تقهقر نسب وجود التونسيات في البرلمان.... القانون الانتخابي أول أسبابه

صعدت 25 امرأة فقط إلى البرلمان التونسي الذي ينتظر تشكيله الشهر المقبل، بعد أن كان عدد النائبات 57 أي بنسبة 26 بالمائة.

زهور المشرقي

تونس ـ لطالما كانت التونسيات سدّاً منيعاً منذ الثورة، وفرضن أنفسهن في الحياة السياسية وناضلن وتواجدن بقوة في ساحات النضال، وترجم ذلك في دستور 2014 الذي حقّق مبدأ المناصفة وأقر المساواة بين الجنسين دون تمييز، ورافق الدستور مقاومة المجتمع والجمعيات النسوية التي وقفت بحزم في وجه المخططات الرجعية التي حاولت المسّ من مكاسب النساء.

ترجم القانون الانتخابي السابق تلك الوقفة بإقرار مبدأ المناصفة الأفقية والعمودية بين الجنسين في الأحزاب والقوائم المترشحة للانتخابات البلدية عام 2018، تلك المناصفة كانت بمثابة الثورة في مجال الدفاع عن حقوق النساء، لكن نسفها دستور 2022، ما خلّف غضباً نسوياً عارماً رافقته احتجاجات ميدانية وإصدار بيانات رافضة لمبدأ إقصاء النساء الممنهج من الحياة السياسية، وبدأت من بوابة الانتخابات التشريعية التي عرقل القانون الانتخابي ترشحها فيها بسبب الشروط المجحفة التي وضعتها وتبدأ من نظام التزكيات في مجتمع أبوي لا يؤمن بوجود النساء في المناصب القيادية بل يعرقل وصولها لمراكز القرار وإن بلغتها يسعى لتقزيمها ومهاجمتها بكل الوسائل.

وكانت نسبة مشاركة النساء الأضعف منذ 2014 في ترجمة لرفض القانون الانتخابي وإقصائهن فضلاً عن دعوات المقاطعة التي أطلقتها الجمعيات المدنية والنسوية التي لاقت القبول والتجاوب إضافة إلى تدني الوضع الاقتصادي في البلاد والذي دفع التونسيات لمقاطعة هذا المسار وتعبيرهن علناً عن الاستعداد لمقاطعة كل المسارات التي لا تخدم النساء.

 

مشاركة ضعيفة

أكدت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي على أن مشاركة النساء في الانتخابات البرلمانية التونسية الأخيرة ضعيفة، نظراً للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد، والتي خلّقت أزمة ثقة في مؤسسات الدولة "القانون الانتخابي الذي أصدره الرئيس قيس سعيد لم يعطي الفرصة للنساء ولم يحترم نضالاتهن ونضالات الحركة الحقوقية؛ حيث نسف مكسب التناصف الأفقي والعمودي وحرم النساء من البرلمان".

وأوضحت بأن قانون الانتخاب على الأفراد يتطلب بيئة اقتصادية وثقافية واجتماعية واعية بلغت مرحلة الإيمان التام بالمساواة بين الجنسين، مشيرة إلى أن ذلك لا يمكن أن يتحقق في مجتمع يغلب عليه الطابع الذكوري والأبوي ومجتمع يعتبر النساء في الصف الثاني ولا يقدس وجودهن في مراكز القرار.

ولفتت إلى أن المتعارف عليه أنه في الدساتير تعمل الحكومة على دعم وجود النساء في مواقع القرار "نحن لم نلمس عمل حكومتنا على تمركز النساء لذلك كانت نسبتهن ضعيفة جداً ومخجلة ليصبح برلمان ذكوري بامتياز".

وذكّرت بالفارق الذي صنعته النساء خلال انتخابات 2014 في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، مشددة على أن المسألة تتأرجح بين وعي النساء وقدرة الحكومة على استيعابهن والدفاع عن وجودهن بقوة القانون.

 

 

سحب مبدأ التناصف

إذا عدنا للتركيبة الجديدة للبرلمان التونسي، فالأرقام تؤكد حصول الفئة العمرية أقل من 45 سنة على 73 مقعداً، بنسبة 47.4 في المائة، وحصول 25 امرأة من أصل 34 مرشحة على مقاعد في البرلمان أي بنسبة 16.2 في المائة، مقابل 23 في المائة في برلمان 2019.

