ترحيب نسوي واسع بتعيين نجلاء بودن رئيسة للحكومة

بعد نهاية كل حرب، يلجؤون إلى النساء لكي يعم السلام... هذه الكلمات تلخّص وضع تونس اليوم، فبعد أن عاشت البلاد أزمات عديدة، جاء تعيين نجلاء بودن رئيسة للحكومة في التاسع والعشرين من أيلول/سبتمبر الفائت، وتم تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة

زهور المشرقي
تونس ـ
رحبت الجمعيات النسوية في تونس بقرار تعيين نجلاء بودن لتولي رئاسة الحكومة، لتكون بذلك أول امرأة تتقلد هذا المنصب في تاريخ البلاد، واعتبرنه انتصاراً حقيقياً للمرأة التونسية ورد اعتبار لها بعد أن عاشت سنوات من التهميش والإقصاء.
وعلّقت المحامية ليلى حداد، النائبة بالبرلمان المجمّد، في حديث مع وكالتنا، قائلةً "إن قرار تكليف الرئيس قيس سعيد لنجلاء بودن رمضان بتشكيل الحكومة الجديدة يعتبر مفاجأة للجميع ودرساً ديمقراطياً لمن يدعون الديمقراطية".
واعتبرت أن تعيين امرأة لترأس الحكومة رسالة إيجابية، وهو اعتراف بدورها الريادي وتقدير لما قدمته من تضحيات، مشيرةً إلى أن نجاح نجلاء بودن في إدارة الحكومة سيتيح فرصاً للمرأة للمشاركة في تحقيق أهداف الفترة القادمة والانتصار للنساء.  
وأردفت أن هذا التعيين ينم عن إرادة تغيير بعد أن فشلت الوجوه القديمة للحكومات السابقة، بوجوه ودماء جديدة لإتمام الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد، ما يزيد من حجم مسؤولية نجلاء بودن في ضرورة إنجاح المرحلة السياسية القادمة. 
وأشارت إلى أن التكليف هو إدانة من جانب آخر للمجتمع الذكوري بشكل غير مباشر الذي سلب المرأة حقها في الحياة السياسية وتقلد المناصب الحساسة. 
من جانبها عبّرت الصحفية والناشطة المدافعة عن حقوق النساء بسمة سعايدية، عن مساندتها لنجلاء بودن بلا تردد لأسباب عديدة لعل من أهمها أن المرأة التونسية قد أثبتت جدارتها وكفاءتها في الدول المتقدمة وفي العديد من المناصب الحساسة وفي كبريات الشركات والمؤسسات في العالم ويُشهد بالقدرة على القيادة والتنظيم.
وأوضحت أنه ذاع صيت المرأة التونسية منذ عقود في كل المجالات المعرفية والعلمية والإنسانية والفنية وغيرها، وآن الأوان أن تتقلد مناصب عليا في إدارة الشأن العام للبلاد والحال أن وصول المرأة التونسية إلى مثل هذه المناصب كان من المحرمات إن لم نقل ممنوعاً منعاً باتاً، "إن لقرار التكليف عدة رسائل منها أنه لا إصلاح لمسار هذه البلاد إلا بتضافر جهود الجميع رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً، بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة والذكورية المتسلطة... ولننتظر إلى ما ستؤول إليه الأمور في بلادنا مع حكومة ترأسها امرأة لأول مرة في تاريخها".
من جانبها، رحّبت وزيرة المرأة السابقة نزيهة العبيدي، بقرار تعيين نجلاء بودن، معتبرةً ذلك اعترافاً بحق المرأة التونسية بتولي مناصب حساسة، وعبّرت عن دعمها الكلي لها لخدمة القضايا العاجلة من ضمنها قضايا النساء التي لا تحتمل التأجيل.
وأكدت أن التعيين هو تتويج لنضال التونسيات من أجل المساواة التامة والوصول إلى مواقع القرار والمشاركة في إدارة الشأن العام، معبرة عن أملها في تجسيد مبدأ التناصف لوصول النساء إلى مراكز القرار في مختلف الوظائف.
أما الناشطة النسوية والمسرحية سماح مصباح، فقد اعتبرت أن تونس تُعد من أول الدول العربية التي أكدت على مبدأ تحرير المرأة، وتكافؤ الفرص بين الجنسين، وركزت على خطاب المساواة، وأشارت إلى أن النساء التونسيات ناضلن طيلة السنوات الماضية لانتزاع حقوقهن وكان لهن السبق في مجالات عديدة في التأثير بالقرارات لتنمية المجتمع، وذلك لما يتمتعن به من مؤهلات، وقدرتهن على القيام بأدوار قيادية وريادية على جميع الأصعدة. 
