يسرى فراوس: غياب الإرادة يؤدي إلى تأجيج العنف ومجلة الأحوال الشخصية لم تؤدي دورها المطلوب (2)

لطالما كانت مجلة الأحوال الشخصية محل انتقادات واسعة، وتعتبر جمعيات نسوية تونسية وناشطات في مجال الحريات الفردية أنّ المجلّة ظلمت المرأة التونسية وأحاطتها بتفكير ذكوري قمعي متسلّط

مجلة الأحوال الشخصية تحمل إرثاً ذكورياً وجب محاربته 

زهور المشرقي 
تونس ـ ، وتدعو هذه الجمعيات وأبرزها جمعية النساء الديمقراطيات إلى إحداث مراجعات حقيقية على المجلة بما يتماشى وما وصلت له المرأة التونسية من تطور فكري وانفتاح.
رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، يسرى فراوس تحدثت في الجزء الثاني من حوارها مع وكالتنا عن أهمية مراجعة مجلة الأحوال الشخصية التي لم تعد تواكب وضع المرأة التونسية في المجتمع واستحقاقاتها للقيام بدورها الفاعل في مجالات الحياة العامة. 
 
مجلة الأحوال الشخصية الصادرة في آب/أغسطس 1956، ظلمت بعض النساء وتناست أخريات وهي مجلة تجاوزها الزمن والاحتفاء بها في الرمزيات صار مطلقاً... هذا مقتطف من تصريح لكم عبر إذاعة "شمس أف أم" المحلية، برأيكم هل المرأة التونسية بحاجة اليوم إلى بديل عن هذه المجلة؛ لضمان حقوق وحريات أوسع، أما أنها بحاجة إلى المراجعة والتجديد؟ 
مجلة الأحوال الشخصية إذا قارنّاها بنظيراتها في المنطقة العربية فسنعتبر أن التونسيات محظوظات، لكن الهدف الذي تأسست من أجله أصلا الحركة النسوية في تونس هو إدراك قصور هذه المجلّة عن تحقيق قيمة إنسانية لا يناقش فيها عاقلان وهي قيمة المساواة، هذه المجلّة تعطي مجموعة من الامتيازات على أساس الجنس وهي مجلة جاءت للتأسيس الأسرة التونسية ولتحديث هذه الأسرة، ووضعت بعض الأحكام والضوابط المهمة والتاريخية مثل تحديث الزواج وإقرار الطلاق في المحاكم، ومنع الزواج بغير الصيغ القانونية، وتمكين النساء من الطلاق أمام المحاكم بنفس الشروط التي يتمتع به الرجال، ولكن بالمقابل حافظت على بعض الامتيازات منها مثلاً اللقب العائلي الذي يسند للأب فقط، ومنها رئاسة العائلة التي هي حكر على الزوج، وأيضاً صلاحيات الولاية على أطفالها، فضلاً عن أن المرأة عندما تطلق وتتزوج مرة ثانية قد تحرم من الحضانة، إلى جانب مسألة الموارد التي تنظم عن طريق انتقال الملكية في حالة الوفاة والوراثة. كذلك من يولد خارج إطار الزواج يحرم تماماً من الميراث في تونس، وهناك التمييز الصارخ بين البنين والبنات على أساس القاعدة الاسلامية وهي للذكر مثل حظ الأنثيين، وبالتالي كل هذا يجعل النساء أدنى مرتبة في تسيير العائلة. هذه الجوانب ننتقدها بشدة في مجلة الأحوال الشخصية.
نعتبر أن هذه المجلة لا يمكن أن تواصل إسناد رئاسة العائلة للزوج فقط كأنه امتياز ذكوري خاصة أننا نرى أن بعض البلدان التي كانت متخلفة في قوانينها الشخصية غيرت على غرار المغرب منذ عام 2004 مؤسسة العائلة ولم تتركها حكراً على الرجل، وإنما جعلتها رئاسة مشتركة بين الطرفين، بعض البلدان عملت على تسوية مسألة الميراث مثل أربيل في العراق أو المناطق الكردية "مناطق شمال وشرق سوريا" في سوريا، والتي جعلت الميراث بالمساواة بين النساء والرجال. 
 
