الحكايات الشعبية مورث حافظت عليه الجدات

اتخذن من سرد الحكايات والقصص وسيلة للحافظ على الثقافة والتراث وجعلها مذكرة لمعرفة الوقائع والأحداث التاريخية بطريقة مشوقة وممتعة تُروى خلال الأمسيات

دلال رمضان 
كوباني ـ .  
القصة أو الحكاية لا تخلو من عبرة، فللقصة تأثير بالغ في نفوس الناس حيث تريهم ما يغفلون عنه أو تقص عليهم خبر قوم أو شخص ما، فيأخذون منها العبرة بدون نصائح مباشرة فالبشر ينفرون غالباً من النصح المباشر، ولذلك كانت القصة ولا تزال مدخلاً طبيعياً لأصحاب الرسالاتِ والدعواتِ، إلى عقول الناس وقلوبهم، ليلقوا فيها ما يريدونه من آراءَ ومعتقدات. وتتميّز القصص بأنّها تبقى عالقة في الأذهان.
خانم جاسم (65) عاماً، من أهالي قرية كردة التَّابعة لمُقاطعة كوباني، لديها ستة أبناء، تسرد القصص مذ كانت طفلة، تقول لوكالتنا "نقلت الحكايات التي سمعتها من جدتي ووالدتي، وكانت القصة الأولى تحكي عن الظَّلم والاستبداد في فترة الاحتلال العثماني"، وبينت أن القصص التي تصور تلك الفترة كثيرة ومتعددة.
وكان سرد القصص أسلوب للتسلية قديماً، إذ لم يكن هنالك كهرباء وتلفاز وتقنيات حديثة، والحديث لخانم جاسم "كنا أكثر تمسكاً بالروابط الأسرية المشبعة بالحب، فنجلس مع العائلة والأصدقاء في كل مساء ونستمع إلى تلك الحكايات الكثيرة والمسلية من الكبار في السَّن".
وحفظت العديد من القصص والرَّوايات التي سمعتها في طفولتها "تعرفت على أناس عاشوا في تلك العصور دون أن أراهم، وسمعت قصصاً عاطفية كممو زين، وخجي وسيامند، وكان الهدف منها أخذ العبرة والتَّمييز بين الخير والشَّر، والتَّعرف على العادات الاجتماعية وبطولات من سبقونا ومعاناتهم"، مضيفةً "سعينا من خلال تناقلها الحفاظ على تاريخنا وإيصاله لأجيال اليوم، والتَّأمل في حياة السَّابقين".
وممو زين قصة من الأدب الكردي، كتبت عام 1692، للكاتب والشاعر الكردي أحمد خاني، هي قصة حب كلاسيكية بين الأميرة زين شقيقة حاكم بوتان وشاب يدعى مم ابن أحد عمال الأمير.
فيما تحكي ملحمة خجي وسيامند وهي أيضاً من الأدب الكردي قصة حب، وهي قصائد غنائية لا يعرف كاتبها، لكنها انتشرت بين الشعب الكردي وتعد إحدى الملاحم الفلكلورية.
وترى خانم جاسم أن القصص والرَّوايات تشد الانتباه من دون استئذان، وهي أكثر قدرة على النَّصح والإرشاد من الكلام المباشر "سَردتُ القصص على أطفالي عندما كانوا صغاراً في الليالي الطَّوال على ضوء الفانوس، وحرصت على تعليمهم فعل الخير ومقارعة الظَّلم".  
وتؤكد على أنه لو لم يحافظنَّ على العادات والتَّقاليد لكانت اندثرت، "قلائل من يستمعون اليوم للقصص؛ نتيجة التَّطور التَّقني، ولكننا بحاجة للحفاظ على التَّراث وإبقائه حياً". 
