العجوز ربيعة صفصافة قرية كربتلي

قالت العجوز ربيعة جبر التي تجمع نساء قرية كربتلي جميعاً حول حجر رحاها "أريد من كل النساء الاهتمام بثقافتهن وإحياءها من جديد والعيش معها

نجاح معيش 
الحسكة ـ ".
تعتبر العجوز ربيعة جبر من قرية كربتلي بمدينة الدرباسية في شمال وشرق سوريا، والتي تبلغ من العمر 70 عاماً صفصافة القرية القوية التي يتكئ الجميع عليها. منزلها متحف ثقافي، يحوي الكثير من المنتجات اليدوية القديمة مثل ربيعة. من جرار الماء المصنوعة يدوياً إلى قربة خض اللبن الذي يعتبر ألذ وأطيب المشروبات في الصيف، يحوي أيضاً الكثير من الآثار القيمة من بينها حجر الرحى ومدقة جرن القمح. مازالت العجوز بصحة جيدة وتجمع نساء القرية حول حجر الرحى الذي أصبح جزءاً من حياتها. في الساحة الأمامية للمنزل تتجمع نساء القرية من جميع الأعمار يدخن السجائر ويشربن الشاي ويتبادلن العمل على حجر الرحى. مع تلك الصحبة الطيبة لا يتذكرن التعب، ومرة أخرى يتبادلن حجر الرحى من يد إلى يد ويتقاسمن العمل والحديث والصحبة معاً. في بادئ الأمر ربيعة هي التي تبدأ بالعمل والحديث وتكون هي سبب تجمع نساء القرية وفي الاستراحة تقوم بلف وتدخين سجائر التبغ. بالطبع بعد تجمع النساء يتم إخراج الرحى من يدها وتأخذ كل واحدة من النساء نصيبها من العمل عليه. 
 
طفلة جعلوها عروسة ونقلوها من قرية إلى قرية
عندما ذهبنا إلى قرية كربتلي شدّتنا ساحة منزل العجوز ربيعة جبر إليها فانضممنا نحن أيضاً إلى صحبة النساء. بعد إلقاء التحية جلسنا ننظر ونستمع لهن بشغف. ولأنهن يعرفن بعضهن كان كل شيء طبيعياً بالنسبة لهن. ولأننا كنا نراهن لأول مرة كنا نستمع إليهن في صمت، أحياناً ينظرون إلينا ويقولون أليس كذلك ونحن نهز رأسنا بالإيجاب. ما هو السر وراء اجتماع النساء هكذا وبأي قوة تستطيع العجوز ربيعة في كل يوم جمع هؤلاء النساء حولها؟ كان السر واضحاً فقد كانت سيادة وقيادة العجوز ربيعة ظاهرة للعيان من بين جميع النساء المجتمعات. نحن أيضاً اقتربنا منها طرحنا عليها بعض الأسئلة حول حياتها وهي أجابتنا.
ولدت ربيعة جبر في قرية مجفة بمدينة الدرباسية ضمن عائلة تعمل في الرعي. عملت مع عائلتها في الرعي مذ كانت في العاشرة من العمر، بالإضافة إلى ذلك كانت تقوم بجمع القش وقامت بجميع أعمال العائلة الكوجرية المرتحلة. ظروف الحياة علّمتها تحمل الصعاب وأصبحت مجدة وماهرة جداً في العمل. عندما بلغت الخامسة عشرة من العمر زُوجت لتصبح بديلة لزوجة أبيها في زيجات التبادل في ذلك الوقت. اتفق الرجال بما يخدم مصالحهم الشخصية وتم نقل ربيعة العروس التي لم تكن تدري بشيء من قرية إلى قرية أخرى.
ربيعة جبر التي جاءت من قرية مجفة إلى قرية كربتلي، كحملٍ يؤخذ من أحضان أمه تم أخذها وإلقاؤها في مكانٍ غير معروف. ربيعة التي كانت قد تعودت على مصاعب الحياة لم تقف في حيرة من أمرها، اعتبرت نفسها قروية من تلك القرية واختلطت واندمجت مع نساء القرية. منذ الخامسة عشرة وحتى السبعين من عمرها تعتبر ربيعة الصفصافة القيّمة في القرية التي جمعت نساء القرية حولها دائماً.
 
كوجرة البرية
ربيعة جبر التي بدأت الحديث عن حياة الكوجر، أخذتنا معها في جولة في البرية وأعادتنا مرة أخرى إلى ساحة منزلها واستمرت قائلة: "عندما كنت طفلة تعلمت تلاوة القرآن من والدي. ولأني كنت البنت الوحيدة لوالديّ كانا يأخذانني معهما إلى البرية منذ كنت في العاشرة من عمري. تعلمت جميع أعمال الزراعة وتربية الحيوانات وأنا طفلة. تعلمت من والدتي وكنت نشيطة وذكية للغاية. أحياناً كنا نذهب لنجمع القش. ومن وقت لآخر كنا نذهب إلى البراري وكنا نقيم في الخيم. في كل مرة كنا نقوم بتغيير أماكننا وكنا ننصب خيمتنا في مكان نظيف كي ترعى مواشينا العشب النظيف".
 
تجمع النساء حول حجر الرحى 
تقول ربيعة جبر إن حياتها تغيرت بعد أن تزوجت وهكذا تابعت حديثها "في ذلك الوقت كنت أربي عشر بقرات، عدا تربية الأطفال. كل صباح كنت أحلب الأبقار وكنت أصنع اللبن أو الجبن من حليبها. كل ما كنت أصنعه كنا نبيعه للقرويين لنتدبر أمور معيشتنا. ولأنه قديماً لم يكن هناك طواحين، كنا نجتمع نحن نساء القرية ونقوم بطحن القمح بحجر الرحى من أجل صنع الطحين والخبز. كان لدي عشر أطفال خمس إناث وخمسة ذكور. بالإضافة إلى الصعوبات التي كنت أعاني منها كان زوجي يقوم بتعذيبي دائماً ويضربني بالعصي. كنت أقف صامتة أمام كل التعذيب الذي كان يمارسه علي، كنت أتقبل الوضع من أجل أطفالي".
تعبّر ربيعة جبر عن أمنيتها في عودة حياتها القديمة وتقول "على الرغم من أننا كنا نتعب كثيراً، ولكن تلك الأيام كانت أجمل وأفضل. كان جميع القرويين يساعدون بعضهم في جميع الأعمال، فعندما كان القرويون يقومون بعمل ما كان الجميع يذهب لمساعدة أحد المنازل وعند الانتهاء يذهبون لمساعدة منزل آخر. أما الآن فلا يساعد أحدهم الآخر كل واحد يقوم بأعماله بمفرده. أمنيتي هي أن تهتم جميع النساء بثقافتهن القديمة ويحافظن على تقاليدهن ويحمينها".