"‬الأمهات الموهوبات‫"‬ ورشات تخرج النساء من عزلتهن وتفتح أمامهن آفاقاً واسعة‬‬

أكدت مديرة مؤسسة ‫"‬دار بلارج‫"‬ مها المادي، على أن ورشات "الأمهات الموهوبات" لم تكن تتحقق لولا إرادة النساء اللواتي بحثاً عن منفذ للخروج من منازلهن لتحقيق مشاريع تعود عليهن بالنفع.‬‬‬‬

رجاء خيرات

مراكش ـ تحتضن مؤسسة ‫"دار بلارج‫" لرعاية الثقافة والتراث في مراكش عشرات الأمهات من خلال تأطيرهن في ورشات فنون الطبخ والخياطة والمسرح. ورشات لـ ‫"الأمهات الموهوبات‫" أخرجتهن من عزلتهن وفتحت أمامهن آفاقاً واسعة لإبراز مواهبهن وخلق مشاريع حياة جديدة بعيداً عن الأدوار التقليدية‫.

تأسست مؤسسة ‫"دار بلارج‫" لرعاية الثقافة والتراث على يد امرأة سويسرية تدعى ‫سوزان بيديرمان‫، وهي مهندسة ديكور جاءت في زيارة للمغرب‫، وفي عام 1999عثرت على بيت أثري عريق في المدينة العتيقة، اشترته ورممته ثم حولته لفضاء ثقافي في البداية، قبل أن تنشئ فيه مؤسسة ‫"دار بلارج‫".

وقالت مديرة المؤسسة ومهندسة ورشة "الأمهات الموهوبات‫" مها المادي لوكالتنا ‫"كانت سوزان بيديرمان‫ بمثابة الأم الراعية للثقافة ويرجع لها الفضل في ميلاد هذه المؤسسة‫"، مضيفةً "هويتنا الثقافية ممزقة، حيث الملاحظ أن هناك فجوة كبيرة بين الجيل السابق والحالي الذي لم تعد تربطه أية علاقة بالتقاليد والتراث، ولا أحد يمكنه أن يرمم هذا التمزق ويخيطه إلا الأم، باعتبارها الراعي الوحيد للثقافة الشعبية التي ينبغي أن تبقى حاضرة في حياتنا، وإذا فرطنا في هذه الأم سوف نكون قد قطعنا آخر شعرة تربطنا بالتراث‫".

 

ميلاد "الأمهات الموهوبات"

وجهت مها المادي دعوة لبعض الأمهات من ربات البيوت لا يتعدى عددهن أصابع اليد، وهي لا تعرف بعد ماذا يمكن فعله معهن، ولما حل يوم مجيئهن تفاجأت بما يناهز أربعين امرأة أمامها‫، وعن ذلك تقول "فاجأني حضورهن المكثف، فارتبكت‫. لم أعد أعرف ما الذي يمكنني فعله معهن‫، فقمت بوضع أوراقاً وأقلاماً أمامهن وطلبت منهن أن ترسمن ما تفكرن به‫، فكانت رسوماتهن تعكس أحلامهن وتطلعاتهن‫".

وأشارت إلى أن "في اللقاء الثاني عقدنا جلسة لتتحدث كل واحدة مننا عن مشاكلها وهمومها، وهكذا توالت اللقاءات حتى أصبح العدد يكبر والإقبال يتزايد، لأبدأ في التفكير بجدية في إنشاء ورشات تكون أكثر إفادة، ومن هنا جاء ميلاد ورشات ‫الأمهات الموهوبات‫".

وأضافت أن كل أم موهوبة بالفطرة‫، سواءً تلك التي أنجبت أو التي ربت، فكل الأمهات لديهن مواهب مضمرة، فقط تحتاج لمن يخرجها ويكشف عنها.

وأوضحت مها المادي أن "هذه المواهب المتعددة التي أظهرتها الأمهات هي من فرضت خلق ورشات تعود بالنفع عليهن، وهي ورشات لم يكن من السهل أن تتحقق لولا إرادة هؤلاء النساء اللواتي انخرطن بجدية ومسؤولية في كسر جدار العزلة بحثاً عن منفذ للخروج من بيوتهن لتحقيق مشاريع استعدن من خلالها بعض الأمل الذي ضاع منهن في الحياة".

وأكدت على أن اسم "الأمهات الموهوبات" لم يكن اعتباطياً بالنسبة لها، بل جاء نظراً لأن كل أم موهوبة بالفطرة، حيث الأم هي المنبع، والثقافة، والوطن، فالخالة والعمة والجدة كلهن أمهات موهوبات، فقط هن بحاجة لمن يمنحهن فسحة أمل لإبراز مواهبهن، لافتةً إلى أن من رحم هذه الورشات خرجت نساء رسامات، ممثلات، صانعات ومحترفات، حتى أن بعضهن قدمن عروضاً بلغة فصيحة علماً أن بعضهن لا يتوفرن إلا على مستوى تعليمي محدود‫.

 

تعطش لتحقيق الذات

وأشارت إلى أن أكثر من 200 امرأة متعطشة للانخراط في ورشات متعددة كورشة الحضرة التي نظمتها ‫"لالة خالة‫" وهي امرأة في العقد الثامن من عمرها تلقن الأمهات الموهوبات فن الحضرة ‫(طقس قديم توفيت أغلب رائداته‫)، وورشة لتعلم قواعد الموسيقى ‫"الصولفيج‫"، وورشة لمناهضة الأمية باللغتين العربية والفرنسية، وورشة لتعلم الخط العربي، وورشة للخياطة والأعمال اليدوية وأخرى للرقص.

وأكدت مها المادي على أن "كلما فُتح باب أمامهن للتعلم إلا وبحثن عن أبواب أخرى لطلب المزيد‫، فإنهن متعطشات للتعلم واكتساب المهارات العديدة في عدة مجالات‫"، مضيفةً "من كان يصدق أن أماً وربة بيت تؤدي دوراً في مسرحية على أكمل وجه".

لا يقتصر دور الورشات التي انخرطت فيها النساء بكل عزيمة وإرادة على تحريرهن فقط من رتابة الحياة التي كن تعشنها، بل تعدى ذلك إلى اكتساب القدرة على التعبير عن رغباتهن ومشاكلهن بكل شجاعة وجرأة.

 

عروض خارج المغرب

استطاعت العديد من النساء أن تجتزن الحدود وتعرضن في مسارح دولية في فرنسا، وسويسرا وغيرها من الدول‫، وبفضل إرادتهن ورغبتهن في التحرر استطعن أن تكسرن القيود، ليتحولن من ربات بيت لم تكن تبرحن منازلهن إلا للتبضع، إلى نساء موهوبات تصلنّ لأماكن لم تجرأن يوماً على التفكير فيها.

وفي عام 2014 شاركن في ورشة تشاركية في الصناعة التقليدية بمدينة تور الفرنسية، بالإضافة إلى عروض فنية جابت خلالها مدن مغربية، ومنذ 2009 حتى 2015 تسافر ثلاث أمهات سنوياً لتمثل المغرب في أسواق رأس السنة التي تقام في مدينة تور الفرنسية، كما قدمن عروضاً وشاركن في لقاءات عبر العديد من المدن المغربية.