وذكّرت سماح مصباح بدور ميّة الجريبي وهي أول امرأة ترأست حزباً سياسياً في تونس والعالم العربي، وكذلك برائدة الحركة النسوية التونسية بشيرة بن مراد، وتوحيدة بالشيخ وهي أول طبيبة عربية بعد أن حصلت على دكتوراه في الطب من فرنسا، وغيرهن الكثيرات.
وأكدت الناشطة النسوية أنها تعمدت التذكير بمكاسب المرأة التونسية مع ذكر بعض الأمثلة وذلك للحفر في ذاكرة المجتمع الذكوري الأبوي ونفض الغبار عنها. 
وتعتقد أن تولي أول امرأة تونسية منصب رئيسة حكومة، كفيل بزعزعة أسس هذا المجتمع وإحداث شرخ كبير في الموروث الثقافي الاجتماعي الذي يتركز بالأساس حول نظرة المجتمع للمرأة، ففي كل مرة تحرز المرأة تقدماً، تضعف شوكة النظرة المجتمعية الدونية لها التي طالما عانت منها إلى يومنا هذا ولكن بدرجات مختلفة ومتفاوتة.
وأضافت أن مثل هذا القرار، يفضح كل الذكورية المبطنة التي ستكشر عن أنيابها في إطار الدفاع عن إعادة إنتاج نماذج تقليدية من المنظومة القيمية الذكورية المهددة بالاضطراب والتصدّع مع كل تقدم نسائي، بنفس الأشكال التقليدية القديمة وبأشكال أخرى مختلفة أيضاً، في محاولة للحيلولة دون تعزيز مكانة المرأة التونسية ودورها على كافة الأصعدة وخاصة في سوق العمل والمساهمة في صنع القرار السياسي.
وأكدت على أنه بغض النظر عن الأبعاد المختلفة لهذا القرار السياسي؛ "بعد سياسي، استراتيجي، حقوقي، اجتماعي، دولي..."، بإمكان التونسي أن يجزم أنه في ظل مجتمع ذكوري أبوي ما كان لهذا الإنجاز التقدمي أن يأتي عن طريق الانتخابات أو البرلمان.
ونوهت في ختام حديثها إلى أنه "لا يمكننا إنكار هذه السابقة في تعيين أول امرأة تونسية كرئيسة حكومة، لكن يجب في ذات الوقت الأخذ بعين الاعتبار الكفاءات والمؤهلات مع انتظار النتائج".
وتعيش تونس مرحلة استثنائية بعد القرارات التي اتخذت، وتترقب ما قد يترتب على هذه الخطوة على مستويات الأزمة، التي تأتي في مقدمتها الأوضاع الاقتصادية وحالة الاحتقان السياسي الحالي، تركيبة الحكومة التي ستشكلها نجلاء بودن، والبرنامج والخطاب الأول الذي يمكن أن يكشف عن نهجها وقدرتها السياسية. 
وثمّنت جمعية "أصوات نساء"، في بيان لها، تكليف امرأة بتشكيل حكومة جديدة، معبرةً عن أملها في تواصل النهج المناصر لتكليف النساء التونسيات في مناصب قيادية عبر ضمان التناصف التام بين أعضاء الحكومة المرتقبة حتى تكون قادرة على بناء دولة تونسية قائمة على المساواة بين الجنسين وكافة فئات المجتمع. وأكدت في بيانها على ضرورة إيلاء القضايا المجتمعية العاجلة الاهتمام الخاص، ومنها العنف المسلط ضد النساء.
وستواجه نجلاء بودن من مواليد 1958، تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، وستقف في مواجهة ملفات عديدة معقدة يأتي في مقدمتها الفساد إضافة إلى الأزمة الصحية والاقتصادية، فقد بلغ معدل التضخم 5.7% خلال حزيران/يونيو 2021، وتتفاوض تونس مع صندوق النقد الدولي للحصول على 4 مليارات دولار، فيما تقترب نسبة البطالة من 18%.
وكانت قد شغلت أستاذة التعليم العالي في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس، والمختصة في علوم الجيولوجيا، نجلاء بودن مناصب عدة في وزارة التعليم، منها تعيينها بمنصب مكلفة بمهمة في ديوان وزير التعليم العالي الأسبق شهاب بودن في حكومة الحبيب الصيد سنة 2015.
كما تم اختيارها للإشراف على خطة لتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهو المنصب الذي كانت تشغله قبل تكليفها بمهمتها الجديدة.