أديبة تونسية: دعم الأديبات يحمل نوعاً من الذكورية
ترى الأديبة التونسية أميرة غنيم، أن دعم الأديبات يحمل نوعاً من أنواع الذكورية، معتبرة أنهن قادرات على فرض كتاباتهن بعيداً عن منطق الجندر والتمييز.
زهور المشرقي
تونس ـ فازت الأديبة التونسية أميرة غنيم، بالجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" عام 2019، وجائزة الأدب العربي لعام 2024، عن روايتها "نازلة دار الأكابر"، التي اختيرت في نسختها الفرنسية، للمنافسة ضمن القائمة القصيرة للروايات المرشحة لنيل الجائزة الأدبية الفرنسية "ميديسيس" للرواية الأجنبية التي تمنح خلال تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام.
أميرة غنيم أديبة وجامعية مختصة في اللسانيات في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بولاية سوسة بالساحل التونسي، عُرفت بمزجها بين الواقع والخيال، تحاول إبراز التاريخ التونسي عبر عرض شخصيات في كل مرة، على غرار وسيلة بن عمار التي ارتبط اسمها بجزء من تاريخ تونس الحديث.
لمعرفة مدى أهمية حصول أديبة عربية على جائزة عالمية للروايات الأجنبية، وكيفية إيلاء الأهمية للأدب النسائي، ودعم إنتاجات الأديبات كان لوكالتنا مع الأديبة التونسية أميرة غنيم الحوار التالي:
كيف دخلتي غمار الأدب وانطلقت فيه حتى تم اختيار روايتك الأخيرة "نازلة دار الأكابر" ضمن الروايات المرشحة لجائزة "ميديسيس" للرواية الأجنبية؟ وما مدى أهمية ذلك بالنسبة لأول أديبة عربية ـ شمال أفريقية ترشح لهذه الجائزة؟
لم أكن أنوي نشر رواياتي، فقد كنت أركز على البحوث والدراسات، قبل أن تتحرك فكرة ما في داخلي في صيف عام 2015، حين لاحظت أن الشعب التونسي بانت عليه علامات مختلفة لم يعهدها ولم يعرفها أحداً في السابق، حيرتي حول تغير طبع أبناء شعبي خلقت تساؤلات لم أستطع الإجابة عنها، خلق في ذهني ما عاشته تونس بعد الثورة وهذا التغيير أحدث ثورة داخلية مغلفة بالحيرة، لأجد في الرواية مجالاً لطرح مجموعة من الأسئلة والبحث فيها، على غرار سؤال "من نحن؟".
لقد شعرت بالغربة والاغتراب وقلت هل هؤلاء هم التونسيون فعلاً وبدون قصد وجدت نفسي أكتب روايةً عن شخص مجنون فقد عقله، شخص مصاب بالفصام، يشبه المجتمع التونسي في تلك الفترة، حيث يبدو في حالة غير طبيعية كبطل الرواية الرئيسي، وهو رسام لكنه مريض عقلي لا يعرف أنه كذلك ويعيش حياته يوم بيوم ولا يفهم أنه يذهب إلى حتفه برجليه، وكتبتها بطريقة فيها انفعال البدايات وتركتها في ذاكرة الحاسوب ولم أكن أعرف أنها ستنشر إطلاقاً، لكن وأنا أخط اطروحة الدكتوراه ذات مساء قائظ من شهر آب سئمت فتصفحت الفيسبوك، وجدت صدفة طلباً للترشح لجائزة حمد الشرقي للإبداع في إمارة الفجيرة عن الرواية المخطوطة، فتذكرت روايتي ودون رغبة حقيقية شاركت بعد خمس سنوات من كتابتها وفُزت، وفي تلك الفترة كنت قد شرعت في كتابة "نازلة دار الأكابر" وكنت أنوي عدم نشرها لكن فوز الأخت الكبرى بالجائزة شجعني على نشر الثانية.
عادة تمنح جائزة "ميديسيس" للأدب الأجنبي، وهي مهمة جداً، فمجرد أن أكون ضمنها شرف عظيم لي وللأدب التونسي، فقد وصلت روايتنا المترجمة إلى اللغتين الفرنسية والايطالية إلى القائمة القصيرة ونحن الآن أمام منافسة شرسة مع كُتاب عالميين وترجمة من لغات مختلفة ونتمنى أن نذهب إلى أبعد من ذلك.
كيف حاولت أميرة غنيم التطرق لقضايا الطبقيّة والاستغلال والعنف والتطرّف واحتكار المعرفة والسلطة في روايتها "نازلة دار الأكابر"؟
قد يتفاجأ القارئ إذا عرف أن الكاتب لا يُخططُ لموضوع الرواية، فهو لديه فكرة صغيرة ينطلق منها وتسير الشخوص بمساراتها المختلفة وتخرج الرواية على الشكل الذي تصل به إلى القارئ.
