المرأة والفن والحرية... ثلاثية لا تنفصل في النضال
سمية. م فنانة من كرماشان بشرق كردستان، حولت الجدران والتماثيل إلى منابر نضال نسوي، تُجسّد فيها ارتباط المرأة بالفن والحرية، وتُعيد تشكيل الفضاء العام بروح مقاومة نابضة بالحياة، أعمالها تُخلّد حضور المرأة في ذاكرة المدينة.

نسيم أحمدي
كرماشان ـ يؤكد المذهب الشيعي بأن "التصوير محرّم بكل أشكاله، سواء أكان تماثيل أو لوحات أو صوراً لكائنات حية أو جامدة"، لكن رغم ذلك تواصل فتاة من كرماشان بشرق كردستان الإبداع في رسم لوحات فنية نابضة بالحياة، لتجعل من الفن وسيلة للتعبير عن الوجود.
منذ أكثر من خمسين ألف عام، دأب الإنسان على نقش رواياته ومعتقداته على الجدران، ومنح هذا الفعل اسماً خالداً هو "الفن"، ورغم محاولات البعض في القرون الأخيرة للتشكيك في هذا الإرث العريق، ظل الفن يحتفظ بمكانته كأسمى تعبير عن الروح الإنسانية، يمنحها النقاء ويغمرها بإحساس الحياة.
وفي السنوات الأخيرة، استطاعت النساء عبر نضالهن المستمر كسر الحواجز التي كانت تحصر بعض المهن والأنشطة بالرجال، فدخلن مجالات كانت تُعتبر حكراً عليهم، سواء لتأمين لقمة العيش أو للتعبير عن الذات.
في مدينة كرماشان، ترسم سمية. م، فتاة شغوفة، مسار حياتها على جدران منازل مدينتها وأسطحها، تارةً بفرشاتها، وتارةً بأطراف أصابعها، فتُبدع بأعمال تنبض بالحياة، تتسلق السقالات غير آبهة بنظرات الدهشة من حولها، وتمنح الجدران روحاً نابضة بالجمال، لتُحوّل المدينة إلى معرض مفتوح يعكس شغفها وجرأتها.
وتجسّد هذا النضال بصمت وجرأة، ولم تكتفِ برسم لوحاتها داخل غرفتها، بل نقلت فنها إلى جدران المنازل، لتمنحها حياة وألواناً، كل ضربة من فرشاتها ليست مجرد لون، بل إعلان عن حضور نسائي قوي، ورسالة تقول إن الفضاء العام ليس ملكاً للرجال وحدهم.
لوحاتها ليست أعمالاً فنية فحسب، بل بيانات احتجاجية تُعيد تعريف الشارع كميدان لنضال النساء، فكما كانت الشوارع عبر التاريخ ساحة للمقاومة ضد القمع، أصبحت اليوم منصّة لها لتواجه القيود المفروضة على المرأة، مستخدمةً فرشاتها كسلاح رمزي.
لقد لعبت الجدران دوراً محورياً في الثورات، وكانت دائماً مساحة لكسر السلطة واستعادة المجال العام، وسمية. م تواصل هذا الإرث، لتُثبت أن الفن يمكن أن يكون فعلاً مقاوماً، وأن المرأة قادرة على إعادة تشكيل المدينة بروحها وصوتها.
ولا سيما خلال انتفاضة Jin Jiyan Azadî""، تحوّلت الجدران إلى منابر احتجاجية تعبّر عن مطالب الناس، بعدما كانت حكراً على الدعاية الرسمية، ومع تصاعد الغضب الشعبي، خرجت هذه المساحات عن سيطرة السلطة، لتصبح رموزاً للمقاومة، تُزيّنها شعارات ثائرة تنطق باسم الشارع.
وفي لحظات ما، لا يُنظر إلى الجدار كمجرد سطح، بل كوسيلة إعلامية تنقل صوت المحتجين، وتُسجّل التاريخ بلون الكلمة، كل فرد يحمل قلماً يمكنه أن يدوّن جزءاً من هذا التاريخ، واليوم، وجدت سمية. م نفسها تحمل هذا القلم، لتدون بأسلوبها الخاص قصة نضالها.
لكن فنها لا يقتصر على الجدران، بل يمتد إلى التماثيل التي تصنعها بأناملها، فتارةً تأخذ شكل إنسان، وتارةً زهرة لوتس، لتُعبّر عن الإصرار بجمال الفن، وتُعيد تشكيل الفضاء العام بروح نسائية نابضة بالحياة.
وتعتبر سمية. م أن من أبرز أعمالها الفنية وأكثرها تأثيراً هو تمثال زهرة اللوتس الذي صنعته بيديها، والذي عُرض في قلب المدينة، وترى في هذه الزهرة انعكاساً لحياتها كامرأة، إذ تمكنت مثلها من النهوض من أعماق الظلمة، وتجاوزت أصعب مراحل الحياة لتصل إلى النور بجمالها الكامل.
لوحاتها، تماثيلها، وزهرة اللوتس التي نصبت في الساحة العامة، كلها تجسّد ترابطاً لا ينفصل بين المرأة، والفن، والحرية، وسمية. م، من خلال نضالها، منحت هذه الأعمال الفنية روحاً ومعنى، وأصبحت رمزاً يُلهم الآخرين للسعي نحو التحرر.