وتشاع القصص والحكايات الشعبية والأساطير القديمة شفهياً بين الناس وتنتقل من جيل إلى آخر من خلال التعبير الشفوي، وتتميز بقدرة فنية وإبداعية قابلة للتأثير على خيال وشعور المستمعين والذين بدورهم ينقلونه للأجيال اللاحقة، فالأم التي تهز سرير طفلها وتلقي على مسامعه الأغاني الفلكلورية تتحول إلى قاصة تروي الحكايات والأساطير.
السبعينية شها حمي (70) عاماً من قرية منازة التابعة لمدينة كوباني تقول أنها تعلمت رواية القصص وهي في سن الـ 13 عاماً، وكانت تسمع أمها وجداتها وهن يروين القصص في الليالي الطويلة "تجتمع الأمهات والجدات في الأمسيات بعد الانتهاء من أعمالهن الشاقة والمتعبة، ونجتمع نحن الأطفال حولهن ونستمع إلى القصص والحكايات التي يسردنها لساعات طويلة"، مضيفةً بأن والدها كان يجيد غناء المواويل الكردية وكان الناس من القرى المجاور يجتمعون حوله في منزله للاستماع إلى صوته الجميل وإلى المواويل الطويلة التي كانت عبارة عن ملاحم وقصص ومنها ملحمة "مم آلان ودرويش عبدي" والكثير من القصص التي كانت تحكى في تلك الحقبة من الزمن.
وبينت شها حمي بأن القصص كانت تسرد لمدة ثلاث ساعات أو أكثر لأنها طويلة جداً لذلك وعند بلوغ الليل كان الناس نساءً وأطفالاً صغاراً وكباراً يسارعون للتجمع في بيوت الجدات ليروين لهم القصص الجميلة والمشوقة.
وكانت تروى القصص والحكايات في الأمسيات الطويلة في القرى لعدم جود الكهرباء، وشكلت أساساً لجميع السهرات ويستمع إليها الكبير قبل الصغير بما فيها من عبرة وكانت تحكى بأسلوب مشوق للغاية حيث تشد إليها المستمع بطريقة مدهشة وكانت تبدأ بعبارة "كان يا مكان".
وسردت لنا شها حمي قصة الأفعى شاه ميران ولكن على طريقتها وحسب ما نقلته عن أمها وجداتها والتي تحكى منذ ألاف السنين والتي تعتبر من الحكايات والملاحم الغنائية التي يتناقلها الشعب الكردي عبر التاريخ وإلى يومنا هذا ويتم روايتها من جيل إلى آخر بما فيها من الغرابة والتشويق وهي جزء من التراث الكردي وإرثه الثقافي، ويوجد إلى يومنا هذا في كل بيت كردي صورة للأفعى شاه ميران والتي نصفها أنثى ونصفها الآخر إنسان وتعلق على جدار المنازل.
وتشير شها حمي بأن العبرة من هذه القصة هو عدم الثقة بالأخرين وتحكى عن الغدر والخيانة التي كانت ومازالت مستمرة إلى عهدنا هذا وتأخذنا إلى الماضي وإلى تاريخ الإنسان القديم وتقول "جميع هذه القصص كانت أحداث حقيقية ووقعت في الأزمنة الغابرة، تناقلتها الأمهات والجدات من جيل إلى آخر بغرض أخذ العبرة والاستفادة منها".
وتابعت حديثها "كنت استمع للقصص لحين ما كبرت وتزوجت وانجبت أولادي الأربعة، وكنت أسرد لهم القصص التي تعلمتها وبقيت في ذاكرتي فحينها لم يكن هناك تلفاز وانترنيت كما اليوم وكل شخص يضع رأسه في الهاتف ولا يستمع إلى أحد"، مؤكدةً بأن الحياة الاجتماعية ذهبت مع التطور والتكنلوجيا التي ظهرت مؤخراً. 
واختتمت حديثها قائلةً "عندما كان أولادي صغاراً كنت أروي لهم القصص واليوم أروي القصص لأحفادي بدافع التسلية والتعرف على الوقائع التي حصلت سابقاً، وهم بدورهم تعلموا القصص التي كنت أسردها لهم ويرددونها على بعض في كل يوم".