وعن تراجع نسبة تمثيل النساء في البرلمان، تعتبر الناشطة النسوية رجاء الدهماني أن الضعف هو نتيجة حتمية للقانون الانتخابي الذي سحب مبدأ التناصف بالرغم من وجوده في الدستور، مؤكدة أن الجزيئات وتفاصيل ترشح النساء ونظام التزكيات قد أضعف مشاركتهن برغم قدرة وتمكن بعض النساء من الترشح لكنهن رفضن واخترن النضال وعبرن علناً عن رفضهن للقانون الانتخابي وعدم الانخراط في هذا المسار.

وأوضحت "كان هدف الحركة النسوية هو تواجد النساء بنسبة كبيرة في مجلس النواب لاعتبارهن الوحيدات القادرات على فهم قضايا المرأة والدفاع عنها ومعالجة مختلف القضايا وخلق تشريعات تخدمها، لكن القانون الانتخابي كان حاسماً في الإقصاء وكانت النساء حاسمات في إيصال رسالة واضحة للنظام أو الأنظمة التي تداولت على السلطة برفضها وعدم الرضا الكلي للوضع الراهن والسياسات القائمة التي لا تقدر النساء".

وأضافت أن الخروج للاقتراع هو ممارسة للمواطنة قبل كل شيء وإذ لم تشعر النساء بمواطنتهن الكاملة في وطنهن، فلماذا ستنتخبن وتترشحن.

 

 

برلمان "مجهول"

وعن البرلمان الذي سيتشكل رسمياً ويبدأ عمله الشهر المقبل، قالت "هذا البرلمان لا نعرف كيف سيتم تشكيله ومن سيكون حاضراً فيه ولا نعرف الأحزاب التي ستكون داخله، ما نعرفه أننا غادرنا برلماناً كنا نرفض فيه أحزاب سياسية معينة وتوجهات وأيديولوجيات لا تمثلنا، اليوم نحن نتساءل، هل سيكون هناك برلمان جديد يحترم المواطنة والثورة التي نؤمن بها؟، وهل سيدافع من في البرلمان عن مواصلة مسار الثورة ودولة مدنية ديمقراطية تؤمن بالحرية والكرامة والعدالة؟ أو أننا لا زلنا نتخبط في أذيال المحافظين والإسلام السياسي برغم إيماننا أننا لم نخرج بعد من المأزق لبناء الدولة الحقيقية التي تحترم مواطنيها وقوانينها والدولة المدنية بمؤسساتها الحاسمة لتحقيق العدالة وهل سيحقق هذا البرلمان كل هذا أو لا؟".

 

النساء مغيبات

من جانبها قالت الناشطة الحقوقية والمحامية نجاة اليعقوبي "إقصاء النساء من المشاركة في الانتخابات كناخبات ومنتخبات ضرب لنصف المجتمع، من المؤسف أن يتم إقصاء نصف المجتمع المتمثل في النساء وتحرمن من التواجد كالسابق في السباق الانتخابي، وكأننا أمام مجتمع دون إرادة وصاحب إعاقة عضوية غير قادر على التحرك والتفكير".

وتساءلت "كيف يمكن لهذا البرلمان أن يقوم بدوره والنساء مغيبات ومقصيات؟، هذا التغيير سيكون بمثابة التأخر والتأخير للمجتمع التونسي وعودة إلى الوراء لأننا بلغنا كنساء مرحلة من الوعي والحنكة التي لا يمكن أن نقبل بعدها أي خطأ بحقنا أو تلاعب بحقوقنا والأمر محسوم بالنسبة إلينا".

وقالت إن العالم كله شاهد على نضالات التونسيات منذ الثورة حيث احتللن ساحات النضال دون خوف وسعين للحفاظ على مكاسبهن برغم كل الحملات التي تعمل ضدهن "كثيرة هي الإنجازات التي قدمنها كنساء وأيضاً تجاوزنا وتفادينا العديد من المصاعب بعمود وقوة النساء، فإذا كنا نبحث عن مجتمع عادل ومتساوي وديمقراطي فلا مجال لإقصاء النساء".