سياسيات يتحدثنَّ عن ضعف تمثيل المرأة التونسية في البرلمان
لطالما كانت المكاسب التشريعية والقانونية للمرأة التونسية ميزة أحدثت فرقاً بينها وبين نساء البلدان العربية منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956، ولطالما كان حضورها السياسي مهماً وبارزاً في السنوات الأخيرة، لكن تلك المكاسب التي حققتها بمجهود ذاتي وكفاءة عالية أصبحت مصدر قلق بعد أن تراجعت مكانتها في الحياة السياسية.
زهور المشرقي
تونس - لطالما كانت المكاسب التشريعية والقانونية للمرأة التونسية ميزة أحدثت فرقاً بينها وبين نساء البلدان العربية منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956، ولطالما كان حضورها السياسي مهماً وبارزاً في السنوات الأخيرة، لكن تلك المكاسب التي حققتها بمجهود ذاتي وكفاءة عالية أصبحت مصدر قلق بعد أن تراجعت مكانتها في الحياة السياسية.
غُيبت المرأة التونسية عن مراكز القيادة، حيث تراجعت نسبة تمثيلها في البرلمان، وأشارت آخر الإحصائيات إلى تدني مرتبتها إلى دون المتوسط العالمي في التصنيف، لتحتل المرتبة 124 عالمياً من بين 153 دولة عام 2020.
وتعتبر العديد من النائبات التونسيات أن المشاركة السياسية للمرأة تبقى ضعيفة ودون المأمول. وكانت الجمعيات النسوية قد نددت في أكثر من مناسبة بضعف تمثيلية المرأة في المجلس النيابي، برغم تكثيف حملات المناصرة لحقوق المرأة السياسية، والسعي إلى إقرار مبدأ التناصف، في وقت لم تتجاوز فيه نسبة تمثيل النساء 23 بالمئة.
وتعتبر النائبة بمجلس نواب الشعب ورئيسة لجنة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين سماح دمق، في حديث لوكالتنا أن انتخابات 2019 أفرزت صعود 51 نائبة فقط من إجمالي 217 مقعداً، أي بنسبة الربع، بعدما كان عدد النساء في الدورة البرلمانية السابقة 79 نائبة، أي ما يمثل تقريباً 36% من المقاعد، وكان البرلمان التونسي يحتلّ المرتبة 31 عالمياً بنسبة النساء حسب إحصائيات الاتحاد البرلماني الدولي.
وتفسر محدثتنا ضعف تمثيل النساء في البرلمان بضعف وجودهنَّ على رأس القوائم، إذ أن القانون الانتخابي لا يفرض سوى التناصف العمودي، أي التناوب بين الرجال والنساء في المراتب ضمن كل قائمة انتخابية.
وأشارت سماح دمق، إلى مبدأ التناصف في البرلمان الذي ظل أفقياً فقط، وإلى المساعي السياسية النسوية لإقرار مبدأ التناصف الأفقي العمودي، كما حدث في الانتخابات البلدية، "إن هذا ما سنعمل من أجل تحقيقه في الدورة المقبلة لإعطاء فرصة أكبر لوجود المرأة وإثبات ذاتها، والدفاع عن حقوقها وحق كل النساء انطلاقاً من سن تشريعات لصالحها".
وأوضحت أنه وبرغم وجود القوانين التي تتحدث عن التناصف إلاّ أنها لا تطبق على أرض الواقع "يوجد تحايل في القوائم المستقلة التي لم تنضبط للتناصف، هذا دون أن ننسى أيضاً العقلية الحزبية التي وجب مراجعتها، ومحاربة فكرة إقصاء المرأة انطلاقاً من الانتخابات الحزبية الضيقة وصولاً إلى البرلمان والبلديات، وللأسف بقينا رهينات لفكرة أن رئاسة القوائم لابد أن تكون للرجل ليتم الاستقطاب أكثر."
وأشارت إلى أن حزبها "حزب قلب تونس" من أكثر الأحزاب التي أعطت للمرأة فرصة الوجود في البرلمان وصلب الحزب، لافتة إلى أن "حركة النهضة مثلاً أجرت قبل الانتخابات البرلمانية انتخابات داخلية، وتصدرت النساء قوائم التصويت لكن بعد ذلك تم التراجع عن رئيسات القوائم واستبدالهنَّ برجال".