بدأت اكتب "نازلة دار الأكابر"، في الفترة التي ارتفعت فيها الأصوات التي تنادي بإسقاط مجلة الأحوال الشخصية في تونس، وكنت ككل التونسيات نعيش تلك الفترة باشمئزاز كبير وخوف، وصادف إني كنت اكتب مقالات لصحيفة عربية حول مشروع المساواة في الميراث الذي كان الراحل الباجي قائد السبسي قد اقترحه على مجلس النواب وبقي المشروع حبراً على ورق.
وأنا اكتب في الموضوع خطر إلى ذهني صاحب الفكرة الأصلي الطاهر الحداد في كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" وهو أول من دعا إلى إقرار المساواة بين الجنسين في الإرث ونادى بالعدل والحرية.
ولاعتبار الرواية كان محورها فترة الثلاثينات من المهم ذكر الصراعات التي عاشتها تونس، فجل ما هو موجود في أجندة الفكر التونسي الحديث هو الذي قد فضح في الثلاثينات وفترة التناقضات الكبرى، فكان طبيعياً أن تتجه الرواية نحو هذه الوجهة، وجهة طرح الصراع الطبقي ومسألة العنصرية ومسألة استعباد النساء حتى خرجت على الوجه الذي وصلت به إلى المتلقي.
ليس متعارفاً عليه أن تكتب النساء في التاريخ وتتعمق في تفاصيله كما غصتِ، لماذا اختارت أميرة غنيم هذا النوع من الروايات بعيداً عن العاطفة وقضايا النساء؟ وعلى ماذا يقوم مشروعها الأدبي؟
مشروع بدأ بـ "نازلة دار الأكابر" واستمر مع "تراب سخون" وسيستمر مع رواية سيكون المتكلم الرئيسي فيها الراحل الحبيب بورقيبة، وهو مشروع تخييل التاريخ التونسي وتسريده من نظر العالم الروائي، الغاية منه ليس كتابة تاريخ موازي مخالف للتاريخ الرسمي وإنما الهدف هو تمكين الأجيال القادمة من أن يكون لهم علاقة أقوى برموز الدولة الوطنية وبالأشخاص الذين كان لهم دور فعلي في تشكيل وجه البلاد كما نعرفه اليوم.
جميعنا يعلم أن علاقة الجيل الحالي مختلفة عن الجيل السابق وجيل الآباء، فما يعرفه هذا الجيل محدود، فلا يعلمون كيف فرض بقوة القانون مجلة الأحوال الشخصية التي ساوت بين الجنسين وألغي الطلاق الشرعي للنساء ومنع تعدد الزوجات، ما يفسر أن علاقتنا بالرموز تخفت مع التقدم بالزمن لا سيما وأن قراءة التاريخ ليس فيها جاذبية ويقبل عليه المتلقي بسبب درس أو بحث لكن الرواية جمهورها واسع وكبير، واستدعاء هؤلاء الرموز سيساهم في معرفة التاريخ والاطلاع عليه، كم أسعدني آراء من قرأ روايتي نازلة دار الاكابر وتراب سخون حيث خلق فيهم ذلك رغبة في العودة للتاريخ والاطلاع على الوثائق لمعرفة ما روي عن وسيلة بن عمار محققة تاريخاً أم أنها من وحي الخيال، وما مدى التخييل في النص من الحقائق التاريخية، إذا أعطيت رغبة للقارئ من غير جيلي للتعرف على هؤلاء الرموز التي قد فتحت له بوابة صغيرة نحو عمر أطول.
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لازال الأدب النسائي بمفهوم الجندر، مغيباً ولا يولى الاهتمام الذي يستحق، كيف يمكن دعم إنتاجات الأديبات لضمان وصولها إلى الجمهور خاصة حين تحمل الروايات رؤية حداثة تخدم المجتمع وتحارب التخلف والرجعية؟
لا اتفق مع هذا الطرح، لا أرى أن ثمة ذكورية تمنع الأدب الذي تكتبه النساء من الوصول، ولا أؤمن بضرورة دعم الانتاج الذي تخطه الأديبات لأن في ذلك نوع من أنواع الذكورية، فالكاتبة لا تحتاج إلى الدعم ولا تنتظر يد المساعدة حتى يصل إنتاجها، فهذا الأخير يدافع عن نفسه، وما تكتبه هو من يوصلها إلى القارئ، ولا يحتاج إلى هياكل تدعمها ومؤسسات تدفع بأدبها وكل ما عليها فعله أن تكون صادقة فيما تخط وأن تتفاعل مع قضايا مجتمعها وعصرها، والأدب الجيد يفرض نفسه سواءً كان كاتبه امرأة أو رجلاً، وجائزة نوبل مؤخراً حازت عليها امرأة ما يدل على أن فكرة الأدب النسائي مقموعة في طريقها للزوال.
