويشكل تحدي كبير لي كي أطور أدواتي وأخرج بأفضل منتج ممكن للمنافسة به محلياً ودولياً.

ما رأيك في التطور الأخير في مجال العمل اليدوي ودور النساء فيه؟

تقدير الجمهور للمنتجات تغير وهناك وعي كبير بقيمة هذه الأعمال اليدوية، وكل ما يتم صنعه يدوياً وبالمقارنة بما أقوم بإنتاجه من مصغرات أجد أن هناك إقبال كبير على اقتنائها رغم أنها منتجات ترفيهية.

ومصممين الديكور بدأوا يقبلون على إدخال الأعمال اليدوية في تصميماتهم، ولدية أكثر من تجربة في ذلك وتعاون مشترك من خلال المصغرات.

كما أن هناك الكثيرون يطلبون تدريب أطفالهم على هذه الأعمال وهو ما يؤكد حجم الوعي وكذلك الرغبة في التميز من خلال هذه المنتجات التي تلاقي دعم من الدولة ولها آفاق متعددة ومستقبل.

ولا يمكن بالطبع إغفال دور النساء في هذا المجال على مختلف مستوياته سواء كأم تبحث عن تدريب لأبنائها أو كمصممة وصاحبة مشروع تعمل عليه يرتبط بالعمل اليدوي وهناك محافظات كاملة تعمل نسائها على مشاريع يدوية مختلفة.

 

هل هناك تعاون مشترك في معارض مرتقبة لفن المصغرات؟ وماهي الورش والتدريبات التي تقدمينها في هذا المجال؟

نعم، فهناك فنانة مغربية وهي الدكتورة لطيفة أبدكرنس تعمل على الرسم بالأحجار وحصلت معي على كورس لعمل المصغرات وبدأت في عمل دمج بين ما تقوم به من فن الرسم بالحجر ودمجه بالمصغرات.

وآخر معارضها حازت على إعجاب وتقدير كبير في المغرب، ونترقب خلال الفترة القادمة تنفيذ معرض مصري مغربي مشترك لفن المصغرات سيتم عرضه هناك.

وخلال فترة كورونا توجهت للتدريب الأونلاين بناء على طلب الراغبين في ذلك، وبدأت مع الكبار ومنها للأطفال ورغم صعوبة الأمر ولكنها لاقت نجاح كبير.

وفي أحد المسابقات أعلنت أن الفائز بالمركز الأول سأهديه ورشة تدريبية مجانية شريطة أن يكون عمره 12 عام، وفوجئت بالطفل عمره 7 سنوات وهنا ترددت في تدريبه وهو الآن أول مصغراتي طفل في الوطن العربي وشارك معي في العديد من المعارض وحصل على المركز الخامس في معرض للمصغرات لا يوجد فيه طفل غيره.

ولدي متدربين في مصر وخارجها ومتدربين يشاركوا معي في المعارض ومنها معرض مصر النسخة الرابعة في الهناجر بدار الأوبرا المصرية، والأهم أن المتدربين من الدول الأخرى يساعدون على انتشار هذا الفن وبالفعل توجهوا لعمل معارض في دولهم.

 

إلى أي مدى تدعمك المؤسسات في مجال توثيق التراث وحفظه والترويج السياحي له؟

أتلقى من المؤسسات العديد من الفرص من خلال مشاريع مصر، وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، فقد شاركت في عدد من المعارض أهمها "تراثنا" وهو ما ساهم في عرض أعمالي على مستوى العالم وأظهر فارق كبير في تحولي للاحترافية والعمل على النطاق الدولي.

ولأول مرة في تاريخ فن المصغرات يتم عقد ورشة تفاعلية مع الجمهور داخل المتحف القومي للحضارة المصرية، وشارك بها الحضور من جنسيات مختلفة، وتم تنفيذ بيت نوبي ولاقت الورشة نجاح كبير وتفاعل.

كما شاركت في أكثر من معرض داخل المتحف الإسلامي في عدد من المناسبات والأنشطة المتنوعة، وأتاحت الجهات الحكومية بالفعل لي مساحة مشاركة وتمثيل غيرت إلى حد ما مسار تجربتي.

 

ماهي الأعمال والأنشطة التي تقدمها رابطة سومر في مصر، كونك ممثلة للرابطة؟

رابطة سومر للثقافة والفنون يرأسها الفنان علي عبد الهادي، وتضم أكثر من 800 فنان من مختلف أنحاء العالم، تعمل على تقديم معارض سنوية ومنها "هن مبدعات" الخاص بالمرأة وعادة ما ينطلق في مارس بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة.

ومقر الرابطة في مركز الرواق للفنون التشكيلية بمدينة الناصرية بمحافظة ذي قار بالعراق، وتقدم الرابطة أيضاً ورش فنية، وترسل إليها الأعمال لعرضها بالمقر، ونعقد عدد من الأنشطة والورش.

وللرابطة عدد من الأنشطة في مصر منها ملتقى المبدعين العرب الأول في دار الأوبرا المصرية الذي شارك به فنانون من المغرب والعراق والبحرين ومصر وقدموا أعمالهم في معرض لاقى اقبال واحتفاء كبير.