ودعت إلى أهمية النظر في قانون الأحزاب، ومراجعته لتعطي للمرأة فرصة أن تكون أكثر وجوداً في القيادة.
وأرجعت تغييب النساء عن مراكز القيادة إلى العقلية الذكورية الطاغية بالرغم من أن المرأة أثبتت كفاءتها وتميزها ونجحت في عمليات الاتصال المباشر مع الناس في أثناء الانتخابات.
وأضافت أن المرأة أثبتت تحملها للمسؤولية أكثر من الرجال وحرصت على تحقيق ما تعِدُ به ناخبيها.
وبخصوص سؤال وكالتنا عمّا قدمته البرلمانية للمرأة التونسية، أجابت سماح دمق "البرلمانية قدمت العديد من الإنجازات والقوانين التي تدافع عن مكانة المرأة التونسية وحقوقها، ومن أبرزها قانون مكافحة العنف، وفرض الجندرة في ميزانية الدولة، وتقديم مقترح قانون حول التغطية الاجتماعية للفلاحة التي تعاني الكثير، وهناك تكتل نسائي من أجل تشريعات تخص النساء وحقوقهنَّ".
أما النائبة بالبرلمان مريم بلقاسم، فقالت في حديث مع وكالتنا "بالرغم من أن المرأة عنصر فاعل في الحياة السياسية التونسية، وأثبتت جدارتها وتميزها، لكن يبدو أنّ أغلب الأحزاب تقبل على مضض بمبدأ التناصف العمودي في القوائم التشريعية في الوقت الذي لا يفرض القانون الانتخابي التناصف الأفقي وهو ما قلّص نسبة تمثيل النساء في البرلمان في الانتخابات التشريعية الأخيرة".
وذكرت مريم بلقاسم أنه "بالرغم من سعي بعض الأطراف السياسية إلى زيادة تمثيل المرأة، إلا أنها بعد انتخابات 2019 تراجعت، لعدة أسباب أبرزها عدم ترشيح نساء كرئيسات للقوائم وثانياً أن المشهد السياسي المتشتت سمح بصعود رؤساء القوائم أغلبهم رجال".
ودعت إلى أهمية إشراك المرأة في صنع القرار وإثبات أحقية مبدأ التناصف، مشيرةً إلى أن البرلمانية من مسؤوليتها توفير إطار قانوني يجعلها موجودة أكثر.
وبخصوص ما قدمته البرلمانية للمرأة التونسية، أكدت أن المرأة لا تمثل كتلة، وإنما كل برلمانية تنتمي إلى حزب معين، وكلٌّ يعمل بناءً على قناعاته الحزبية، "حضور النساء في الجلسات العامة هو الأبرز والأكثر مواظبة، فهنَّ يحاولنَّ الاجتهاد برغم ضعف التمثيل ويسعينَّ إلى دعم المرأة التونسية أينما كانت عبر سن تشريعات لصالحها".
بدورها ترى الصحفية سوسن الزغواني، أن "ضعف تمكين النساء في البرلمان ناتج وبشكل واضح عن تاريخ تكريس السلطة التي شجعت بطريقة ما سيطرة العقلية الذكورية المغلفة بالدين"، معتبرةً أن تراجع حضور المرأة عن المشاركة السياسية ممنهج، "الانتخابات الأخيرة أفرزت اتجاهاً لا يعبر عنهنَّ، وإنما يكرس الثقافة الشائعة وهي ثقافة أبوية محافظة، تجد في الخطابين الإخواني والشعبوي دعائم لها".
من جانبها ترى السياسية التونسية والنائبة السابقة في البرلمان مباركة البراهمي، في لقاء سابق مع وكالتنا، أنه "بالرغم من الحضور النسوي الضعيف نوعاً ما بالبرلمان التونسي على عكس التمثيل النسائي بالدورة البرلمانية السابقة إلا أن المرأة لا تزال تسجل حضوراً هاماً وقائماً على الدفاع عن مكتسبات المرأة".
ودعت النساء التونسيات إلى مزيد من السعي لنيل حقوقهنَّ بالكامل، كما أكدت أن النموذج التونسي كان ولا يزال حلماً بالنسبة للعديد من النساء في بعض الدول العربية.