لا آخذ بعين الاعتبار الانتماء الجندري للنساء والرجال في الأدب، المهم هو النص الأدبي الناجح الذي يدخل في منافسة ويقدر على رفع التحديات بصرف النظر عن الجنس، الاعتبارات الجندرية في الأدب لا تعنيني برغم وجود نفس نضالي نسوي لكنني اذهب إليه إيمانا مني بالمفاهيم الكونية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والحرية لا من منطلق أنني كاتبة امرأة.
هل ترين تمرداً في الأدب النسوي العربي وكيف يمكن تحفيز ذلك التمرد إن وجد؟
التمرد موجود ليس في الأدب الذي تكتبه المرأة فقط بل في الأدب الحديث عموماً حيث ثمة رغبة حقيقية في تكسير الاصنام الثابتة والموجودة، والأدب المخول أن يعيش كثيراً ويكون ثورياً سواءً من ناحية البنية المستقرة في الجنس الأدبي وأيضاً ثورة على مستوى المضامين المطروحة للرواية حيث لم تعد تقتصر على تلك الأفكار المعروفة وانفتحت على مشاغل الإنسان اليومية البسيطة في سذاجتها التي تكون هشاشة الكائن الإنساني، فلا اعتقد أن التمرد يرتبط بجنس الكاتب، ولا اعتقد أنه بحاجة إلى تحفيز.
هناك أديبات لا تتبنين مصطلح الأدب النسوي وتعتبرنه تعبيراً ذكورياً للتقليل من قيمة الأدب الذي تكتبه المرأة وكأن أدب الرجال هو الأدب الرسمي أو المعياري، ما تعليقك على هذا الرأي؟
ينبغي أن نُميز بين الأدب النسوي والأدب النسائي، فالأول حامل لنفس نضالي مؤمن بقيمة العدل والمساواة بين الجنسين وضرورة مقاومة الأفكار الذكورية والرجعية والتعامل مع النساء بناءً على الإرث القديم المتحجر، أما النوع الثاني (النسائي)، يقصد به الأدب الذي تخطه النساء، والأمرين مختلفين، فالنسوي يكتبه الجنسين بمضامين مقاومة.
إن تصنيف الأدب بجنس الكاتب لا أوافق عليه ولا أراه مقنعاً أن يكون مصطلحاً، ما معنى أن نقول الأدب الذي تكتبه المرأة، ما الذي يجعل فيه شيئاً استثنائياً يصلح أن يدخل في بوتقة خاصة في النقد، أما بخصوص المضامين يمكن أن تكون خاصة لكن قد يطرحها الرجال أيضاً.
ختاماً، تتغير المنظومات السياسية لكن بقي واقع النساء صعباً ومحرجاً من ناحية تحقيق العدالة الاجتماعية، برأيك كيف يمكن تغيير ذلك الواقع؟ وما الذي يجب العمل عليه لعدم إعادة الأخطاء التي ارتكبت؟
التربية والتعليم هي الحل لتحسين واقع النساء، لا شيء بإمكانه أن يغير واقعهن إلا التربية على فكرة العدل بين الجنسين وتعليم قائم على استثمار هذه الفكرة وعلى مغادرة الأصنام البالية التي تكرس التمييز الجندري بين الرجال والنساء.
كنا ولا زالنا ندرس في كتبنا المدرسية، هذا أبي مبروك يقرأ الجريدة وهذه أمي مريم تغسل المواعين أمام حوض المطبخ، هذه الفكرة التي تربينا عليها اتمنى ألا تتربى عليها الأجيال القادمة لأنها تستبطن في الوعي هذه الأدوار الجندرية المنمطة، اليوم تغيرت المعطيات، فالنساء في كل المجالات ومن غير المعقول أن نبقى نربي أبنائنا على أدوار الأسرة محمولة على الأم ومشاغل خارج البيت محمولة على الأب، فالأسرة التونسية فيها توازن، جميل أن يكون لدينا مجلة أحوال شخصية قوية جداً وأن تكون الدولة في فترات مختلفة قد دعمت مكاسب المرأة واقرت قوانين تحميها كقانون مكافحة العنف لكن بعض القضاة لا يحكمون به وظل حبراً على ورق.