اختزال حقوق النساء في 8آذار/مارس، و13آب/أغسطس، هل يقلقكم؟ وإذا كان الأمر كذلك، لماذا؟
آذار/مارس يختلف نوعياً، فهو يوم عالمي للدفاع عن حقوق النساء، وفي وقت الاستبداد كان مناسبة، ومع صعود الإسلاميين في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. كانت الحركة النسوية والحركة الديمقراطية تطالب بالتحرّك في 8آذار/مارس من أجل مزيد من حقوق النساء، فهو يوم للتقييم ويختلف من حيث رمزيّته عن اليوم الوطني أو العيد الوطني، لأنه ببساطة ليس للتهليل بالمكاسب والتبجح ببعض ما تحقّق من حقوق للنساء، بل هو يوم للوقوف على ما يجب أن يتحقق. وفي السنوات الأخيرة، أعتبر أن 8 آذار/مارس صارت له رمزية مهمة جدّاً مثله مثل 25 تشرين الثاني/نوفمبر، اليوم العالمي لمناهضة العنف ضدّ النساء لأنه بات مناسبة للوقوف على أشكال الهيمنة التي تتقاطع حول النساء، الهيمنة على أساس الانتماء الطبقي، الهيمنة والاستغلال للأرباح بالتضحية بالمساواة في الأجر، التضحية بالحق في الضمان الاجتماعي والتضحية بالترقية في المجال المهني، التضحية بالعمل غير المثمن للنساء وعملهنَّ غير المدفوع الأجر داخل المنزل وتربية العائلة.
ثمّ إنه يوم للتذكير بأن كل المخاطر التي تحدق بالأرض هي تحدق بالنساء أولاً: النزوح، الهجرة غير الآمنة، حرمان النساء من التنقل، حرمان النساء من البيئة السليمة، حرمانهن من العمل في ظروف ملائمة ممّا يفتك بصحتهنَّ وسلامتهن، وآخر مثال في طنجة بالمغرب عاملات يسقط عليهنَّ سقف المصنع الذي يعملنَّ فيه مقابل مبالغ زهيدة.
نتذكر في هذا اليوم تحديداً أنه لا بدّ من وضع سياسات شاملة في محاربة تفقير النساء ومحاربة الأخطار الوبائية والبيئية التي تحدق بالنساء. ويتضح في تجلياته ويضع قضية العنف كقضية مركزية لأنه لا يمكن للنساء أن يتمتعنَّ بأية حقوق طالما لا يزال المجتمع يعتبر العنف وسيلة لـ "تربية" النساء.
أيضاً هو يوم لربط الهيمنة على النساء وعلى أجسادهنَّ واختياراتهنَّ بالهيمنة العنصرية، والعنصرية التي تستعملها الدول بشكل مهيكل ضدّ الأعراق أو ضدّ أصحاب اللون المغاير (الأسود تحديداً) وضدّ الأقليات الدينية وضدّ الأقليات الجندريّة والجنسية. 
فعندما نربط أشكال الهيمنة الثلاثة: الهيمنة الرأسمالية، الهيمنة الأبوية والهيمنة العنصرية، نفهم أن النساء هنّ أكثر المتضررات من اسوأ ما يوجد في الكائن البشري وهو التفوق على أساس العرق أو على أساس الجنس أو الموارد الاقتصادية، لذلك أصبح تاريخ 8 أذار/مارس مناسبة لإضراب عالمي للنساء وفي بلدان كثيرة هناك نسويات يحركنَّ الأرض تحت أقدامهنَّ برفض العمل بدون مساواة في الأجر، ورفض العمل المنزلي وحتى رفض الاستهلاك المفرط. 
في مجتمعنا أيضاً عند ذهاب المرأة إلى مقهى رجالي يصبح المقهى مختلطاً أكثر وبالتالي تصبح المادة الاستهلاكية التي نبتاعها أغلى ثمناً بالرغم من أن سعرها أقل بكثير في المقاهي المخصصة للرجال. 
إذاً، هذا اليوم هو مناسبة للثورة النسوية ضدّ كل التفاصيل التي تسبب التمييز بين النساء وتسبب الفقر لدى النساء، وبالتالي بالنسبة لي 8 آذار/مارس هو يوم مهم جدّاً لتحفيز كلّ الشعوب والدول على مراجعة مسؤولياتها في وضع النساء، لمراجعة فهمها للتمييز والتفاوت بين النساء والرجال والفجوات الموجودة.
ونتمنى أن يكون الثامن من آذار/مارس في تونس، مستقبلاً يوم إضراب للنساء، حتى ضد العمل غير مدفوع الأجر داخل العائلة، أتمنى أن يتخذ 8 آذار شكلاً نضالياً يربك أشكال الهيمنة لكي يفهم الجميع أن المرأة التونسية كما السورية كما الفلسطينية كما في المكسيك تتعرض لكل هذا العنف.
 
طالبتم بتنقيح القانون المتعلق بتنظيم العمل المنزلي، ماهي نواقص هذا القانون حتى يتماشى وحقوق العاملات؟
مشروع قانون عاملات المنازل الذي طالبنا به، والذي وعدت به وزير المرأة الصيف الماضي، بأنه سيتم طرحه للنقاش بالفعل مرّ إلى سيره التشريعي بالبرلمان ولكن لم يقع إشراكنا في صياغة القانون وتفاجأنا عندما مرّ على الجلسة العامة بنواقص عديدة، هذا القانون نسي تماماً واقع العمل المنزلي في تونس، وتحدث عن نوعين فقط، العمل المنزلي الذي تمارسه النساء مع مؤجر واحد وهنا جاء ليعطي بعض الضمانات منها الأجر الأدنى المعمول به؛ لكي يطبق على هذا القطاع، وبعض الضمانات من قبيل الضمان الصحي، والحماية الاجتماعية لهذا النوع من التشغيل الهش.
القانون تناسى تماماً وضعية العاملات الأجنبيات وهنَّ كثيرات بفعل الهجرة وخاصة المهاجرات من إفريقيا جنوب الصحراء، اللواتي يعملنَّ في قطاع العمل المنزلي، لكنهنَّ يعانينَّ من ترسانة قوانين تقليدية موجودة في مجلة العمل، تشترط مثلاً أن الأجنبية التي تعمل بتونس لا بد أن تعمل في قطاع  تنذر فيه الكفاءة التونسية، ولابد أن تحصل على تصريح من وزارة الشؤون الاجتماعية بالعمل في تونس، وهي إجراءات بيروقراطية وضعت منذ ستينات القرن الماضي، وقد تجاوزها الزمن بالعولمة وفعل الهجرة المتزايدة خاصة منذ عام 2011، واليوم هناك واقع لوجود أجنبيات يعملنَّ في تونس دون أدنى حقوق، ويتعرضنَّ للاستغلال البشع، وجميع أشكال العنف والظلم ومنها الاتجار بالبشر، هذا القانون أهملهنَّ ولم يذكر أنه سينقح هذه الاجراءات التي ستعقد عليهنَّ العمل كمعينات منزليات في تونس، ولم يحقق لهنَّ أي ضمانات، هذه أوجه قصور كبرى، والواقع أن القانون يقوده نوع من العقلية البرجوازية  الاستعلائية.. هناك نظرة دونية للعاملات في هذا القطاع، بالتالي نحن نرفض هذه العقلية الاستعلائية.
هذا القانون أغفل أشكالاً كثيرة وجب لفت النظر إليها، ولم يغلق باب السمسرة والاستغلال اللذين ينخران هذا القطاع، ويجعلان النساء يعملنَّ في واقع من الابتزاز والهشاشة. 
نحن نعلم كيف يتم بيع بعض النساء في الأسواق للعمل في هذا القطاع، بعد حرمانهنَّ من التعليم وغير ذلك دون أي ضمانات. القانون هو خطوة لكن لا نقبل بقانون للوجاهة، قانون يتم عبره تعميق التمييز داخل قطاع، نحن كجمعية قدّمنا مقترحات للحماية أكثر والرقابة وصيانة الحقوق والكرامة الإنسانية.